بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(57)
ظاهر المقابلة في كلام الشيخ أنّ الملكية اعتبارية
سبق ان المحقق اليزدي استظهر من كلام الشيخ (وحقائقها: إما أمور إعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية كما يقال: الملكيّة كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه، والطهارة كون الشيء بحيث يجوز استعماله في الأكل والشرب والصلاة نقيضَ النجاسة؛ وإمّا أمورٌ واقعيّة كَشَفَ عنها الشارع)([1]) وقد نقل عنه كلاما مقارباً لذلك، انه يرى الملكية أمراً واقعياً خارجياً غير اعتباري، وقد سبق جوابان وسبق الوعد بتتمة فنضيف:
ثالثاً: ان ظاهر كلامه ينفي مدعى اليزدي، وذلك لقرينة المقابلة بين الشقين ولظهور الحال كلما جيء بمقسم وقيد وأقسام أخرى في انها قسيم لذي القيد لا للكلي – المقسم بنفسه، أي ان القسيم قسيم للقسيم الأول لا للمقسم.
وكلام الشيخ صغرى ذلك فانه قال (وحقائقها اما أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام الشرعية... واما أمور واقعية) فالقسيم الثاني ظاهر في انه يقابل القيد أي (منتزعة من الأحكام التكليفية) فيكون الشق الثاني – على هذا – حقائقها أمور اعتبارية واقعية غير منتزعة من الأحكام الشرعية، لا انه (تكون حقائقها أمور غير اعتبارية).
وبعبارة أخرى: لو اراد المقابلة مع الأمور الاعتبارية (لتكون الملكية غير اعتبارية) لوجب ان يقول (وحقائقها اما أمور اعتبارية.. واما أمور واقعية كشف...) اما حيث قيّد الاعتبارية بالمنتزعة فان ظاهر القسيم هو مقابلته للمنتزعة وكون (الاعتبارية) هي المقسم لكلا القسيمين، فتدبر جيداً والله المسدد.
الجواب الخامس: الملك في الكلي والدين تنزيلي
وقد يجاب عن إشكال استحالة تعلق الملكية بالمعدوم كالكلي والدين والمنفعة المتجددة، فلا يصح بيعه تبعاً لذلك إذ لا بيع إلا في ملك، بان الملكية الحقيقية هي التي يستحيل تعلقها بالمعدوم وكونها صفة له لأنها أمر وجودي فكيف تكون صفة للعدمي أو تتعلق به، اما الملكية التنزيلية فلا إذ يراد بها إذ الشارع نزّل الملكية المعدومة (في ملكية الكلي المعدوم) منزلة الملكية الموجودة تعبداً، أو فقل هي ملكية حكمية لا حقيقية، وتنزيل المعدوم منزلة الموجود، لحكمةٍ، ممكن بل واقع بل حسن.
وبعبارة أخرى: (وقد يجاب: بأنَّ هذا ليس ملكاً حقيقياً، بل هو ملك حكمي رتب الشارع عليه أحكام الملك، وهذا الجعل والاعتبار لا يقتضي الوجود في الخارج، بل إنَّما يلزم ذلك في الملكية العرفية الحقيقية؛ فيكون تنزيلاً للمعدوم منزلة الموجود تعبداً)([2]).
أنواع التنزيل
أقول: التنزيل أنواع فلا بد من ملاحظة ان التنزيل المدعى من أي منها، ثم المناقشة والقبول والرد، فانه:
التنزيل في مرتبة الموضوع
تارةً: ينزّل الشارع، أو من بيده أمر التنزيل، أمراً منزلة أمر تكويني.
وأخرى: ينزل أمراً منزلة أمر مخترع شرعي.
فالأول كقوله (الرضاع لحمة كلحمة النسب)([3]) فان النسب، وهو كونه ابناً لهذا مثلاً، أمر تكويني ناشئ من تولده من نطفته وقد نزّل الشارع الرضاع منزلته.
والثاني كقوله: (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاة...)([4]) فان الصلاة مخترع شارعي وقد نزّل الطواف منزلتها. كما انه قد ينعكس التنزيل أي ينزّل الموجود منزلة المعدوم كـ(لا ربا بين الوالد وولده).
وهذا النوعان هما في دائرة الموضوع، أي ان التنزيل هو تنزيل لموضوع منزلة آخر.
