بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(62)
الاستدلال بالروايات على شمول البيع لبيع المنافع
أما الروايات التي استدل بها على كون البيع حقيقة في نقل المنافع أيضاً فهي كثيرة وهي متنوعة متوزعة على أبواب شتى: فمنها ما يتعلق ببيع الارض الخراجية، ومنها ما يصرح ببيع خدمة العبد المدبر، ومنها ما يعبر بشراء المرأة التي يريد الزواج بها بأغلى الأثمان، ومنها: ما يصرح بجواز بيع حق القسم، ومنها ما يتعلق ببيع منافع الدار التي في يده والتي جهل مالكها.
بل استدل البعض بالآيات الكريمة أيضاً.
اما الروايات فكما سبق هي على طوائف:
أ- ما دل على بيع سكنى الدار مجهولة المالك
الطائفة الأولى: ما دل على بيع سكنى الدار المجهولة المالك التي كانت بيده وبيد آبائه، كمعتبرة (إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: "سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ فِي يَدِهِ دَارٌ لَيْسَتْ لَهُ، وَلَمْ تَزَلْ فِي يَدِهِ وَيَدِ آبَائِهِ مِنْ قَبْلِه، قَدْ أَعْلَمَهُ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُمْ وَلَا يَدْرُونَ لِمَنْ هِيَ فَيَبِيعُهَا وَيَأْخُذُ ثَمَنَهَا؟ قَالَ (عليه السلام): مَا أُحِبُّ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ لَهُ. قُلْتُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ يَعْرِفُ صَاحِبَهَا، وَلَا يَدْرِي لِمَنْ هِيَ وَلَا أَظُنُّهُ يَجِيءُ لَهَا رَبٌّ أَبَداً؟ قَالَ (عليه السلام): مَا أُحِبُّ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ لَهُ، قُلْتُ: فَيَبِيعُ سُكْنَاهَا أَوْ مَكَانَهَا فِي يَدِهِ([1]) فَيَقُولُ أَبِيعُكَ سُكْنَايَ وَتَكُونُ فِي يَدِكَ كَمَا هِيَ فِي يَدِي؟ قَالَ (عليه السلام): نَعَمْ يَبِيعُهَا عَلَى هَذَا"([2]) ) ([3])
توجيه الرواية وبيان تخريجها
والوجه في تجويز الإمام (عليه السلام) بيع سكن الدار مع انها ليست ملكاً له بإقرار ذي اليد السابق عليه وهو أبوه وأجداده هو: ان ذلك هو مقتضى الجمع بين الأدلة المجتمعة في المقام فانه حيث لم يكن مالكاً لرقبة الدار بإقرار ذي اليد السابق عليه بل وبقطعه من كلامه بصدقه كما لعله الظاهر، لم يجز له بيعها، وحيث كان المقرّ ومن هي بيده يتصرف فيها تصرف مالك المنافع وقد نقلها إليه كذلك جاز بيعها (أو إجارتها) كذلك، إذ ذلك مقتضى أصالة الصحة في عمل المسلم بل ومقتضى اليد أيضاً فان اليد دليل ملكه للعين والمنافع وقد خرجت العين بالإقرار فبقيت المنافع ولا تلازم بين الأمرين.
واما تخريج ذلك وتحقيق حال هذا الملك صغرى: فيحتمل ان مالكه صالحه على ان المنافع له ولورثته، كما يحتمل ان يكون من (العُمرى) أو (الرُّقبى) وجامعهما (الحبس) ([4]) دون الوقف لاستبعاد تحقق وقف ينطبق صحة الانتفاع به على أي مشترٍ كان حتى يجوز له بيعه من أي شخص كان لظاهر إطلاق تجويز الإمام له ذلك، وربما احتمل ان يكون عارية مطلقة مع تجويز بيع منافعها (أو إجارتها) لا وديعة إذ لا يجوز ذلك. فتأمل
ب- ما دل على جواز شراء حق القسم
الطائفة الثانية: ما دل على جواز شراء حق القسم ([5])، مثل (خبر علي بن جعفر (عليه السلام) "قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا لَيْلَتِي وَيَوْمِي لَكَ يَوْماً أَوْ شَهْراً أَوْ مَا كَانَ أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ (عليه السلام): إِذَا طَابَتْ نَفْسُهَا وَاشْتَرَى ذَلِكَ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ"([6]).
