• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 70- كلام الاصفهاني والنائيني عن مدرك حجية الظواهر ـ اللازمان الفاسدان لذلك ـ من وجوه الحل: النكتة في سيرة العقلاء .

70- كلام الاصفهاني والنائيني عن مدرك حجية الظواهر ـ اللازمان الفاسدان لذلك ـ من وجوه الحل: النكتة في سيرة العقلاء

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(70)
الأدلة على حجية الظواهر:
الدليل الأول والثاني: سيرة العقلاء وبناؤهم
 
سبق ان المحقق الاصفهاني ارتأى بان مدرك حجية الظواهر ومستندها هو (بناء العرف والعقلاء عملاً) مما يعني قيام السيرة العملية العقلائية على ذلك، بينما ارتأى الميرزا النائيني ان الوجه هو بناء العقلاء في الجملة، وقد سبق في بعض المباحث الفرق بينهما([1]) وستأتي فروق أخرى بإذن الله أيضاً.
قال في فوائد الأصول: (والمقصود بالكلام فعلاً هو البحث عن الكبرى (وهي حجية الظواهر) ونعني بحجية الظواهر الحكم بأنّ ما تكفّله الكلام من المعنى الظاهر فيه هو المراد النفس الأمري والبناء على أنّ الكلام بظاهره قد سيق لإفادة المراد؛ ولا إشكال في أنّ بناء العقلاء على ذلك في الجملة([2])، بل عليه يدور رحى معاشهم ونظامهم، فأنّه لولا اعتبار الظهور والبناء على أنّ الظاهر هو المراد لاختلّ النظام ولما قام للعقلاء سوق)([3]).
 
التوالي الفاسدة للالتزام بكون مدرك حجية الظواهر هو السيرة والبناء في الجملة
 
أقول: لكنّ الالتزام بان مدرك حجية الظواهر هو (بناء العقلاء عملاً) أو هو (بناء العقلاء على ذلك في الجملة) بل حتى مع ضميمة (بل عليه يدور رحى...) إذ اختلال النظام إنما يلزم لو نفيت حجتها بالجملة لا في الجملة، بعبارة أخرى: لا يتوقف حفظ النظام وقيام الأسواق إلا على البناء في الجملة فانه يكفي للحفظ والقيام من غير توقفهما على البناء مطلقاً وبشكل عام، يستلزم توالي فاسدة عديدة لا يمكن للانفتاحيين، وهما قدهما منهم، ان يلتزموا بها، نعم للانسدادي ان يلتزم بها، نذكر اليوم منها:
 
أ- عدم حجيتها مع قيام الظن الشخصي على الخلاف

الأول: عدم حجية العام والمطلق وسائر الظواهر لو قام الظن الشخصي على الخلاف؛ مع بداهة التزام الانفتاحيين بحجية الظواهر وسائر الحجج من باب الظن النوعي الذي لا يخل به الظن الشخصي على الخلاف.
وجه اللزوم: ان البناء العملي أي السيرة لا إطلاق لها لتشمل مثل هذه الصورة؛ فانها دليل لُبّي لا معقد إطلاق له، اما بناء العقلاء فإنما هو – حسب النائيني – في الجملة، ولم يثبت بناء منهم على العمل بالظواهر إذا قام الظن الشخصي على الخلاف، بل قد يقال: إن العقلاء متى قام ظن شخصي على الخلاف عملوا به في الجملة أو توقفوا ولو في بعض الموارد، ألا ترى ان الشخص لو ظن ظناً شخصياً بان هذا خائن أو سارق أو غاصب ثم ائتمنه على ماله أو عرضه فخان أو اعتدى، عدّ ملوماً لدى العقلاء وإن كان الثقة قد وثّقه؟ بينما لا يلام لو لم ينعقد ظنه الشخصي على الخلاف بل ألا تراهم يعملون بظنونهم الخاصة ويقدمونها على النوعية لدى التعارض في الجملة في الخطيرة وغيرها؟.
نعم في باب القضاء ونحوه وجرياً للقانون وحسماً لمادة النزاع بنوا على الظن النوعي وإهمال الظن الشخصي بالخلاف؛
 
