بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(56)
التفصيل الخامس: الفرق بين الصدور حين حضور وقت العمل وما قبله
التفصيل الخامس: التفصيل بين ما قبل حضور وقت العمل وما بعده، فإن ورد العام ولـمّا يحل وقت حضور العمل به، فان المستعمِل له، ما لم يطرأ عنوان ثانوي، لا ضرورة ثبوتاً ولا دليل إثباتاً على انه استعمله في الموضوع له، إلا إذا كانت هناك، بحسب تتبع أحواله، غلبة توجب الظهور في احد الطرفين.
لا ملزم ولا حاجة، قبل وقت العمل، للتطابق
بيان ذلك: انه قبل حضور وقت العمل لا ملزم بل لا حاجة، لولا عنوان ثانوي ككونه غير قادر حين حضور وقت العمل على إنشاء الحكم بحدوده فيضطر لأجل ذلك لتقديم إنشائه والإخبار عنه بحدوده، لأصل إنشاء الحكم ومن ثم بيانه وعلى فرض إنشائه وبيانه لا حاجة لتحديد حدوده ولا ملزم بل لا حاجة لاستعمال الألفاظ في معانيها الحقيقية كالعام في العموم، بل له ان يستعملها كذلك أو في معانيها المجازية أو في الجامع أو بنحو القضية الشرطية أو بنحو اللابشرط لائية كما سبق.
1- لبرهان الغرض
ويمكن الاستدلال على ذلك أو تأييده بوجوه:
منها: برهان الغرض؛ فانه إذا كان أصل إنشائه وبيانه غير لازم ولا محتاج إليه فكيف يدعى بانه لو انشأ وجب إنشاؤه بحدوده وكان من المحظور ان يستعمل اللفظ في الموضوع له الأعم من المنشأ المراد واقعاً بالإرادة الجدية أو الأخص، مادام ذلك لا يشكل إغراءً بالجهل ولا إخلالاً بالغرض إذ الفرض انه لم يحضر وقت العمل بعد، لولا ما سيأتي من دفع الأولوية وبل وإثبات العكس بوجه سيأتي الجواب عنه.
ويوضح ذلك ويؤكده ان ذلك نظير مقام التعليم فان الاخبار في مقام التعليم وكذا الإنشاء في مقامه غير مرتهن بتطابق الإرادتين الجدية والاستعمالية فان هذا المقام بنفسه قرينة عامة على عدم الالتزام بالتطابق، فكذلك عدم حضور وقت العمل فانه يصلح قرينة عامة لا يتم معها ظهور للعمومات التي وقعت متعلقاً للأحكام في انها مستعملة في الموضوع له، فان ظهورها في كون مستعمله في الموضوع له معلول أحد أمور لا يجري أي منها في هذه الحالة، كما سيظهر.
الجواب عن دعوى اقتضاء أصالة التطابق ذلك
لا يقال: أصالة التطابق تقتضي ان يكون المراد الاستعمالي بسعة المراد الجدي لا أضيق ولا أوسع؟.
إذ يقال: ان دليل اصالة التطابق هو كون التطابق مقتضى الحكمة والغرض؛ فان الألفاظ جسور المعاني والمعاني طرق للعمل والامتثال، فإذا لم يكن العام وارداً للعمل والامتثال لوروده قبل حضور وقت العمل لم يكن في أوسعية الإرادة الجدية من الاستعمالية أو أضيقيتها منها، إغراء بالجهل ولا بعثاً إلى الأوسع من متعلق الحكم أو الأضيق منه أو زجراً عنه كذلك.
اغراض أخرى، غير الامتثال، لا تستدعي التطابق
وبعبارة أخرى: لا يكون الغرض حينئذٍ العمل والامتثال، بل يكون إنشاؤه لغرض آخر كتعلم المكلف الأحكام ثم التعرف على قيودها شيئاً فشيئاً، أو أُنسه النفسي بها، أو قوة الاحتجاج بذلك عليه إذ ابلغه أولاً الحكم مجرداً عن خصوصياته وحيثياته ثم أبلغه به مع قيد مثلاً ثم ابلغه به ثالثاً فرابعاً مع سائر القيود التي يكتمل بيانها جميعاً حين حضور وقت العمل، وإذا لم يكن الغرض حينئذٍ العمل والامتثال بل مثل تلك الأغراض الآنفة لم يكن دليل على لزوم اختيار لفظ في متعلق حكمه يكون مطابقاً لمراده الجدي.
وبعبارة أخرى: ان إنشاء حكم بحدوده ثم بيانه كذلك إنما هو ليعمل به فإذا لم يحِن وقت العمل فلا حاجة لأصل البيان كما لا حاجة لبيانه مسوّراً بسور الكلية والجزئية بل له حينئذٍ الإجمال والمجيء بالمتشابه أو الإهمال أو التصريح بانني أوجبت أو سأوجب عليكم كذا لكن حدوده سأشرّعها أو سأبينها لاحقاً، كما له ان يأتي بعام لا يستعمله في عمومه بل في الاخص منه، كما له ان يستعمله فيه أو في الأعم منهما أو بنحو الشرطية.. إلى غير ذلك.