التنزيل في مرتبة المحمول
وثالثةً: ينزل أمراً منزلة أمر آخر في مرتبة المحمول أي في الآثار لا في مرتبة الموضوع؛ وذلك كقاعدة الطهارة والحلية (كُلُّ مَاءٍ طَاهِرٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ قَذِرٌ)([5]) (الْمَاءُ كُلُّهُ طَاهِرٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ قَذِرٌ)([6]). (كُلُّ شَيْءٍ لَكَ حَلَالٌ حَتَّى يَجِيئَكَ شَاهِدَان يَشْهَدَانِ عِنْدَكَ أَنَّ فِيهِ مَيْتَةً)([7]).
فانه الظاهر انها – في صورة عدم المطابقة طهارة أو حلية ظاهرية لا واقعية، ويدل على ذلك التعليق على العلم فان الواقعيات غير منوطة به وقوله (عليه السلام) (لك) ولم يقل (كل شيء حلال حتى...) فتدبر نعم بناءً على ان الطهارة أمر اعتباري شارعي وليس حقيقة تكوينية خارجية فانه يمكن ان يكون الجعل والتنزيل في مرتبة الموضوع، لكنّ الأدلة في عالم الإثبات على خلافه.
التنزيل لا لمصلحة مسانخة بل لمصلحة مزاحمة
ورابعةً: ينزل أمراً منزلة آخر في رتبة الموضوع لكن لا لمصلحةٍ فيه مسانخة لمصلحة المنزّل عليه كما كان الحال كذلك في الصورتين الأوليين وهي المصلحة الداخلية، بل لمصلحة أخرى مزاحمة تقتضي ذلك وهي المصلحة الخارجية، وذلك كما في قاعدة الإلزام والإمضاء بناءً على ان المجعول فيها حكم واقعي ثانوي فان المجوسي إذا تزوج أمه مثلاً، شمله (لِكُلِّ قَوْمٍ نِكَاح)([8]) و (أَلْزِمُوهُم)([9]) (تَجُوزُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ ذَوِي دِينٍ مَا يَسْتَحِلُّونَ)([10]) وما أشبه، فكانت زوجته وورثت منه لو مات إرثين: إرث الأم وإرث الزوجة، فهذا حكم واقعي ثانوي بمعنى ان الشارع نزّلها منزلة الزوجة حقيقةً فالتصرف في مرتبة الموضوع لكن لا لمصلحة ذاتية في هذا الزواج بمن هي من المحارم فانه مفسدة بلا شك ولا تغيّر الديانة الباطلة المفاسد الواقعية، أي لا لمصلحة فيه مسانخة للمصلحة الواقعية في الزواج بغير المحارم بل لجهات خارجية أخرى ([11]).
ومن ذلك التقية أيضاً، بل انها لو كانت إلزامية كان العمل على طبق الحكم الأولي الواقعي مردوعاً عنه وباطلاً في الجملة.
ثم ان من أنواع التنزيل: تنزيل ما ليس بحجة منزلة الحجة، كما في قاعدة التسامح في أدلة السنن بناءً على ان مفادها ذلك، كما ذهب إليه البعض وإن كان الأظهر خلافه.
ومن أنواعه تنزيل الامارات والطرق منزلة القطع الطريقي.
ضرورة عقد مسألة لمبحث التنزيل وأنواعه وحدوده
تنبيه: مبحث التنزيل وأنواعه وأحكامه وحدوده، مبحث من أهم المباحث المنتشرة في طول الفقه والأصول وعرضهما ولذا ترى الأصوليين والفقهاء يبحثونهما في كل مناسبة بالمناسبة، وكان من الجدير ان تعقد لها مسألة أصولية خاصة، والصحيح ان يعقد لها بحث خاص لكونها من المبادئ التصديقية لعلم الأصول، بل ان تكتب حولها رسالة يوفى بها حقها لا ان تبحث هنا وهناك، دون استقصاء كافة جوانبها، بالمناسبة فقط.
وعلى أية حال فانه في المقام ينبغي ان يبحث ان الوجه الخامس الذاهب إلى ان الملكية في الكليات تنزيلية، هي من أي الأنواع؟
والظاهر انها من النوع الأول مع تعميم التكويني للاعتباري وإن امكن ان تعدّ من الثالث، وعلى أي فالمستظهر ان التنزيل وإن كان ممكناً ثبوتاً إلا انه لا دليل عليه إثباتاً، بل نقول: الظاهر ان العرف على خلاف ذلك إذ لا يرون ملكية الكليات نوعاً أخر من الملكية مغايراً لملك الأعيان الشخصية منزّلاً منزلتها، فتدبر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
|