بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(68)
الشق الثاني من تفصيل الاصفهاني: لو ادعى العمد في عدم نصب القرينة أو الغفلة
واما الشطر الثاني من كلام المحقق الاصفهاني فهو ما ذكره بقوله: (وإذا ادعى([1]) إرادة خلاف ظاهر ما وصل من الكلام لمكان نصب القرينة وإن لم تصل كانت الحجة عليه أصالة عدم القرينة ، والمراد بناء العقلاء على العدم عند الشك في الوجود.
وأما ظهور الكلام فلا مساس له بالمقام؛ إذ المولى لا يحتج عليه بإرادته الواقعية كي يحتج العبد عليه بظهور كلامه في خلاف مرامه ، بل يحتج بنصب ما يوافق مرامه من كلامه ، فلا بد من دفعه ببناء العقلاء في مثله على عدمه ، ولعله أشار إليه بقوله فافهم)([2]).
أقول: تحقيق ما ذكره وبعض المناقشات في ضمن أمور:
الفرق بين بناء العقلاء على العدم واستصحابه
الأول: ان قوله (والمراد بناء العقلاء على العدم عند الشك في الوجود) لدفع توهم ان المراد هو استصحاب العدم، والفرق بينهما انه في استصحاب العدم تلاحظ الحالة السابقة عكس بناء العقلاء على العدم عند الشك في الوجود فانه أصل ابتدائي غير منوط بملاحظة الحالة ([3]) السابقة، نظير قاعدة الطهارة التي تختلف عن استصحابها بذلك.
ويتفرع عليه عدم اشتراط بعض ما اشترط في الاستصحاب وعدم سقوط هذا الأصل بما يسقط به الاستصحاب المنوط بلحاظ الحالة السابقة كما لو تعاقبت حالتان أو حالات وجهل المتأخر منهما ([4])، فانه غير منوط بملاحظة الحالة السابقة كي يؤثر فيه مثل ذلك وجوداً وعدماً ولذلك فانه لا مسرح، في هذا الأصل، لمبحث ان الشك هل هو في المقتضي أو الرافع إلى غير ذلك.
الحجة على المولى ظهور حاله لا أصالة عدم القرينة
الثاني: ان الحجة على المولى، في هذه الصورة هي ظهور حاله لا أصالة عدم القرينة؛ فانه سابق عليها رتبةً ولا تصل النوبة إليها إلا بعد عدمه، وقد سبق تفصيله، وإجماله بعبارة أخرى: ان أصالة الحقيقة المراد بها ان الأصل في الاستعمال الحقيقة أي استعمال اللفظ في الموضوع له وأصالة الجد وأخواتها ([5]) إنما هي أصول عائدة لحال اللافظ ومنقحة له لا لحال اللفظ فانها أجنبية عنه أولاً وبالذات بل وصفه بها وصف بحال المتعلق؛ فان الجِدّ أو الهزل أو التمرن أو التقية أو غيرها حالات للمتكلم لا للكلام إلا تبعاً وتجوزا وكذا استعماله في الموضوع له، فلا بد من أصل ينقح حاله لا حال كلامه.
هذا كبرى، واما صغرى: فان ظاهر حال المتكلم غير السفيه الملقي كلامه ليُمتثل ولينقاد له هو حرصه على إيصال (أو فقل كونه في مقام بيان) كل ما له مدخلية في تحقيق مخاطبه (وهو العبد أو المكلف أو المستدعى منه) لغرضه وتمام مراده الجدي، لا الأجنبي عنه (في الحقيقة والمجاز) أو بعضه (في العام والخاص) فالحجة عليه هي ظهور حاله في استقصاء كل ما له مدخل في بيان وإيصال تمام مراده، لا أصالة عدم القرينة على الخلاف، اللاحقة رتبة والتي تصل النوبة إليها لو لم يتم ذلك الظهور على كلام في ذلك سيأتي بإذن الله تعالى ([6]).
لا وجه للتعليل بعدم احتجاج المولى بإرادته الواقعية
الثالث: ان قوله (إذ المولى لا يحتج عليه بإرادته الواقعية) لا وجه له ولا يصح ان يعلل به ما أراد إثباته، وذلك لأن احتجاج المولى بالإرادة الواقعية مما لا يتوهمه عاقل ليكون نفيه ذريعة لإثبات ما ارتأى انه القسيم له ([7]) لبداهة انه لا يوجد عاقل يطالب مخاطبه بالعمل بنواياه الثبوتية ومراداته الواقعية بما هي هي.
وبعبارة أخرى: تعليل (واما ظهور الكلام فلا مساس له بالمقام) بـ(إذ المولى لا يحتج عليه بإرادته الواقعية) غير صحيح إذ لا يحتمل أن يعلله بذلك أحد، بل كان ينبغي ان يقول: واما ظهور الكلام فلا مساس بالمقام إذ الظهور مما لا ينكره المولى بل هو مما اتفق عليه الطرفان فكيف يحتج العبد عليه به إذ المولى لا ينكر ظهور كلامه (العام في العموم مثلاً) فلا نزاع هنا حتى يحتج أحدهما على الآخر بالظهور، بل انه يدّعي ضميمةً وهي انه نصب قرينة على الخلاف وهو المخصص فهذا هو مورد المخاصمة بينها، وعليه: فيجب ان يقال: واما ظهور الكلام فلا مساس له بالمقام لأنه متفق عليه بين الطرفين ولأنه ليس مورد النزاع والخلاف بل الخلاف في انه أقام قرينة لم تصل فللعبد ان يحتج، لا بظهور الكلام المتفق عليه وغير المجدي لدفع الدعوى الجديدة، بل بأصالة عدم صدور القرينة منه.
واما ([8]) أصالة عدم الوصول فهي متأخرة رتبة ومحكومة بل ومثبِتة بل – التحقيق – انها محرزة لا كلام فيها.
المحتملات في وجه احتجاج المولى على عبده
وبعبارة أخرى: المحتملات في احتجاج المولى على العبد عند دعواه نصبه قرينة لكنها لم تصل، خمسة:
أ- ان يحتج عليه بإرادته الواقعية، لكن، كما سبق، هذا مما لا يحتمل عقلائياً أبداً لا في هذه الصورة فحسب بل في الشق السابق من كلامه بل مطلقاً فلا يكون نفيه مثبتاً للاحتمال الثالث الآتي، بل نفي الاحتمال الثاني هو المثبت فقط للاحتمال الثالث.
ب- ان يحتج عليه بظاهر كلامه، وهذا هو الذي ينبغي نفيه، والاستدلال على نفيه وانه غير مجدٍ بحال العبد ليثبت الاحتمال الثالث، وليكون نافياً لرأي الآخوند، الذي جاء الاصفهاني بتفصيله ههنا رداً له وللشيخ معاً إذ اطلق الآخوند إرجاع الأصول العدمية للوجودية وهي أصالة الظهور بينما عَكَس الشيخ (قدس سرهم).
ج- ان يحتج عليه بأصالة عدم القرينة.
فالأمر دائر بين الثاني والثالث لا الأول والثالث.
ثم انه سبق ان أشكلنا على الثالث بان الاستدلال هو بظاهر حال اللافظ الحكيم فهذا هو الاحتمال الرابع.
كما يمكن الإشكال عليه بانه يمكن الاستدلال بعدم الوصول على عدم الصدور ن غير حاجة لهذا الأصل فهذا هو الاحتمال الخامس إلا ان يرجع إليه ([9]) فتأمل.
وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
|