بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(37)
مناقشة جدوائية (الوجود اللحاظي المطابق)
ولكن يرد على الجواب بالحلقة الوسيطة وهي الوجود اللحاظي المطابق ما ورد على نفس الجواب بالوجود اللحاظي فانه وإن حلّ به اشكال الانفكاك بين الملاحَظ واللحاظ واشكال تأثير المتأخر في المتقدم أو العكس من جهة ان القبول المتأخر لا يكون هو الشرط لتأثير الإيجاب المتقدم بل الشرط لحاظه وهو مقارن، لكن يبقى اشكال تأثير المتأخر في المتقدم من جهة اللحاظ نفسه؛ إذ يقال: لا شك ان القبول الثبوتي العيني ليس أجنبياً عن التأثير بالمرة وإلا لما كان ركنا في العقد وكان العقد إيقاعاً هنا فلا شك ان له نوع تأثير لكن تأثيره – حسب هذا الوجه – هو في لحاظ المولى لا في الإيجاب المتقدم بنفسه – فيرجع الإشكال وهو انه كيف يؤثر القبول اللاحق في لحاظ المولى المقارن للإيجاب والسابق عليه ([1]).
اللجوء لكون القضية حقيقية غير مجدٍ
ولا يجدي القول بان القضية حقيقية لا خارجية؛ إذ الفرض ان العلة متدرجة الوجود وهي مجموع الإيجاب والقبول، وانه أي المولى لاحظ المتدرجات ثبوتاً فحكم بالنقل ([2]) فقد انفعل لحاظه عن المتدرجات وإلا لما كانت أجزاء العلة التي لاحظها، هذا خلف. فتدبر
وبعبارة أخرى: خلاصة الجواب هي: ان القبول اللاحق له مدخلية في لحاظ المولى – لا في الإيجاب الذي هو سابق – فانه يلاحظه، واللحاظ فعلي فالشرط فعلي والمشروط فعلي ([3])، فيرد عليه انه كيف أثر القبول اللاحق في لحاظ المولى الفعلي؟
أو خلاصته: الوجود الواقعي للقبول أثّر في اللحاظ أو خصوص (اللحاظ المطابق) واللحاظ منشأ الحكم وهو مقارن له ([4]).
تصوير تأثير المعدوم المستقبلي في الانبعاث الفعلي ومناقشته
مزيد توضيح بمثال عرفي: انه إذا علم بان أباه سيجيء غداً من السفر، فان علمه هذا (أو ملاحظته لذلك) هو سبب حركته نحو السوق اليوم لشراء ما يلزم وهو الباعث له لمختلف أنواع الإعداد والاستعداد، فقد يتوهم ان بذلك يندفع إشكال كيفية إمكان تأثير المستقبل المعدوم حالياً، وهو مجيء الأب غداً، في حركة ولده الفعلية إذ كيف يؤثر المعدوم في الموجود؟ والجواب المتوهم عن هذا الإشكال هو ان الوجود الواقعي العيني لمجيء الأب غداً المعدوم حالياً لم يكن هو المؤثر في حركة الأبن والأهل واستعدادهم وإعدادهم، بل المؤثر هو علمهم ولحاظهم مجيء الأب غداً وعلمهم ولحاظهم حالي ومسبَّبه هو الانبعاث حالي أيضاً.
ان قلت: إن لم يكن هذا العلم واللحاظ معلول الوجود العيني للمجيء المستقبلي فما هي علته؟
قلت: علته أمر فعلي حالي آخر كالإلهام أو الحدس أو تلفون الوالد له مثلاً بانه سيأتي غداً.
لكن قد يقال بان هذا الجواب على وجاهته الظاهرية غير وافٍ بحل المعضلة، إذ ننقل الكلام إلى نفس تلفون الأب وهو فعل حالي فان المؤثر فيه والباعث له على الاتصال هو تصوره أو علمه بسفره غداً لكن هذا العلم ليس أجنبياً بالمرة عن نفس مجيئه الثبوتي غداً وإلا لما كان فرق بين العلم والجهل المركب، بل ان للوجود العيني المستقبلي نوعاً من التأثير في علمه به ولحاظه له وفي إعداده واستعداده فيعود المحذور ولا تجدي في دفعه إضافة وسيط وواسطة.
التفريق بين المعلوم والعلم وبين العلة متدرجة الوجود والعلم بها
ولئن أمكن الجواب عن شبهة تأثير المعدوم المستقبلي في الوجود الحالي في مثل مبحث العلم والمعلوم المستقبلي غير المعلول لأسباب خارجية متدرجة الوجود لأنه صرف كاشف والمستقبل صرف منكشف فلا عِلّية ولا معلولية هنا ولا العلم حتى جزء العلة ([5]) فلا وجه لورود الإشكال، فانه لا يمكن الجواب عن شبهة تأثير المعدوم المستقبلي مما كان جزء العلة لحادث ماضٍ، كالقبول اللاحق في الإيجاب السابق أو اللحاظ السابق لذلك المعدوم اللاحق لأن الفرض ان وجوده – أي القبول – العيني هو جزء العلة للنقل وإن كان بتوسط اللحاظ ([6]) وليس العلم به واللحاظ هو المستقل في التأثير بما هو هو استقلالياً عكس ما لو علم بمجيء الضيوف غداً. فتأمل جيداً
وعليه: فلا تحل معضلة الشرط المتأخر باللجوء إلى اللحاظ أو خصوص اللحاظ المطابق، بل لا بد من تتميمه بجواب آخر مثل انه اعتباري والاعتبار خفيف المؤونة وانه صورة شرط وليس بشرط بل العلة هي اعتبار المعتبر، أو الحل بالوجود المراعى كما سبق وسيأتي أيضاً، أو الحل بوجود اعتبارين كما سيأتي أيضاً بإذن الله تعالى.
اللاحق يوجِد في السابق خصوصية بها يؤثر
الوجه السابع: ما ذهب إليه الآخوند في حاشية الفرائد، من ان اللاحق يوجد في السابق ([7]) خصوصية ([8]) بها يكون منشأ الأثر في اللاحق.
لكن هذا الجواب كجوابه اللحاظي غير مجدٍ إذ انه غيَّر مركز الإشكال وصغراه دون ان يدفعه، إذ يُسأل حينئذٍ انه كيف اثر القبول اللاحق في إيجاد خصوصية في الإيجاب السابق، سواءً أكانت التعقب أو غيره؟
وسيأتي بإذن الله تعالى الوجه الثامن مع تتمة لما ذكرناه في الدرس الثاني والثلاثين عن الوجود اللحاظي، بدفع الإشكال الوارد في عالم الإثبات عليه. فانتظر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=======================
|