• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 66- تتمة المناقشة مع المحقق الاصفهاني والتفريق بين مقام الاحتجاج ومقام الكاشفية والثمرة الهامة في مبحث ردّ الروايات والجموع التبرعية .

66- تتمة المناقشة مع المحقق الاصفهاني والتفريق بين مقام الاحتجاج ومقام الكاشفية والثمرة الهامة في مبحث ردّ الروايات والجموع التبرعية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(66)
3- توقف الكاشفية على أصالة عدم القرينة وإن لم تتوقف صحة الاحتجاج
 
ثالثاً: كما قد يرد على المحقق الاصفهاني، مبنىً، بانه قصر النظر في (الحجة) على المحاجّة والمخاصمة، مع ان للحجة معنىً وجهة أخرى لا تقل أهمية وفائدة وثمرة عن جهة المحاجّة وهي جهة الكاشفية، فلئن سلمنا فرضاً ان أصالة عدم القرينة ونظائرها غير محتاج إليها في الجهة الأولى فانها محتاج إليها في الجهة الثانية دون ريب.
 
النسبة بين الحجة بمعنى صحة الاحتجاج وسائر معانيها هي من وجه
 
وبيان ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة: وهي ان الحجة بمعناها اللغوي وهي ما يحتج به المولى على عبده وبالعكس (أو هي ما يصح الاحتجاج بها)([1]) قد يتوهم انها لازمة للحجة بمعنى الكاشف إذ يتفرع على كون الشيء كاشفاً تاماً – كالتواتر – أو ناقصاً – كخبر الثقة غير المحفوف بما يفيد القطع، كونه مما يحتج به المولى على عبده وبالعكس وكونه منجزاً أو معذراً وكونه لازم الاتباع إلى غير ذلك من معاني الحجة.
لكنّ الصحيح عدم التلازم بل ان النسبة بين الحجة بمعنى الكاشف وبينها بمعنى ما يصح الاحتجاج به وما هو منجز أو معذر وما هو لازم الاتباع، هي العموم من وجه؛ إذ:
 
الكاشف الذي ليس بحجة
 
قد يكون كاشفاً وليس بحجة كما في الظن المطلق لا على الانسداد فانه كاشف ظني عن الواقع لكن حيث لم يتمِّم الشارع كشفه فلا يصح الاحتجاج به ولا هو منجز أو معذر.
وقد يمثل لذلك بالقياس لكنه غير تام إذ ان الشارع كشف عن انه ليس، في الشرعيات، بكاشف حتى كشفاً ضعيفاً لأن الملاكات ليست بأيدينا عكس العرفيات فانه كاشف ظني عنها.
كما قد يمثل بعلم النجوم إذ انها كاشفة عن الواقع في الجملة، أي هي كاشف ظني لكن الشارع لم يعتبرها حجة أي مما يحتج به ومنجزاً ومعذراً ولازم الاتباع لا انه ألغى([2]) ثبوتاً أي تكويناً كشفها أو كشف عن عدم كشفها الظني كما فعل في القياس.
وقد يمثل أيضاً بالأحلام وغيرها لوضوح أن منها الصوادق، لكنها لا يصح الاحتجاج بها وإن كشفت ظناً حسب ما فصلناه في كتاب فقه الرؤى.
 
الحجة الذي ليس بكاشف
 
وقد يكون حجة غير كاشف كالأصول العملية فان أصل البراءة مما يحتج به العبد على مولاه إذا عمل به وكان مخالفاً للحكم الواقعي، لكنه ليس بكاشف عن الواقع، وكذا الاحتياط إذ لا كاشفية فيه وكذا الاستصحاب لا على مسلك امارتيته، وكذا الحال في كل ما فرض كون حجيته من باب التعبد كسوق المسلمين ويد المسلم. فتأمل([3]).
بل يكشف عن اختلافهما ان الكاشفية على درجات عكس المنجزية والمعذرية بل وعكس لزوم الاتباع بل وعكس صحة الاحتجاج([4]) فان الظن على درجات ككواشفه من الخبر المستفيض وخبر الثقة والبينتين والبينة وغيرها بل خبر الثقة على درجات في إفادة الظن والكاشفية على حسب درجات الوثاقة.
اما المنجزية فلا درجات لها إذ يستحق العبد العقاب بالمخالفة وهو معذور بالموافقة لدى قيام أية حجة شرعية مهما كانت درجة إفادتها للظن.
 