وعليه: فإذا ذكر – في هذا المقام – عاماً فلا يصح – في مقام الإثبات – ان يستدل عليه به – أي بعمومه – على انه مراده استعمالاً ثم جِدّاً؛ إذ كل تلك المحتملات السابقة ممكنة من غير إخلال أيّ منها بالغرض، اللهم إلا إذا ثبت ان دأبه وديدنه – حتى قبل حضور وقت العمل – على استعمال الألفاظ في معانيها الحقيقية أو المجازية، فيكون إحراز دأبه هو القرينة العامة على أحد الطرفين.
2- لأن الظهور منوط بالغلبة، ولا محرز لها
ومنها: ان الظهور هو الاستبانة وليس الظهور أمراً تعبدياً بل هو أمر عقلائي فلا بد له من منشأ ومنشأ ظهور اللفظ في استعماله في معناه الحقيقي ([1]) هو الغلبة ولكنه لا إحراز لغلبة استعمال المشرعين الألفاظ العامة إذا جعلوها موضوع أحكامهم، في معانيها الموضوعة لها إذا صدرت قبل حضور وقت العمل، من دون وجود عنوان ثانوي ملجئ، وذلك من غير ان تشفع (الحكمة) لدعوى الاستعمال في المعاني الحقيقية إذ سبق ان (الحكمة) من إنشاء الأحكام ثم بيانها هي الباعثية والزاجرية والانبعاث والانزجار وعدم الإغراء بالجهل لو لم تتطابق الاستعمالية مع الجدية وما قال مع ما أراد، لكنها غير متحققة هنا.
الوضع ليس علة الظهور
لا يقال: وجه الظهور هو الوضع؟.
إذ يقال: الوضع مقتضٍ للظهور وليس علة؛ ولذا لو غلب عليه استعماله الألفاظ في معانيها المجازية بلا قرينة، لكان لها ظهور في معانيها المجازية أو كانت مجملة ان تقاربت الاستعمالات.
وقولنا مقتضٍ لأنه – إضافة إلى ما سبق – لا بد من ان يتمم بالحكمة، فالوضع زائداً الغلبة أو شبهها ([2]) وكون الحكمة هي في استعمال اللفظ في الموضوع له لا غيره، هو العلة لظهور إستعماله فيه، فإذا كان مجرداً عن الغلبة وقرينة الحكمة كما لو غلب عليه الاستعمال في العكس أو كان استعماله في غير الموضوع له غير مخل بالغرض ولا مغرٍ بالجهل، فان الوضع بنفسه لا يفي لإحراز الاستعمال في الموضوع له.
الجواب عن الأدلة الأربعة السابقة
وبذلك ظهرت الإجابة على الأدلة الأربعة الآنفة ([3]).
اما أصالة التطابق فلما مضى من كون وجهها برهان الغرض والغلبة.
واما الظهور العرفي فلما مضى من انه محرز إذا جاء العام حين حضور وقت العمل لا قبله.
توجيه تعلق الإيجاد بالأوسع أو الأضيق من المراد الجدي الـمُنشَأ
واما الدليل الثالث فيحتاج إلى مزيد إيضاح إذ سبق (الإنشاء إيجاد فلا يتعلق بالأوسع أو الأضيق؛ فان ذلك ان تُأمل فيه في الإخبار فانه لا مجال للمناقشة فيه في الإنشاء؛ وذلك لأن الإنشاء إيجادٌ ومن المستغرب جداً، وإن لم يكن محالاً، ان يوجد حكماً متعلقاً بأمرٍ هو أوسع منه أو أضيق في مصبه وظهوره الأول أي بما قال)
لكن هذا الدليل غير جار فيما لو صدر العام قبل حضور وقت العمل؛ وذلك لأن الألفاظ – كالعمومات – جسور المعاني والمرادات الجدية والمعاني طرق للعمل والامتثال، فلو فرضنا الحكم صادراً قبل وقت العمل انتفت – مآلاً - جسرية اللفظ للعمل، وجسريته للمعنى مادام مجرداً عن العمل والبعث والانبعاث لا ضرورة ملزمة لكونها مطابقة بل يمكن كونها أوسع أو أضيق.
وبعبارة أخرى: مراحل الحكم أربعة: الاقتضاء والإنشاء والفعلية والتنجيز – حسب الآخوند - وقبل وقت العمل لا فعلية ولا تنجيز بل مجرد إنشاء من غير بعثٍ أو زجر، والإنشاء متعلق بالمنشأ والمنشأ هو المراد الجدي فيجب ان يطابقه وان يكون بحجمه وقدره، واما مطابقة اللفظ الوسيط لهما فلا ملزم بها إلا كون اللفظ مرآة وجسراً موصلاً فإذا سلبنا عنه جسريته وموصليته، لفرض انه قبل وقت العمل، لم يكن هناك وجه ملزم لمطابقة اللفظ الذي هو المصب الظاهري لمتعلق الحكم للمصب الواقعي لمتعلقه وهو المراد بالإرادة الجدية.
بعبارة أخرى: بعد وقت العمل يتمسك باللفظ للوصول إلى المتعلق الواقعي الـمُنشأ والاحتجاج به عليه فلا يصح كونه أوسع أو أضيق، أما قبله فلا مانع من كونه أوسع أو أضيق إذ لا موصلية ولا صحة للاحتجاج له أو عليه فتدبر، وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
===================
|