بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(51)
جواب النائيني: الكلي مالٌ في حد نفسه
سبق ان الميرزا النائيني أجاب بـ(- لكنه ربما يستشكل - في الكلى في الذمة تارة من جهة انتفاء المالية و اخرى من جهة عدم الملكية، (وتقريب الاول) هو أن البيع كما عرفت مبادلة مال بمال، والكلى في الذمة لا يكون مالا...) فأجاب بـ(والجواب عنه في بيع الكلى في الذمة أن المراد من المال هو ماكان كذلك في حد نفسه، ولا اشكال في أن الف مَنٍّ مِن الحنطة مال عرفا) ([1])
المناقشة: الخلط بين المال والمالية
ولكن قد يورد عليه، إضافة إلى الخلط بين المال والمالية؛ فانهما أمران وقد جرى الخلط بينهما، اما كونهما أمرين فلوجهين:
الأول: ان النسبة بين المال والمالية هي العموم والخصوص من وجه أ- إذ قد يكون مالاً ولا مالية له لخستّه أو لقلته كما لو اشترى منّا من حنطة فخبزه وبقيت منه حبة فانها مال إذ هي من أمواله لكنها لا مالية لها، وكذلك كل خسيس كبعض الحشائش اليابسة الموجودة فيما ورثه أو حازه وأحياه، ب- وقد يكون ذا مالية وليس مالاً كالمباحات الأصلية من الأحجار الكريمة والمعادن وأشجار الغابات وثمارها النافعة فانها ذات مالية لكنها ليس بمالٍ لأحد وكذا الحقوق كحق السبق والشفعة والطبع فانها ليست أموالاً لكنها لها المالية.
وهذا التفكيك في كلا مادتي الافتراق بحسب الصدق العرفي فلا تضره دعوى التلازم بينهما بالحمل الشائع الصناعي بحسب الدقة فتأمل.
الثاني: انه مع قطع النظر عن النسبة فان المال غير المالية إذ المالية عنوان إضافي عكس المال، والمال قد يكون عيناً وجوهراً متصفاً بصفة المالية عكس المالية؛ ألا ترى الفرق بين الأبيض والبياضية ([2]) فان الأبيض هو الذات الموصوفة بالبياض كما ان المال هو الذات الموصوفة بانها ذات مالية ([3])، اما البياضية فهي صفة انتزاعية لا تجري على الذات إذ يقال الجدار أبيض ولا يقال الجدار بياضية أو أبيضية كما يقال الكتاب مال ولا يقال الكتاب مالية بل لا بد من إضافة مضاف هو ذو مثلاً.
واما الخلط بين الأمرين في كلامه (قدس سره) فهو واضح في طرح السؤال والجواب فمثلاً قوله: (تارة من جهة انتفاء المالية) مع قوله: (والكلي في الذمة لا يكون مالاً) وكذا قوله (انه ذو مال) ولم يقل ذو مالية وقوله (ان المراد من المال..) مع قوله (لا أنه ليس بمال قبل اعتبار وجوده و انه كمنّ من التراب مثلا لا مالية له عند العرف) وقوله (والمعتبر في البيع ليس إلا مالية العوضين..) مع تتمته (بحيث كانت المبادلة بين المالين).
محتملات قوله (في حد نفسه)
أن ([4]) مراده من (ما كان كذلك في حد نفسه) محتمل لأمورٍ الظاهرُ منها غير تام والتامّ منها غير ظاهر:
أ- أي بالحمل الذاتي الأولي في مرحلة الذات
أ- فانه يحتمل انه يريد بـ(ما كان كذلك في حد نفسه) أي في مرحلة الذات والذاتيات ([5]) مع قطع النظر عن الوجود أي ما كان كذلك بالحمل الذاتي الأولي دون الحمل الشائع الصناعي، ولعل هذا هو ظاهر التعبير بـ(في حد نفسه).
ولكن يرد عليه: ان الكلي في الذمة ليس مالاً بالحمل الذاتي الأولي فان المنّ من الحنطة مثلاً هو بالحمل الذاتي منّ مِن الحنطة لا غير وليس مالاً ولا غيره إذ المال لا هو جنس للحنطة ولا هو فصل بل هو صفة عارضة لوجود الحنطة أي لما هو حنطة بالحمل الشائع، لا لمفهومها أو ماهيتها مع قطع النظر عن وجودها.
ولكن سيأتي ان لهذا التوجيه الأول معنيين محتملين جرى الخلط بينهما في ضمن بياننا له.
ب- أي المال الشأني
ب- ويحتمل ان يراد به (ما يصلح لأن يكون مالاً) أي حين تسليمه، فيراد به الشأنية، ولكن هذا المعنى بعيد عن ظاهر عبارته، على ان ظاهر العناوين ([6]) الفعلية لا الشأنية، كما ان إطلاق المال عليه من باب المجاز بالأَوْل أو المشارفة غير مجدٍ إذا اشترط في المثمن – وكذا الثمن - كونه مالاً إذ ظاهره هو المال حقيقةً لا مجازاً وإن صح إطلاقه عليه لمصحح وقرينة لكنها مفقودة ([7]).
ج- أي المال الاعتباري
ج- ويحتمل ان يريد به انه مال في عالم إعتباره، وهذا صحيح لكن لعل عبارته تأباه، ومرجع هذا الوجه إلى الوجه الثالث الذي ذكرناه في ضمن الوجوه الأربعة لتصحيح بيع الكلي المعدوم.
د- أي المال العرفي
د- ويحتمل ان يريد انه مال عرفاً، والنسبة بين هذا وسابقه هي العموم من وجه، فتأمل، لكن لعل ظاهر عبارته يأباه إذ لا يعبر عن ذلك بـ(ما كان كذلك في حد نفسه).
نعم ربما يساعد عليه قوله (انه كمنّ من التراب مثلاً لا مالية له عند العرف). فتأمل
وستأتي تتمة وتوضيح لمحتمل كلامه.
جواب المحقق الهمداني: الكلي مال عرفاً باعتبار وجوده الخارجي
والأولى أن يجاب بما أجاب به المحقق الهمداني في حاشيته على المكاسب قال: (وربما يتوهم: عدم كون الكلي مطلقاً قابلاً للتملك والانتقال ولهذا حكموا بعدم جواز هبة الدّين بغير من عليه الدّين. ولكنه فاسدٌ: يظهر وجهه بملاحظة (صدق المال) عليه في نظر العرف إذا استقرّ في ذمّة شخصٍ خاصٍّ باعتبار وجوده الخارجي كما أشرنا إليه سابقاً، ولهذا يُجوّزون بيع الكلّيات) ([8]).
أقول: قوله (باعتبار وجوده الخارجي) قيد هام فان الكلي في الذمة لا بلحاظ وجوده الخارجي لاحقاً غير حامل للاغراض فليس بما هو هو مالاً عرفاً وإنما له المالية بنظر العرف لو لوحظ أداؤه إليه.
واما التقييد بـ(إذا استقر) فسيأتي الكلام عليه بإذن الله تعالى. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
|