• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 35- نفي شبهة الجبر ـ الخلط في كلامه بين السبب والشرط ـ الاستدلال بالبداهة غير مغنٍ عن الرد العلمي ـ هل باب الاحكام الشرعية اجنبي عن باب العلة والمعلول بالكلية .

35- نفي شبهة الجبر ـ الخلط في كلامه بين السبب والشرط ـ الاستدلال بالبداهة غير مغنٍ عن الرد العلمي ـ هل باب الاحكام الشرعية اجنبي عن باب العلة والمعلول بالكلية

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(35)
تتمة المناقشات مع المحاضرات:
 
خامساً: ان قوله (وبكلمة اخرى : أنّ شأن الشرط إنّما هو إعطاء استعداد التأثير للمقتضي في مقتضاه، وليس شأنه التأثير الفعلي فيه حتّى لا يمكن تقدمه عليه زماناً)([1]) غير تام:
 
الخلط بين السبب والشرط
 
وذلك لأنه خلط بين السبب والشرط، وان كان قد يكون سبب شيء شرطاً لشيء آخر فانهما من الأمور ذات الإضافة وقوامهما بالمضاف إليه فلا يصح النقض على الآخوند بان السبب (أو هذا الشيء من حيث كونه سبباً) كذا فالشرط كذا، فان الحيثية تقييدية.
بيانه: ان المحاذاة مثلاً سبب اعطاء استعداد التأثير للنار في الإحراق إذ بدونها لا استعداد فعلي لها في التأثير، وهي – المحاذاة – شرط أمر آخر وهو الإحراق، فهي سبب للاستعداد وشرط للإحراق، وأين السبب من الشرط وأين الاستعداد من الإحراق؟ والأول بالفعل والثاني قد يكون بالقوة، لامكان عدم تحقق شروط القابل أو لوجود المانع كالرطوبة في الخشب، وعليه: فقد تكون المحاذاة سبباً لايجاد الاستعداد بالفعل في النار لكنها شرط للإحراق المستقبلي المعلق على شروط أخرى في القابل كعدم الحائل كالرطوبة مثلاً فقد تقدم الشرط على المشروط وتقارن السبب مع المسبب.
هذا في الفاعل وكذا الحال في القابل فان اليبوسة سبب استعداد الخشب للاحتراق بينما هي شرط حصول الاحتراق فيه فقوله (ان شأن الشرط إنما هو اعطاء استعداد..) غير تام إذ إعطاء الاستعداد معلول السبب فمعطي الاستعداد هو سببه وليس شرطه إذ الشرط لا يعطي المسبب، ولو كان شرط الغاية، كالمحاذاة للإحراق، سبب إعطاء الاستعداد فانه من هذه الجهة وبالإضافة للاستعداد سبب وليس شرطاً وعليه: لا يصح إعطاء الشرط صفة السبب وحكمه ثم الاستنباط، من ثَمّ، انه حيث كان شأنه إعطاء الاستعداد فلا يشترط تأثيره الفعلي فيمكن تقدمه عليه زماناً كما قال.
بعبارة أخرى: المشكلة انه (أي الشرط) من حيث هو شرط كيف يمكن ان يكون متقدماً فلا يجاب بانه من حيث هو سبب لا يعطي إلا الاستعداد والاستعداد غير التأثير الفعلي ولو كان لما أمكن تقدمه عليه.
 