ب- عدم حجيتها إلا لو قام الظن الشخصي على الوفاق
 
الثاني: عدم حجية العام وسائر الظواهر إلا لو قام الظن الشخصي على الوفاق؛ فان (السيرة العملية) لكونها دليلاً لبّياً لا إطلاق له و(بناء العقلاء في الجملة) لا يفيدان أكثر من ذلك بل انهما على العمل بها لو وافقها الظن الشخصي وكان على الوفاق اما غيره فلا.
ولذلك قال الميرزا النائيني: (ولكن القدر المتيقن من بناء العقلاء هو ما إذا حصل من قولهم الوثوق لا مطلقا، إذ ليس بناء العقلاء على التعبد بقول أهل الخبرة مع الشك و عدم الوثوق، بل التعبد إنّما هو من وظائف المتشرعة، و ليس بناء العقلاء في شي‌ء من المقامات على التعبد، فلا بد من حصول الوثوق من قول أهل الخبرة وإن لم يجتمع فيه شرائط الشهادة، إلاّ إذا كان في مورد الدعوى والخصومة فانّه لا بد من التعدد والعدالة، لقوله صلّى اللّه عليه و آله: "إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَان"([4]) وغاية ما يقتضيه الدليل على اعتبار قول أهل الخبرة هو أن يكون حدسهم كحسّهم في الاعتبار، وهذا لا ينافى اعتبار اجتماع شرائط الشهادة: من التعدد والعدالة في خصوص‌ باب الخصومة كما عليه الفتوى في باب خيار العيب والتقويم وغير ذلك)([5]) وكلامه وإن كان في احدى صغريات الحجج([6]) إلا انه جارٍ في سائرها ومنه المقام([7]) كما لا يخفى فان القدر المتيقن من بنائهم هو صورة موافقة الظن الشخصي للنوعي بل ان دلالة العام على انه مراد للافظه بالإرادة الجدية، هي بالحدس، وكذا حجية قول أهل الخبرة هي من جهة حدسهم فالجامع واحد فتأمل.
وقد أجاب الميرزا عن الإشكال بما لا يفي بحل الإعضال كما سبق فيه تفصيل المقال؛ إذ فصّل بين مقام تعلق الغرض باستخراج واقع مراد المتكلم من ظاهر كلامه وبين ما إذا كان الغرض الإلزام والالتزام بالظواهر في مقام الحجة والاحتجاج، فراجع ما سبق وتأمل فيه.
 
التفصي عن استلزام تلك التوالي الفاسدة
 
ولكن يمكن التفصي عن هذين الإشكالين وان بنينا على ان وجه حجية الظواهر هو السيرة وبناء العقلاء في الجملة، بالبيان الآتي:
 
للسيرة والبناء نكتة تعم الصورتين
 
إن سيرة العقلاء وإن كانت لبيّة وكان الثابت من بنائهم انه في الجملة، إلا انه يمكن تعميم حجية الظواهر لكلتا الصورتين المستشكل بهما، عبر محاولة كشف النكتة في سيرة العقلاء وبنائهم؛ فانه إذا علمت النكتة والوجه وكانت عامة للصورتين انحل بها الإشكال.
والظاهر ان النكتة هي أحد أمور:
 
أ- الكاشفية الأولية النوعية
 
أ- الكاشفية الأولية أو فقل النوعية أو الاقتضائية، للظواهر عن كونها مرادة بالإرادة الجدية كالعام في العموم وكذا المطلق وأيضاً الأمر في كونه مراداً به الوجوب... الخ فان الظاهر ان العقلاء إنما يعملون بالظواهر لذلك([8]).
وإذا كان ذلك كذلك، فانه يمكن القول بتعارض العام مع الخاص وتقدم الأخير عليه بالاظهرية أو الحكومة أو شبههما، ولا يصح حينئذٍ القول بالتقدم تخصصاً؛ وذلك لوجود المقتضي حينئذٍ في العام وابتلائه – فقط – بالمانع الأقوى فيتقدم عليه لذلك لا (لأن دليل الحجية – وهو السيرة والبناء – لم يشمل العام من رأس فلم يكن العام حجة إقتضاءً في مرحلة الإثبات فلا يبقى مجال لأن يتقدم عليه الخاص من باب الحكومة أو غيرها لأنه سالبة بانتفاء الموضوع)([9]).
والحاصل: ان عدم بنائهم على العمل بالعام المعارَض بالخاص، أعم من كونه لعدم المقتضي لحجيته لديهم أو لوجود المانع، وحيث اكتشفنا وجود المقتضي في العام ظهر ان عدم بنائهم على العمل به لدى معارضته بالخاص إنما هو لتقدم الخاص عليه بالاظهرية ونحوها. فتأمل جيداً،
وللحديث صلة.              
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2031
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 20 جمادى الأولى 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15