• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 38- تفصيل وتوضيح الوجه الثامن : الوجود القانوني للبيع والوجود المؤثر ـ تتمة لكلام الاخوند عن ان اللحاظ شرط ودفع اشكال عنه في عالم الاثبات .

38- تفصيل وتوضيح الوجه الثامن : الوجود القانوني للبيع والوجود المؤثر ـ تتمة لكلام الاخوند عن ان اللحاظ شرط ودفع اشكال عنه في عالم الاثبات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(38)
الموجَد بالايجاب البيع القانوني وبالقبول البيع الناقل
 
الوجه الثامن: ان يقال بوجود علتين ومعلولين في البيع وكل واحدة من العلتين لها معلولها الفعلي الخاص فليس المقام صغرى الشرط أو جزء العلة المتأخر أو المتقدم أبداً.
توضيحه: ان هنالك وجوداً إنشائياً للبيع وهو الوجود القانوني له وهو الذي يحصل بقول البائع بعت، وهنالك وجود آخر للبيع وهو الوجود الناقل أي الوجود المؤثر في النقل والانتقال وهو الذي يحصل بقول المشتري قبلت([1])، فالإيجاب من البائع علة وجود البيع القانوني والقبول من المشتري علة وجود البيع المؤثر وكلاهما بالفعل أيضاً وإنما يلزم إشكال الشرط أو الجزء المتقدم والمتأخر لو كان المعلول وهو البيع أمراً واحداً وكانت لعلته أجزاء أو شروط متدرجة في الوجود.
 
الدليل على هذا الوجه: صحة الحمل وعدم صحة السلب
 
ولا شك في ان هذا الوجه ممكن ثبوتاً، إلا ان الكلام في عالم الإثبات والدليل عليه، والظاهر تمامية الدليل عليه وهو ما سبق مفصلاً من تعدد إطلاقات البيع فراجعه، ونشير هنا إليه إجمالاً: وهو ان البرهان على وجود إطلاقين للبيع ونحوين منه أو وجودين له هو صحة الحمل وعدم صحة السلب فانه بقول البائع بعت صح حمل انه باع عليه، مقابل انه آجر داره أو وهبها فيقول بعت داري ولم أهبها أو أوجرها ولا يصح سلب هذا المعنى والوجود منه، نعم يصح سلب الإطلاق الثاني للبيع عنه ما دام لم يلحقه القبول وهو ما يؤكد تعدد إطلاقاته، كما يصح حمل الكافر بإطلاقاته الخمسة التي ذكرناها سابقاً على الكافر بإحدى إطلاقاته وسلب الكافر عنه بإطلاق آخر ولا تهافت لتعدد المتعلق([2])
 
للإيجاب وجداناً أثر وللقبول أثر آخر
 
وبتعبير آخر: لا شك في ان الإيجاب يؤثر أثراً ما وليس وجوده كعدمه لوضوح اختلاف حاله لو قال بعت حتى قبل قبول المشتري، عما لو لم يقل شيئاً ولوضوح اختلاف حاله لو قال آجرت أو وهبت عما لو قال بعت؛ إذ العقلاء يرون ان أمراً ما قد حدث وهو ما نعبر عنه بالوجود القانوني للبيع، وذلك نظير حكم الحاكم المكتوب على الورق والموقع من قبله لكن قبل إعلانه الرسمي عبر الإذاعة أو الجرائد فانه حكم قانوني وله وجود اعتباري وليس عدماً محضاً كما انه ليس بمنشأ الأثر الخارجي بما هو بل المنشأ للأثر هو الإعلان عنه ولذا لو اطلع عليه شخص قبل الإعلان عنه لما كان ملزماً له كما لا يحق لموظفي الدولة تفعيله وتنفيذه قبل الإعلان عنه([3]).
كما لا شك انه بعد القبول في العقود وبعد الإعلان في أحكام الحكام يوجد البيع المؤثر في النقل والانتقال فعلاً ويوجد الحكم المؤثر في الإلزام الفعلي بمقتضاه واستحقاق العقاب بالمخالفة، والحاصل: ان ههنا حكمين كما هنالك بيعان.
 
الفرق بين بعت الانشائية والاخبارية

ويدل عليه أيضاً: الفرق بين بعت الاخبارية وبعت الإنشائية فانه لو اخبر بقوله بعت كتابي لزيد، فان ظاهره إرادة الإطلاق الثاني للبيع أي انه باع البيع الذي تعقبه القبول ولا يقصد مجرد بعت دون قبول المشتري، وواضح ان إطلاقه عليه حقيقي.
واما لو انشأ البيع فقال للمشتري بعتك الكتاب بدينار، فان من البديهي انه يريد الإطلاق الأول للبيع لا الإطلاق الثاني لأنه غير مقدور له إذ هو منوط بقبول المشتري وليس قبوله مما هو بيد البائع وعلى أي فان قوله بعت يريد به إيجاد البيع القانوني أي البيع الذي من شأنه انه لو لحقه القبول لوجد البيع المؤثر في النقل فعلاً، ومن الواضح ان كلّاً من بعت الاخبارية والإنشائية مستعملة في الموضوع له وليست مجازاً فيدل ذلك على ان للبيع، وضعاً، إطلاقات متعددة، فتدبر
 
