بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(45)
بحوث في العوض
ثم ان المحقق اليزدي عدل عن تعريف الشيخ (إنشاء تمليك عين بمال) إلى (تمليك عين بعوض) وقد مضى وجه العدول عن كلمة الإنشاء، واما العدول عن المال إلى العوض فتحقيق الحال فيه يقتضي البحث عن العوض بشكل عام في ضمن مطالب:
العوض شامل للحق
المطلب الأول: ان العوض يشمل الحق، اما المال فلا يشمله إذ الحق ليس مالاً وذلك كحق الجوار وحق العزل في الوكالة وحق القسم للزوجة وحق الغيبة أو السباب ([1]) فانها لا يطلق عليها (المال) عرفاً بل وحتى حق الطبع فانه ليس مالاً وإن كانت له المالية كما سيظهر من التفكيك بينهما.
وعليه: فتعريف الشيخ أخص من المعرّف غير مطرّد.
العوض شامل لما لا مالية له
المطلب الثاني: ان العوض يشمل ما لا مالية له أما (مال) المأخوذ في تعريف الشيخ فلا يشمله بناءً على ان قوام المال بالمالية وان ما لا مالية له فلا يطلق عليه المال إلا مجازاً وبلحاظ سبق كونه مالا أو أوْله إليه؛ إذ قد لا تكون للشيء مالية ومع ذلك يصح جعله عوضاً قال اليزدي (بل قد عرفت سابقا انه لا يعتبر في حقيقة البيع كون العوضين مما له مالية بل يصدق ولو كان أحدهما أو كلاهما مما لا مالية له أصلا كمنّ من تراب أو رماد أو نحو ذلك غاية الأمر انه بيع فاسد) ([2]) وستأتي المناقشة بإذن الله.
اما تعريف الشيخ بـ(تمليك عين بمال) فلا يشمله إذ ما لا مالية له أصلاً ليس بمال كما سبق. فتأمل
العوضية نوعية وشخصية
المطلب الثالث: ان عوضية العوض ومالية المال قد تكون نوعية بان يعتبرها النوع وعامة الناس أو العرف الخاص عوضاً أو ذا مالية، وقد تكون شخصية كما لو كان الشخص بنفسه يراه عوضاً وذا مالية دون العرف والنوع وذلك كما لو ترتب عليه غرض شخصي خاص به كما لو خلّف قريبه الصغير المتوفى ورقة خَلِقة بها رسوم طفولية أو مجرد خطوط متعرجة ([3]) فانه قد يشتريها أو يبيعها للقريب الآخر بأغلى الأثمان إذ يراها ذات مالية ونِعم العوض، بينما لا يراها العرف إلا مما ينبغي ان يلقى في صندوق القمامة.
العوض عرفي أو شرعي أو واقعي
المطلب الرابع: ان العوض اما عرفي أو شرعي أو دقي:
اما الدقي أو الواقعي: فكما لو قال بعتك الكتاب بان تدعو لي، فانه واقعاً عوض لكن العرف لا يراه عوضاً.
اما العرفي غير الشرعي: فكما لو قال: بعتك الكتاب بان تسقط وجوب الصلاة عني، فيمن يرى بيد رئيسه ذلك وانه لو أسقطه سقط وكان غير مهتم بحكم الشارع، وقريب منه ما تفعله الحكومات الغاصبة، بل منه ما يفعله المقننون الزمنيون من تشريعات تناقض الشريعة فقد يدفع أحدهم للمقنن مبلغ كذا ليقنن جواز استيراد أو شرب الخمر مثلاً وقد يبيعه داره مقابل ذلك فهو عوض عرفي في أعراف الملحدين بل وأعراف الملايين من غير المتدينين لكنه ليس بعوض شرعاً.
لكن ذلك لا يستلزم الحقيقة الشرعية في العوض إذ لا وضع جديد بل هو تقييد في الموضوع له بنحو تعدد الدال والمدلول إن لم يكن تقييداً في حكمه فقط ([4]).
ظاهر العوض فعلية عنوانه فلا يصح جعله متعلقاً للبيع
المطلب الخامس: ان ظاهر (العوض) كسائر العناوين هو الفعلية أي ما هو عوض فعلاً، وعليه فلا يصح أخذه في التعريف إذ العوض عنوان انتزاعي ينتزع من تعلق البيع به ووقوع المبادلة عليه فلا يعقل ان يكون متعلقاً له – أي للبيع ([5]) – فان متعلق البيع سابق رتبة على البيع ([6]) والعنوان المنتزع لاحق على البيع فلا يعقل ان يكون العنوان المنتزع بعد تعلق البيع بأمرٍ، متعلَّقاً للبيع.
الجواب بتعدد الوجود
ولا يجدي لدفع هذا الإشكال الاستناد إلى تعدد الوجود بان يقال بان الوجود الذهني للعوض هو السابق على البيع وهو المتعلق له وان الوجود العيني للعوض هو اللاحق للبيع والمنتزع منه، فان هذا الجواب وان اجدى في مواطن عديدة لكنه غير مجدٍ هنا لبطلان شقه الأول وذلك لوضوح ان متعلق البيع ليس هو الوجود الذهني للعوض بل هو الوجود العيني له، وعليه: يلزم كون الوجود العيني للعوض لكونه منتزعاً متأخراً ولكونه متعلَّقاً متقدماً وهو محال.
أجوبة أخرى
نعم يمكن الجواب بان المراد من العوض ذاته لا عنوان عوضيته لكنه مجاز، ولو كان هذا هو المراد لكان الأولى تعريف البيع بـ(تمليك عين بشيء) فان الشيء هو ذات العوض فلا وجه لتعريفه بـ(تمليك عين بعوض).
كما يمكن الجواب بان (العوض) استعمل بنحو المجاز بالمشارفة، كقولك (إذا مات الميت وزعت تركته بالنحو التالي...)، وهذا وإن دفع الإشكال لكن استعمال المجازات في التعاريف خلاف القاعدة.
فتحصل ان الأولى بلحاظ ما ذكر ([7]) تعريف البيع بـ(تمليك عين بشيء).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
|