• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : (1436-1435هـ) .
              • الموضوع : 23- المذهب الفطري واضح الملامح متحدد الابعاد .

23- المذهب الفطري واضح الملامح متحدد الابعاد

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
(23)
المذهب الفطري واضح الملامح متحدد الابعاد
 
إضافة إلى ان من الواضح ان الحكماء الذين قالوا بالمذهب الفطري، لم يذهبوا إلى ان كل شيء هو فطري بل حدّدوها في أمور معدودة أساسية واضحة (كقانون التناقض) و(الهوهوية) وشبهها فهم قد حدّدوا حدود المعرفة البشرية الأساسية بحدود صارمة واضحة جداً فلا مجال لتوهم انهم يصرفون جهودهم فيما لا طائل تحته فيما هو – لوك – يؤكده لكن بتغيير التسمية؟
 
ردود لوك على الفطريات
 
هذا كله إضافة إلى ان ردوده على (الفطريات) ضعيفة إذ يقول (فأما المبادئ النظرية فتشمل القضايا المنطقية البيّنة بذاتها مثل قانون الذاتية "كل ما هو هو". وقانون التناقض "من المحال أن يكون الشيء ذاته وأن لا يكون" التي يعتقد الفلاسفة العقليون بأنها فطرية بحجة أنها موضع إجماع الناس كلهم.
ورد لوك على هذه الحجة يقوم في أن إجماع الناس على صدق هذه المبادئ لا يشكل دليلاً على كونها فطرية إلا إذا تبين أنه من المحال أن يحصل عليها الإنسان بطريق آخر. ومن ناحية أخرى لم تحظ هذه المبادئ – فيما أشار لوك – بإجماع الناس لأن الأطفال والبلهاء لا يفقهونها مطلقاً. وهذا دليل على أنها ليست فطرية. ولو كانت فطرية لأدركها الناس كلهم بدون استثناء)([1])
 
الأجوبة: 1- هذه أحكام فطرية وهي غير العقلية
 
وهنا ملاحظات:
الأولى: قانون التناقض والهوهوية ونظائرهما، هي قوانين فطرية وهي قوانين سابقة على القوانين العقلية، وقد خلط لوك كبعض الفلاسفة الآخرين بينهما، فان القوانين العقلية هي التي يدركها (أو يحكم بها، أو يصنعها حسب تعبيره في بعضها) العقل البشري دون ان تدركها الحيوانات كالكثير من القواعد الهندسية والرياضية المتطورة، واما القوانين الفطرية فهي التي يدركها حتى الحيوان أيضاً بل ويبني حياتها عليها ومنها قانون التناقض والهوهوية لوضوح ان الحيوان أيضاً يدرك ان هذا طعام وليس انه طعام ولا طعام في الوقت ذاته كما يعرف ذاته ويدرك انه هو وانه غير زوجته.
ومن ذلك يظهر ان الحجة على فطرية قانون كقانون التناقض ليس هو (انها موضع إجماع الناس كلهم) فان هذا شأن العقليات([2]) لا الفطريات، بل الحجة هي انها مما تبني عليها حياة حتى الحيوانات.
 
الحجة على الفطريات هي الوجدان لا الإجماع
 
الثانية: ان الحجة على الفطريات هي الوجدان وليس الإجماع؛ إذ اننا نجد في ذواتنا بداهة ان الشيء هو هو وليس غيره.. الخ من دون حاجة إلى ان نرجع لمعتقدات الآخرين وآرائهم فكيف بان نحصل على إجماعهم!.
ولعل لذلك قال تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)([3]) وقال ( أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)([4]) فهو ارجاع للوجدان والفطرة لا الاجماع ولا حتى الاستدلال المنطقي!
 
حتى الأطفال والبلهاء يدركون الفطريات!
 
الثالثة: ان نقضه على تلك الحجة، بالأطفال والبلهاء غير صحيح، لوضوح ان الأطفال والبلهاء أيضاً يدركون – إدراكاً فطرياً ساذجاً بسيطاً لكن راسخاً – بانهم هم وإن غيرهم ليسوا هم، وان هذا حليب أو أم وليس حليباً ولا حليباً في الوقت نفسه.. الخ
كما ان هناك مواطن تأمل أخرى في كلماته نتركها للباحث اللبيب([5]).
وقد دلت الروايات الإسلامية على فطرية أمور عديدة – ومنها التوحيد فانه فطري حتى للأطفال، فمثلاً ورد في المحاسن "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (عليه السلام) يَا رَبِّ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَكَ فَقَالَ حُبُّ الْأَطْفَالِ فَإِنِّي فَطَرْتُهُمْ عَلَى تَوْحِيدِي فَإِنْ أَمَتُّهُمْ أَدْخَلْتُهُمْ بِرَحْمَتِي جَنَّتِي"([6]).
واما قوله (واما المبادئ العملية فتشمل القواعد الأخلاقية والمعتقدات الدينية، وهي ليست موضع إجماع الناس. فلا توجد مبادئ أخلاقية عامة كلية بيّنة بذاتها، لأن المقاييس الأخلاقية ومفاهيم الحق والباطل أمور نسبية وتختلف باختلاف المكان والزمان وبتباين الظروف الاجتماعية، وينبغي أن يكون هناك ما يبررها. فنسأل دائماً لماذا يعد الفعل – أي فعل – خطأ أو لماذا يعد باطلاً. كما وأن الضمير الذي يُعتبر خير ما يهدي الإنسان إلى السلوك الصحيح قلّب حوّل، ويملي على الأشخاص المختلفين أفعالاً مختلفة وعلى الشخص الواحد أفعالاً مختلفة في أوقات مختلفة)([7]) فقد أجبنا عنه بالتفصيل في كتابي (نسبية النصوص والمعرفة "الممكن والممتنع") و(نقد الهرمينوطوقيا ونسبية النصوص والحقيقة والمعرفة).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2002
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 26 شعبان 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14