هذا الجواب لا يفي للذب عن الميرزا النائيني
 
وهذا الجواب لا يجدي للذب عن الميرزا النائيني، لأنه التزم بان الإيجاب يوجد مادة البيع أو قوته والقبول يوجد فعليته ومن الواضح ان الألفاظ ومنها البيع لا تطلق على المواد إلا مجازاً، اما الوجه الثامن فانه يرى وجودين فعليين لكن احدهما قانوني والآخر مؤثر، وقد سبق إيضاح الفرق بين الوجه الثامن وما التزمه الميرزا إذ كلامه عن المادة والصورة وبتعبير أدق عن القوة والفعل، واما هذا الوجه فعن وجود أول فعلي قانوني ووجود ثاني لاحق له مغاير مترتب عليه وليس فعلاً له وصورة لمادته فتدبر جيداً.
 
تتميم: ظاهر الأدلة مدارية الوجود الخارجي للرضا أو القبول لا اللحاظي
 
سبق: (ثانياً: ان ذلك خلاف ظاهر الأدلة؛ ألا ترى ان ظاهر قوله تعالى: (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) هو ان التراضي بوجوده الخارجي شرط صحة التجارة وجوازها وليس مجرد لحاظ التراضي ووجوده العلمي، فالمكرَه لو رضي لاحقاً صح البيع لا لو تصورنا رضاه من دون حصوله خارجاً.
والحاصل: ان الوجود العلمي للقبول والرضى، مرآتي آلي وليس استقلالياً، فالشرط في الحقيقة هو ذوه وليس به، وهو المُرَى به والمنكشَف وليس الكاشف والـمُرِي)([4])
 
الجواب: الوجود اللحاظي والمستقبلي كلاهما مجاز
 
ولكن يمكن الجواب عن ذلك بانه لا يتم الاستدلال بالآية أو نظائرها كما لو ورد لا بيع إلا مع قبول لرد مبنى الآخوند وإثبات مدخلية القبول المستقبلي في العقد، وذلك لأن ظاهر التراضي – ككل مصدر وفعل – هو التراضي الواقعي الفعلي لا التراضي المستقبلي أو اللحاظي كما ذكر في الإشكال، وعليه: فكل من (التراضي اللحاظي) و(التراضي المستقبلي) وكذا (القبول اللحاظي والمستقبلي) مجاز لا وجه للصيرورة إلى احدهما مع عدم تعذر المعنى الحقيقي وهو الرضا الواقعي الفعلي([5]) فهو المجدي والكافي لا غير فيقتضي لزوم تقارن القبول بالإيجاب وهو خلاف الإجماع أو لحوقه به فوراً وهو وإن صح إلا ان إشكال الشرط المتقدم والمتأخر يشمله لتدرجية الإيجاب والقبول قهراً([6]).
والحاصل: ان العقد لو كان فاقداً للرضا الفعلي فان الآية لا تجدي لتصحيحه كما انه لو كان فاقداً للقبول الفعلي – أي حين الإيجاب قبل القبول – فان أدلة القبول لا تجدي لتصحيحه قبل حدوثه، وذلك لأن ظاهر التراضي هو التجارة عن تراضٍ فعلي لا عن تراضٍ مستقبلي مع عدم الفعلي، ألا ترى انه لو باع ما لا يملكه ثم اشتراه فملكه لم تصحح ملكيتُه المستجدة بيعَه السابق فلا ينطبق عليه قوله (عليه السلام) "وَلَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُه"([7]) أو "لَا تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك" ([8]) أي لا ينطبق الملك عليه بل هو من اللا ملك.
 
كفاية الرضا اللاحق للدليل الخاص لا لشمول الآية
 
ان قلت: الرضا لو لحق العقد، كالنكاح مثلاً لو كانت كارهة حين العقد ثم رضيت، صح.
قلت: ذلك للدليل الخارجي لا لشمول (عن تراضٍ) لذلك، كما لو دل الدليل فرضاً على انه لو باع ما لم يملك ثم ملك صح بتنزيله الشارع ما لا يملكه مما ملكه لاحقاً منزلة ما ملكه حالاً.
والحاصل: ان كون (الوجود العلمي للقبول) هو الركن للعقد، مجازاً لا يستلزم كون (الوجود المستقبلي للقبول) هو الركن، حقيقة ليلتزم بهذا لأنه حقيقة وينفى ذاك لأنه مجاز؛ إذ كلاهما مجاز فلا بد من الدليل عليه وقد دل الدليل على ان الوجود المستقبلي للقبول هو الركن لا الوجود اللحاظي له ولا المقارن، فهذا هو الدليل على مدخلية القبول المستقبلي، لا صرف الاستناد إلى أدلة مدخلية القبول وان إرادة القبول اللحاظي مجاز فيكون القبول شاملاً للمستقبلي بدعوى انه حقيقة إذ اتضح انه هو الآخر مجاز فلا تكفي آية (عن تراضٍ) أو أدلة ركنية القبول للالتزام بكفاية القبول المستقبلي في تأثير الإيجاب الماضي في حدوث النقل من حينه أو بعد القبول. فتأمل
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
===========================

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1967
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 7 ربيع الثاني 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23