لا يكتفى، في البحث العلمي، برد دعوى الاستحالة بالبداهة
 
سادساً: ان رد دعوى الاستحالة التي ذكرها الآخوند لا يصح ان تكون بمجرد دعوى البداهة (ومن البديهي أنّه لا مانع من تقدّم ما هو معدّ ومقرّب للمعلول إلى حيث يمكن صدوره عن العلة زمناً عليه ، ولا تعتبر المقارنة في مثله) فان الطرف الآخر يدعي البداهة أيضاً، على ان رد دعاوى الاستحالة بالبداهة، حتى وإن صح، لكنه شأن من لا يمكنه إقامة البرهان – أو صورته – عليه، اما مقام البحث العلمي الفلسفي والأصولي فيقتضي ذكر وجه الاستحالة أو عدمها لا مجرد دعوى البداهة في مقابل دعوى الآخر الاستحالة، خاصة وانها معللة في كلام الآخوند.
نعم قد يقال انه استدل بتقدم الـمُعِدّ فلم يكتف بدعوى البداهة وهذا وإن صح إلا انه غير مجدٍ لما سبق من ان الكلام في الشرط فلا يصح النقض بالمعد أو السبب أو شبه ذلك. فتأمل
 
الحل: بان الشروط والأسباب الشرعية هي صور وليست واقعاً
 
نعم الظاهر تمامية إشكاله في اخر كلامه بقوله (وعلى الجملة : فلا مانع من تقدّم الشرط على المشروط ، سواء أكان المشروط حكماً أو فعلاً ، وسواء أكان الحكم وضعياً أو تكليفياً. وأضف إلى ذلك : أنّ باب الأحكام الشرعية أجنبي عن باب العلة والمعلول بالكلية فلا صلة لأحدهما بالآخر أبداً كما سنشير إليه)([2]) وتوضيحه: ان السببية والشرطية وغيرها في الأحكام الشرعية أمور اعتبارية وليست عللاً حقيقياً أو أسباباً وشروطاً واقعية ولا مانع من ان يكون ما هو متقدم بوجوده العيني (كالإيجاب) سبباً (صوريا) لما هو متأخر بوجوده الاعتباري كالملكية الحاصلة بعد لحوق القبول، وكذلك: ما هو شرط كالرضا، فانه شرط صوري.
 
إشكال: المعاملات امضائيات، والإنشاء سبب وليس بصورة
 
ولكن قد يشكل عليه بان باب المعاملات من الامضائيات فلا يصح فيه ذلك، بل انه لو كان من التأسيسات لما صح أيضاً. بيانه:
ان الإيجاب والقبول هما من الانشائيات والإنشائيات إيجاداتٌ لاعتباراتٍ في عالمها([3]) فالعقد أي الإيجاب والقبول هو السبب لحصول النقل والانتقال عند العقلاء والشارع قد امضى ذلك فالسببية حقيقية وليست اعتبارية صورية، بل والأمر على التأسيس كذلك؛ فان الشارع، عليه، جعل العقد علة النقل والإيقاع، كالطلاق، علة البينونة أو العتق فقد جعله سبباً، وجعل الرضى المتأخر شرطاً فكيف يكون السبب أو الشرط متقدماً أو متأخراً؟.
 
الجواب: السبب الواقعي هو الاعتبار والألفاظ أسباب اعتبارية([4])
 
ولكن هذا الإشكال غير تام إذ سواء أقلنا بالإمضاء أم قلنا بالتاسيس، فان سببية العقد للنقل والطلاق مثلاً للبينونة ليست حقيقية عند الشارع ولا عند العقلاء، فان السبب الحقيقي هو اعتباره أو اعتبارهم، والألفاظ اعتبروهم أسباباً ظاهرية، والواقع هو اعتبارهم النقل عندها أو بها([5])، ولذا لو تجرد الإنشاء عن اعتبار الشارع لما حصل النقل، كما في البيع الربوي أو بيع الخمر والخنزير، وكذلك عند العقلاء فانه لو تجرد ما عدوه سبباً عن اعتبارهم لما حدث النقل كما لو باع المحجور عليه عندهم.
 
