بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(41)
حكم أقسام الملك من حيث امكان إنشائها وعدمه
ثم ان حكم الأقسام الثلاثة للملك من حيث كونها مقدورة وعدمه ومن حيث إمكان انشائها وعدمه، كما يلي:
1- أما الملك الانشائي فانه يوجد بالإنشاء سواءً أقلنا بان الإنشاء عين الـمُنشأ أم قلنا بانه علة له، أما على الأول فلأن القدرة على الإنشاء حينئذٍ هي بعينها القدرة على الـمُنشأ لكونه عينه والتغاير بمجرد لحاظ نسبته إلى الفاعل أو إلى القابل كما ان الأمر كذلك، عندهم، في الايجاد والوجود والكسر والانكسار، واما على الثاني فلوضوح ان القدرة على المعلول هي بالقدرة على علته التامة فإذا كان الإنشاء علة لتحقق المنشأ وكان الإنشاء مقدوراً؛ فانه فعل من أفعالنا وهو إيجاد اعتبارٍ شخصيٍ باللفظ، كان المنشأ مقدوراً كمطلق المسببات التوليدية بل هو مسبب حقيقي فتأمل
2- واما الملك الاعتباري أي الذي اعتبره الشارع أو العقلاء ملكاً، وهو الذي أسماه بعض الأعلام بالواقعي فجرينا على تسميتهم، فقد يتوهم ان إنشاءه غير مقدور لاحاد الناس إذ ليس الاعتبارُ اعتبارَهم بل هو اعتبار الشارع أو العقلاء وليسوا تحت سلطة أحاد الناس وافراد المنشئين، ولكنه غير تام وذلك لأن الأمر، كالملكية والتمليك في المقام، إذا كان اعتبارياً كان جعل أمرٍ سبباً إليه دون آخر اعتبارياً أيضاً، فكما ان الملكية هي بيد من بيده الاعتبار فكذلك التسبيب إليها بأمر دون آخر فله – أي لمن بيده الاعتبار - ان يعتبر اللفظ المطلق أو الخاص أو الإشارة أو مطلق الفعل هو السبب، وعليه فكل مالك فهو قادر على إيجاد الملكية الاعتبارية الشارعية أو العقلائية بإقدارهم له على ذلك إذ جعلوا اعتبارهم وليد اعتباره بالشروط الخاصة.
3- واما الملك التكويني، فالظاهر انه لا يعقل إيجاده بالإنشاء فان الإنشاء إيجاد اعتبارٍ في عالمه أو هو الاعتبار المبرز أو هو الإيجاد التنزيلي ([1])، والحقيقة التكوينية لا توجد بذلك وان أمكن ان توجد باللفظ بما هو حقيقة تكوينية (أي بما هو أمواج صوتية فيمكن، فرضاً، ان توجد الملك التكويني إذا كان مثل الطاقة والأمواج أو النور الواصل بين المالك وملكه) لكن لا يمكن ان توجد به بما هو إنشاءٌ لاعتبارٍ، اللهم إلا ان يعمم الإنشاء لإيجاد العينيات أيضاً وفيه ما لا يخفى، وعليه فلا يستقيم تعريف الشيخ للملك ان اراد هذا المعنى إلا بتقدير ([2])
المطلب الثالث: التعريف للماهية وليست الصحة والفساد جزءً لها
إن تعريف الشيخ للبيع بـ(إنشاء تمليك عين بمال) كسائر التعاريف إنما هو تعريف لماهية البيع أو فقل لطبيعيّ البيع، والوجود والعدم والصحة والفساد ليست أجزاء المعرَّف فلا يصح ان تكون جزء المعرِّف، وعلى ذلك تترتب ثمرة كبرى في الفقه وفي اللغة من حيث ان ذلك يقتضي، نظراً للحكمة، كون الوضع على طبق الأصل أي الظاهر الجاري عليه العقلاء في كافة العلوم.
توضيحه: ان كافة التعاريف لكل الموضوعات في كل علم من العلوم الحقيقية ([3]) والاعتبارية ([4]) شأنها تعريف ما هو بالحمل الذاتي الأولي هو هو وليس تعريف ما هو بالحمل الشائع الصناعي هو هو، أي ان شأنها هو تعريف الطبيعة أو فقل بيان مفهوم الشيء، وليس الوجود، بأنحائه الأربعة، جزء المفهوم كما ليست الصحة والفساد جزءه ([5])؛ ألا ترى ان الإنسان يعرّف بالجنس والفصل: الحيوان والناطق، لا بالصحة والفساد ولا بوجوده وعدمه إذ لا شيء من هذه الأربعة بجنس ولا فصل ولا ركن ولا جزء للإنسان؛ وألا ترى صحة حمل البيض، مثلاً، على البيض الفاسد حقيقة؟ وعدم صحة سلبه عنه إلا بعنايةٍ؟
وعليه: فتعريف البيع بـ(إنشاء تمليك عين بمال) أعم من كونه إنشاء تمليكٍ صحيح أو فاسد عرفاً أو شرعاً، وسيأتي مزيد بيان لذلك عند نقل كلام المحقق اليزدي بإذن الله تعالى.
والظاهر لا للحكمة فقط بل ببركة صحة الحمل وعدم صحة السلب، ان واضع اللغة جرى على ذلك فاعتبر البيع أسماً للأعم من الصحيح والفاسد وتبعه على ذلك العرف بل العرف بنفسه كاشف عن الوضع اللغوي فان هذا هو البيع عندهم الكاشف، نوعاً، عن ان وضعه اللغوي كذلك إذ معاني الألفاظ متلقاة يداً بيد حتى تصل للواضع وذلك معنى أصالة ثبات اللغة فبها يتم المطلوب.
الثمرة في عدم كون الصحة جزء الماهية أو الموضوع له
وتظهر الثمرة في صحة التمسك بالعمومات مثل (أحل الله البيع) لدى الشك في صحة عقد، كعقد البيع، أو فساده لافتقاره شرطاً أو جزءً شك في مدخليته فيه لو لم يكن في البين أصل منقح لذلك ([6]) فانه ان قلنا بان التعريف للبيع الأعم من الصحيح والفاسد (وان البيع أعم من الصحيح والفاسد) أمكن التمسك بأحل الله البيع وبصدق التعريف لإثبات الموضوع فيعمه الحكم قهراً وذلك لأنه بعد صدق الاسم والتعريف عليه يشك في خروجه من دائرة الحكم فيشمله عموم أحل الله البيع.
وأما ان قلنا بان التعريف للبيع الصحيح (وان البيع موضوع للبيع الصحيح) فانه لا يصح التمسك بالعمومات لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ مع الشك في الصحة يشك في صدق الاسم والعنوان والموضوع ومع الشك في موضوعية الموضوع لا يصح التمسك بالعام المثبت للحكم على ما فرض كونه موضوعاً أي على الموضوع بعد الفراغ عن موضوعيته فان هذا شأن الأحكام المنصبة على موضوعاتها. فتدبر. وللبحث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
|