• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 64- المناقشة الخامسة: التفصيل بين تبادر المستعلم وتبادر اهل المحاورة، والجواب ـ المناقشة السادسة: التفصيل بين التبادر الاطلاقي والتبادر الحاقي .

64- المناقشة الخامسة: التفصيل بين تبادر المستعلم وتبادر اهل المحاورة، والجواب ـ المناقشة السادسة: التفصيل بين التبادر الاطلاقي والتبادر الحاقي

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 (64)
التبادر الحاقّي والتبادر الإطلاقي
 
السادس: ان التبادر اما حاقّي واما إطلاقي والثاني ليس بحجة أي ليس من الأدلة على الوضع، فلا بد لإحراز كونه من التبادر الحجة إحراز كونه حاقّياً ولا محرز له في المقام إذ لعل الانسباق – أي انسباق وتبادر نقل ملكية الأعيان من البيع – إنما كان للإطلاق لا من الحاقّ.
توضيحه بالمثال: انه قد يدعى تبادر الأعم من المتلبس بالمبدأ، من المشتق، استناداً إلى ان مثل (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)([1]) ينسبق إلى الذهن منه الظالم زمناً ما حاضراً كان أو ماضياً فلا يناله العهد، والذي قد يجاب بانه – في المثال – ناشئ من الإطلاق([2]) لا من الحاقّ كما يجاب بغيره مما هو أسبق منه رتبة. وسيأتي بإذن الله تعالى.
وعليه: فلا بد من ملاحظة هذه الإشكالات الست، فان سلم احدها عن النقاش بطل الاستدلال بالتبادر على مدعى المشهور وعلى مدعى غيرهم المقابل له. فلنبدأ من الوجهين الأخيرين:
 
التفصيل بين تبادر المستعلِم وتبادر أهل المحاورة:
 
فقد يقال: ان تبادر أهل المحاورة هو الحجة الكاشف عن الوضع دون تبادر المستعلم والمكلف، أو فقل التبادر النوعي هو الحجة دون الشخصي؛ وذلك لأنه حيث لم تكن علاقة اللفظ بالمعنى ذاتية بل كانت وضعية جعلية، أي بالجعل والاعتبار، فإذا تبادر للنوع أي لمختلف أهل اللغة في شتى البلاد ومن شتى البيئات المعنى ذاته من لفظٍ ما كشف ذلك عن ان منشأه هو الوضع وانهم جميعاً تلقوا بيداً بيد كابراً عن كابرٍ هذا المعنى من ذلك اللفظ وصولاً للواضع؛ إذ لا منشأ متصوَّر لاتحاد كافة أهل المحاورة في فهم معنى منسبقاً أولاً إلى أذهانهم من اللفظ مع اختلاف بلادهم وخلفياتهم المعرفية والنفسية، إلا التلقّي من الواضع الأول.
أما التبادر لدى المستعلم فلا؛ إذ كيف يكون تبادر معنى معين من لفظ معين لديه دليلاً على وضع الواضع الأول قبل مئات أو ألوف السنين مع احتمال كون سبق هذا المعنى إلى ذهنه أولاً وليد خلفياته الذهنية أو القرائن الحالية المكتنفة ببيئته خاصة؟
نعم لو كان كثير الأسفار كثير المعاشرة لمختلف أهل المحاورة كان ملحقاً بالأول فانه منه أو كاشف عنه.
 
مرآتية التبادر الشخصي للنوعي وأصالة التطابق

لا يقال: تبادره والسبق إلى ذهنه وإن كان تبادراً شخصياً إلا انه يمكن القول بكاشفيته عن الوضع الأول بأحد نحوين:
1- أصالة التطابق بين التبادر الشخصي والتبادر النوعي.
2- مرآتية التبادر الشخصي للنوعي، هذا لو لم نرجع الأول إليه بل لو لم نرجعه لكان الأولى الاستدلال بالمرآتية أولاً فتدبر.
 