ج- ما دل على شراء الزوجة بأغلى الأثمان
الطائفة الثالثة: ما دل على شراء الزوجة بأغلى الأثمان كخبر محمد بن مسلم الوارد في جواز النظر إلى امرأة يريد نكاحها قال: "سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) - عَنِ الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ أَيَنْظُرُ إِلَيْهَا؟ قَالَ (عليه السلام): نَعَمْ إِنَّمَا يَشْتَرِيهَا بِأَغْلَى الثَّمَن"([7])([8])
ونحوه خبر عبد الله بن سنان قال "قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ فَيَنْظُرُ إِلَى شَعْرِهَا؟ فَقَالَ (عليه السلام): نَعَمْ إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَغْلَى الثَّمَنِ"([9]) ) ([10])
د- ما دل على جواز بيع خدمة الامة المدبرة
الطائفة الرابعة: ما دل على جواز بيع خدمة الامة المدبرة (خبر أبي مريم عن أبي عبد الله (عليه السلام): "سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُعْتِقُ جَارِيَتَهُ عَنْ دُبُرٍ([11]) أَيَطَؤُهَا إِنْ شَاءَ أَوْ يَنْكِحُهَا أَوْ يَبِيعُ خِدْمَتَهَا حَيَاتَهُ؟ فَقَالَ (عليه السلام): أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَل"([12])
وفي خبر عنه "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ أَعْتَقَ جَارِيَةً لَهُ عَنْ دُبُرٍ فِي حَيَاتِهِ؟ قَالَ (عليه السلام): إِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا بَاعَ خِدْمَتَهَا فِي حَيَاتِهِ، فَإِذَا مَاتَ أُعْتِقَتِ الْجَارِيَةُ وَإِنْ وَلَدَتْ أَوْلَاداً فَهُمْ بِمَنْزِلَتِهَا" ([13])
وفي خبر السكوني عن علي (عليه السلام) قال (عليه السلام): "بَاعَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ وَلَمْ يَبِعْ رَقَبَتَهُ"([14]).
هـ - ما دل على جواز بيع حقه من أرض الخراج
الطائفة الخامسة: ما ورد في بيع حقه من أرض الخراج، مثل (رواية أبي بردة "قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) كَيْفَ تَرَى فِي شِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ؟ قَالَ (عليه السلام): وَمَنْ يَبِيعُ ذَلِكَ، هِيَ أَرْضُ الْمُسْلِمِينَ؟! قَالَ: قُلْتُ يَبِيعُهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ. قَالَ (عليه السلام): وَيَصْنَعُ بِخَرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مَاذَا؟ ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): لَا بَأْسَ يشْتَرَى حَقَّهُ مِنْهَا وَيُحَوَّلُ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، لَعَلَّهُ يَكُونُ أَقْوَى عَلَيْهَا وَأَمْلَأَ بِخَرَاجِهِمْ مِنْهُ"([15]) ) ([16])
ليس الاستدلال بمطلق الاستعمال بل بكونه بلا عناية
ثم ان الاستدلال ليس بمطلق الاستعمال فانه أعم من الحقيقة كما لا يخفى ([17])، بل المدعى هو ان استعمال البيع في تلك الموارد كان بلا عناية، لكنّ هذه الدعوى في طائفة روايات يشتريها بأغلى الأثمان واضحة السقم لوضوح العناية والتجوز فيها، نعم تبقى سائر الطوائف سليمة عن ظهورها في ان استعمالها كان بعناية فاللازم التأمل والرجوع للارتكاز وانه هل نرى في استعمالها عنايةً أم لا؟ سيأتي بإذن الله تعالى.
الاستدلال بالآيات الكريمة
اما الآيات فقد استدل بآيات عديدة منها: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) ([18]) و (الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)([19]) و (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً)([20]) و (اشْتَرَوْا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ)([21]) ) ([22]) وبرواية "...فَأَيُّ الْخَلْقِ أَشْقَى قَالَ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَا غَيْرِه"([23])
ولعل هذه الآية كروايات الشراء بأغلى الأثمان ظاهرة في المجازية وانها بعناية والمصحح هو تشبيه المعقول بالمحسوس.
وللبحث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
|