فائدة اعتبار الألفاظ أسباباً رغم صوريتها
 
لا يقال: فلم اعتبروا الألفاظ أسباباً؟
إذ يقال: جريا للقانون وسنّا للسنة لأنها مقاييس ظاهرة يمكن الرجوع إليها لمعرفة ما حدث أو لم يحدث من المعاملات والإيقاعات ولحسم النزاعات وسد باب الخصومات أو حلها، عكس نفس الاعتبار فانه أمر نفسي قائم بذهن المعتبر فلو اكتفوا به سبباً، في مرحلة الظاهر مع انه السبب في مرحلة الواقع، لما استقر حجر على حجر ولما علم حدوث أي أمر اعتباري من عدمه ولامكن ان يدعي كل أحد كل شيء (أي اعتباره لأي شيء) أو ينكر أي شيء مما اعتبره ثبوتاً.
والحاصل: ان جوهرها انها مبرزة للاعتبارات النفسانية لكن لا بالاخبار كي يدعى ان الانشاء هو الاعتبار المبرز، بل بالإنشاء والإيجاد الإنشائي أي إيجادها في عالم الوجود اللفظي أو الكتبي بعد وجودها في عالم الوجود الذهني، بعبارة أخرى السببية والشرطية جعلية اكتسابية في الشروط والأسباب العقلائية والشرعية وليست حقيقية ذاتية.
بل سبق ان الأمر في كافة الأسباب والشروط التكوينية كذلك فانها ظاهراً أسباب واما الواقع فان الأمر لله ولذلك قال تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)([6])
 
الثواب والعقاب على الفعل، وعلى النتيجة بوجه، فلا جبر
 
ولا يتوهم من ذلك ومما سبق في العلة المعدة من اننا لا نملك إلا التحريك فقط، الجبر وانه لا معنى على هذا للثواب والعقاب؟.
إذ يجاب: بان العقاب والثواب هو على ما تفعله لا على ما يفعله الله تعالى، وما نفعله هو هذا الفعل وذاك اما ما يترتب عليه فخاضع لقوانين حاكمة غير داخلة تحت قدرتنا، نعم المقدور بالواسطة مقدور فصح الثواب والعقاب عليه بهذا اللحاظ.
ولنضرب مثلاً لذلك: فان الكذب حرام يعاقب عليه الإنسان لكن الداخل تحت قدرة المكلف مباشرة ليس إلا الإرادة وتحريك عضلات الحنجرة واللسان، فاذا فعل ذلك فقد صدر منه الكذب فيعاقب عليه، فانه تحت قدرته وقد صدر باختياره، ولكن ما بعد هذا ليس داخلاً في حيطة قدرة الإنسان([7]) فان الصوت كيفية تموج في الهواء فإذا صدر الكذب من المكلف كان موجاً في الهواء سمعه السامع أو لا، بل ثبت علمياً انه يبقى في الأثير على امتداد السنين، لكن هل تحمّل الهواء له وهل كونه كيفية تموج للهواء وهل حركته في الفضاء وبقاؤه ثواني أو سنيناً، بأيدينا؟ كلا بل انه خاضع لقوانين أجراها الله تعالى في الكون.
والحاصل: انه يوجد أمران:
1- ان العقوبة هي على الفعل نفسه.
2- تصح العقوبة على النتيجة مع انها خاضعة لقوانين خارجة عن إرادة الإنسان؛ لأن من باب ان المقدور بالواسطة مقدور.
وبذلك يجمع بين النفي والإثبات في قوله تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) فان (وَمَا رَمَيْتَ) نفي و(إِذْ رَمَيْتَ) إثبات وكلاهما صحيح؛ للطولية وكون الفعل الصادر منا هو بإرادة واختيار منا مع كون معطي القدرة والاختيار هو الله تعالى جل اسمه واما (وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) فلانه تعالى طوليا هو المالك لأن يمنع الرامي من الرمي، ولأنه المعطي للرامي القدرة والاختيار والآلات فكان أولى بنسبه الرمي إليه من غير نفي اختيارية الرمي للعبد. فتدبر
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=============================

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1957
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 24 ربيع الاول 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23