لا مرآتية، للفارق بينهما

إذ يقال: لا مرآتية كما لا أصل؛ لوجود الفارق الكبير بين التبادرين؛ فان التبادر لدى الشخص محتمل جداً، كما سبق، كونه لا من حاق اللفظ بل من الخلفيات الذهنية أو القرائن الحالية المكتنفة به، عكس التبادر لدى أهل المحاورة والنوع لبداهة اختلاف خلفياتهم الذهنية وبيئاتهم والقرائن المحيطة بكل قومية أو طائفة فلو تبادر مع ذلك معنىً محدد من لفظ ما لدى كل ناطق بالعربية في أي بلد عاش ومن أية طائفة كان: من العلماء والجهال، والجنود والمزارعين، والشباب والكهول.. الخ، دلّ على ان التبادر إنما هو من حاق اللفظ.
وعليه: فتبادر (العين) في البيع بمعنى كون متعلقه المثمن هو العين أو تبادر الأعم ليس بحجة على انه موضوع له إلا لو ثبت انه كذلك عند كافة أهل المحاورة.
 
مناقشة التفصيل
 
لكن هذا التفصيل، رغم تشييدنا له بما مضى، غير تام، وحديث المرآتية تام، وذلك لأن آحاد أهل المحاورة ملتفتون، ولو ارتكازاً ساذجاً بسيطاً، إلى الفرق بين الحقيقة والمجاز والانسباق من حاق اللفظ أو من القرائن الحالية أو المقالية المكتنفة، فمع إلتفاتهم الارتكازي إلى ذلك لو رأى أحدهم عند التأمل في لفظ ومعنىً إنسباقَه إلى ذهنه أولاً بالنظر إليه بذاته وقطع النظر عن أية مؤثرات خارجية محتملة، كان ذلك دليلاً عرفاً على انه تلقاه كذلك كابراً عن كابر وصولاً إلى الواضع الأول أو كان دليلاً على ان حال سائر أهل المحاورة كذلك فيكون دليلاً على الوضع الأول بواسطة.
وبعبارة أخرى: إحراز آحاد أهل المحاورة، عدم وجود قرينة حافة بتدبره وتأمله في نحوِ انسباق هذا المعنى إلى ذهنه وانه من حاق هذا اللفظ، نافٍ للاحتمال بكونه من القرائن.
 
الاحتمال غير مخل بالحجج النوعية
 
والاحتمال([3]) وإن بقي عقلاً لكنه ملغى عقلائياً فان إحتمال الخطأ بل وجوده أحياناً وشاهِدُهُ تناقضُ دعاوى التبادر، غير مخلّ بالحجية ككافة الحجج النوعية الظنية، بل ان المشهود تناقض دعوى التبادر وغيره لا بين الآحاد من أهل المحاورة فقط بل بين مجاميع هنا ومجاميع هناك فان كان الخطأ والتناقض مخلاً بحجية التبادر الشخصي لكان مخلاً بحجية التبادر لدى جمهرة من الأعلام أو من الناس أيضاً وللزم الاقتصار في حجيته على ما لو أجمع أهل المحاورة عليه أو شبه ذلك ولم يلتزموا به، كما لا وجه وجيه له.
 
اقوائية التبادر النوعي تجدي في صورة التعارض
 
نعم، لا شك ان التبادر النوعي لو أحرز، بان تتبع الشخص قرائن مختلف أهل اللغة، كان أقوى وأقل في احتمال الخطأ من التبادر الشخصي مما لو لم يتتبع حال سائر أهل المحاورة بل اكتفى بالتأمل في حال اللفظ والمعنى لديه في حاق نفسه وذهنه، ولكن ذلك لا يخل بالحجية إذ ان للحجية في الظنون النوعية عرضاً عريضاً، كما فصلناه في مباحث الاجتهاد والتقليد. نعم ذلك مجدٍ في صورة التعارض مطلقاً أو في الجملة، وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2054
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 5 جمادى الاولى 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23