التلازم الثبوتي اقتضاءً لا يستلزم التلازم الإثباتي
 
ثم انه حتى لو سلمنا التلازم الثبوتي اقتضاءً فلا تلازم في محيط اعتبار الشارع ومن بيده الاعتبار فان للشارع ان يعتبر الشيء الكاشف([5]) غير حجة([6]) ويعتبر غير الكاشف مما يحتج به لمصلحة سلوكية أو لمصلحة ضرب القانون (الجاري ذلك في غير مورد التطابق).
وحينئذٍ نقول: ان قوله (إذ الحجة لا بد من أن تكون مناسبة لمورد المحاجّة والمخاصمة: فاذا ادعى المولى إرادة خلاف الظاهر مع الاعتراف بعدم نصب قرينةٍ لحكمةٍ أو لغفلةٍ كانت الحجة عليه ظهور كلامه) إن تمّ في الحجة بمعنى صحة الاحتجاج كما كان منطلق كلامه ومرتكزه وانه لا حاجة إلى أصالة عدم القرينة كي يصح الاحتجاج بل إنما يحتج بظهور كلام المولى عليه، فانه لا يتم في الحجية بمعنى الكاشفية فان الحجة كي تكون كاشفة عن مراد المولى الجدي (وكي تكون كاشفة عن الواقع في إخباراته مثلاً كما لعله يأتي بيانه مستقلاً بإذن الله تعالى) لا بد من ضم أصالة عدم القرينة على الخلاف إليها أو ضم ظهور حال المعصوم (عليه السلام) في ذلك كما سيأتي، ولا حاجة لضمها كي يصح الاحتجاج، وعلى أي فانه إن لم تضم لم تكشف ولكن مع ذلك لا يصح نفي كاشفيتها الاحتمالية مع صحة نفي بل القطع بنفي صحة الاحتجاج بها.
 
وروايات كثيرة تبتني على بل هي صريحة في التفكيك بين المقامين
 
ويتضح ذلك بالرجوع إلى العشرات من الروايات التي تبتني على التفكيك بين الحجية بمعنى الكاشفية وبين الحجية بمعنى صحة الاحتجاج حيث لا تجيز تلك الروايات في الموارد الآتية إنكار الكاشفية ولو في مرتبة الاحتمال مع تجويزها بل إيجابها انكار صحة الاحتجاج وايجابها انكار المنجزية والمعذرية.
وبعبارة أخرى الروايات تفكك بين معنيي الحجية أو جهتيها في جواز الانكار بل وجوبه إذا أريد بالحجة المعذرية والمنجزية أو لزوم الاتباع أو صحة الاحتجاج، وفي حرمة الانكار إذا أريد بالحجة الكاشفية بل يجب في هذا الصورة عدم الانكار والقبول باحتمال الكاشفية لا البناء عليها. فليدقق.
 
الروايات: لا يجوز تكذيب ما ليس بحجة([7])
 
فمثلاً قوله: (وعن أحد الصادقين (عليه السلام) قال: "لا تكذّبوا بحديث أتاكم به مرجئي ولا قدري ولا حروري ينسبه إلينا فإنّكم لا تدرون لعلّه شيء من الحق فتكذّبوا الله فوق عرشه"([8])، وفي آخر قال: قال الصادق (عليه السلام): "لا تكذبوا بحديث أتى به مرجئي ولا قدري ولا خارجي ينسبه إلينا فإنّكم لا تدرون لعلّه شيء من الحق فتكذبوا بالله"([9]) )([10]) والحديث صريح في ابتنائه على التفكيك إذ (فانكم لا تدرون..) صريح في الكلام عن جهة الكاشفية فيحرم التكذيب الذي يعني انكارها بل لا بد من الاذعان بانه (لعله شيء من الحق) و(لا تدرون لعله شيء من الحق) مع وضوح ان الكلام عن الخبر غير الجامع للشرائط وإلا لوجب التصديق به بل هو عن خبر المرجيّ والقدري والحروري (اما غير الثقة أو الثقة المتهم ولعل هذا هو الأظهر) وخبره لا يجوز الاحتجاج به ولا هو منجز ومعذر ولا هو لازم الاتباع بل هو محرم الاتباع ككل ظن ليس بحجة فهذا هو مقام الاحتجاج لكنه وفي الوقت نفسه يحرم الانكار أي الانكار لكاشفيته عن مراد المعصوم (عليه السلام) الجدي أو عن مطابقته للواقع، وكلاهما صحيح.
ونفس المضمون قد بنى عليه الحديث الآخر (قال: سألتُه (عليه السلام) عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك (عليه السلام) قد اختلف علينا فكيف نصنع نعمل به على اختلافه أو نردّه إليك فيما اختلف فيه؟ فكتبَ: "ما علمتم أنّه قولنا فألزموه، وما لم تعلموه فردّوه إلينا"([11]) فان الرد إليهم من حيث الكاشفية فلا يصح الانكار، لا من حيث صحة الاحتجاج فانه لا يصح قطعاً به الاحتجاج فهو ساقط من هذا الحيث.
وفي آخر عن الباقر (عليه السلام) قال: "أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ أَحَبَّ أَصْحَابِي إِلَيَّ أَوْرَعُهُمْ وَأَفْقَهُهُمْ وَأَكْتَمُهُمْ بِحَدِيثِنَا وَإِنَّ أَسْوَأَهُمْ عِنْدِي حَالًا وَأَمْقَتَهُمْ إِلَيَّ الَّذِي إِذَا سَمِعَ الْحَدِيثَ يُنْسَبُ إِلَيْنَا وَيُرْوَى عَنَّا فَلَمْ يَعْقِلْهُ وَ لَمْ يَقْبَلْهُ قَلْبُهُ اشْمَأَزَّ مِنْهُ وَجَحَدَهُ وَكَفَرَ بِمَنْ دَانَ بِهِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الْحَدِيثَ مِنْ عِنْدِنَا خَرَجَ وَإِلَيْنَا أُسْنِدَ فَيَكُونَ بِذَلِكَ خَارِجاً مِنْ وَلَايَتِنَا"([12]) )([13]) فيكفي كون الحديث لعله منهم خرج.
 
فلسفة الجموع التبرعية: التفكيك بين المقامين
 
وعلى ذلك - أي هذا التفكيك الدقيق والهام بين المقامين في الحجة – أيضاً بنيت الجموع التبرعية التي اشتهر بها الشيخ الطوسي (قدس سره) فانه لا يريد بها الاحتجاج على الأحكام الشرعية فانها ليست بحجة ولو أرادها لورد عليه الإشكال فانها قول بالرأي، بل يريد بها دفع التعارض المتوهم بين الاخبار الذي دفع ذلك العلوي لانكار الإمامة فان التعارض في مرحلة الكاشفية ومع وجود الاحتمال لا مجال لدعوى التعارض والتضاد والتناقض بل غاية الأمر ان يقول: انني احتمل انها متعارضة.
وبعبارة أخرى انه يقول: انه حيث احتمل عقلائياً إرادة الإمام (عليه السلام) هذا المعنى من هذا الخبر وذاك من الخبر الآخر ولكنه اخفى القرينة على الخلاف لحكمة أو اضطرار أو خفيت علينا بمرور الأزمان وتلف الكتب وضياع القرائن فلا تصح دعوى التعارض النافي لمقام الإمامة.
والحاصل: انه في مقام الكاشفية ليس للمخالف ان يستدل بظاهري الكلامين على تضادهما إذ لعل المجاز مراد خاصة مع توفر دواعي وأسباب خفاء القرائن لأسباب طبيعية كضياعها أو نسيانها، أو إخفائها لوجوه من دواعي الحكمة، واما في مقام الاحتجاج فليس شيء منهما بحجة ماداما متعارضين ظاهراً كما ليس شيء منهما بحجة في المعنى المجازي المحتمل المدعى الرافع لدعوى وقوع التعارض.
وللبحث تتمة وإيضاحات ومناقشات فانتظر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2014
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15