بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(43)
التفصيل في المخصص المتصل
لكن الحق هو التفصيل حتى في المخصص المتصل: فقد يكون مؤداه خارجاً تخصّصاً عن العام وقد لا يكون، ومرجع التفصيل إلى التفريق بين ما لو كان (العام) هو الموضوع أي تمامه وما لو كان جزء الموضوع وما لو كان الخاص معنوِناً للعام وعدمه، وذلك يتبع لسان الدليل، وأيضاً ما لو قلنا بان العام مستعمل في تمام مدلوله حتى بعد التخصيص أو لا مطلقا أو بالفرق بين المخصَّص بالمتصل أو المنفصل.
فالصور متعددة يختلف باختلافها الحكم، وهي:
1- الموضوع: المركب من العام والوصف
1- ما لو كان الموضوع هو مجموع العام والقيد، حسب ظاهر الدليل وذلك كقوله تعالى (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فان الظاهر ان (تجارة عن تراض) هو الموضوع وليس (تجارة) وحده هو الموضوع و(عن تراض) قيد.
والفرق من حيث الثمرة كبير بينهما إذ لو كان (عن تراض) جزء الموضوع فكلما شك في تجارةٍ انها عن تراضٍ فانه لا يمكن التمسك بالآية لإثبات صحة هذه المعاملة فانه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فيكون الأصل حينئذٍ عدم الصحة لعدم إحراز موضوعها، من غير حاجة إلى إجراء الأصل لنفي الرضا الذي هو جزء الموضوع إذ ثبوت الحكم يتوقف على ثبوت الموضوع ولم يثبت. فتدبر
واما لو كان (عن تراض) قيداً خارجاً، فأجرى تجارةً شك في انها عن تراضٍ أم لا فانه يصح التمسك بـ(الا ان تكون تجارة) لإثبات الصحة مع الشك في كونها عن تراض إذا لم يمكن إجراء أصالة عدم الرضا ([1]) إذ ان دخوله في التجارة معلوم وخروجه عن حكمها للشك في ثبوت المخرج وهو عدم الرضا، مشكوك فتبقى على الأصل. فتأمل ([2])
2- الموضوع: العام فقط والوصف شرط
2- ما لو كان الموضوع هو العام فقط حسب ظاهر الدليل، وكان الوصف شرطاً أو قيداً مثلاً ([3]) وهنا صورتان:
أ- ان يكون الخاص ([4]) معنوناً للعام.
ب- ان لا يكون معنوناً له.
أ- لو لم يكن الخاص معنونا للعام
اما الثاني فكقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فان البيع المحلَّل مقيد بكونه غير ربوي كما يستفاد من تمام الآية إلا ان البيع هو تمام الموضوع و(غير ربوي) لم يعنوِن بحسب ظاهر لسان الدليل، الموضوعَ ولم يصبغه بصبغته.
ب- لو كان معنونا له
واما الأول فقد يمثل له أكرم العلماء إذا كانوا عدولاً فان الموضوع هو العام لا المجموع المركب من (العالم العادل) ثم انه قد يقال بان (إذا كان عادلاً) معنونٌ بحسب ظاهر لسان الدليل للعلماء عرفاً، وليس بحسب اللبّ كما في آية أحل الله البيع وقد يمثل له بـ( هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) فان الموضوع – أي المتعلق – هو المتّقون وقوله (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قيد معنون له، وان امكنت المناقشة في هذا المثال بل في سابقه أيضاً فتأمل.
وستأتي صورتان أخريان بإذن الله فانتظر.
اختلاف الصور السابقة في التخصص وغيره
وعلى أية حال فان حكم الصور السابقة من حيث كونها تخصصاً أو غيره هو كالآتي:
الصورة الأولى: (كون الموضوع هو مجموع العام والوصف المتصل به) فان الإرادة الاستعمالية لشبهة الجملة أي المجموع المركب من العلماء والوصف، تنعقد حينئذٍ فمؤدى الخاص ([5]) أو الوصف المتصل خارج تخصصاً عن دائرة الموضوع الذي هو المجموع المركب ولا يضر دخوله في العام نفسه إذ ليس هو الموضوع ليكون الخروج تخصيصاً.
الصورة الثانية: (كون الموضوع هو العام وكان الخاص معنوِنا للعام) ([6])، فالظاهر ان الخاص يمنع حدوث الإرادة الاستعمالية الواسعة للعام ويوجِدها ضيقة إذ انه، على العنونة، قد لوّنه بلونه وصبغه بصبغته فمورد الخاص خارج أيضاً تخصصاً لكن عن العام نفسه فانه الموضوع ([7]) فههنا ينبغي ان يكون مصب كلام الميرزا النائيني عن الخروج التخصصي.
الصورة الثالثة: (كون الموضوع هو العام مع عدم كون الخاص معنونا) ([8]) فالظاهر هنا انعقاد الإرادة الاستعمالية للعام واسعة والخاص إنما يتصرف في الإرادة الجدية فيكون الخاص مانعاً عن انعقاد الجدية فالخروج تخصصي بالنسبة إليها لكنه لا مساس له بالإرادة الاستعمالية فلا تخصص بل ولا تخصيص بحسب الإرادة الاستعمالية، أي يكون حال المخصص المتصل – على هذا – حال المخصص المنفصل فلاحظ انطباق ذلك على مثل (أحل الله البيع وحرم الربا) وتدبر وتأمل
لكن الصحيح التفصيل فان مزيد التدقيق يقتضي التفصيل حسب تحقيق حال العام وانه في هذه الصور استعمل في بعض مدلوله أو استعمل في تمامه، وعلى الأول فهل هو مجاز أو لا، وسيأتي بإذن الله تعالى
تتمة وتنبيه: كيف يكون الخاص وارداً على العام؟ وجوابه والرد على الجواب
سبق ان الشيخ ارتأى ورود الخاص القطعي سندا ودلالة على العام بينما اختار الميرزا التخصص وقلنا بالتخريج – على فرض صحة المبنى – ثم أشكلنا بعدم صحته لوضوح ان الموضوع هو العام وهو لم يُزَل وجدانا، لا حقيقة تكوينا ولا بعناية التعبد، فكيف يتوهم ان الخاص وارد عليه أو خارج مؤداه منه تخصصاً، وانما التصرف كان في دائرة المحمول.
ولتوضيح الإشكال ثم الجواب عنه نقول: ان موضوع البراءة العقلية هو (اللابيان) وهو منتف بالوجدان بعد ورود الحجة والبيان من الشارع فالحجة إن كانت ظنية معتبرة، واردة عليه وإن كانت قطعية فمخرّجه حسب ما اخترناه، وموضوع التخيير هو (عدم المرجح المنصوص أو مطلقا) وهو منتفٍ مع وجود المرجح كالأورعية والافقهية بالنحوين السابقين ([9])، وموضوع الاحتياط هو احتمال العقاب وهو منتف مع ورود الحجة كخبر الثقة الظني المعتبر أو المقطوع بسنده ودلالاته؛ إذ لا يحتمل العقاب مع إقامة الشارع الحجة على عدم وجوب أو حرمة الأمر الكذائي.
اماالمقام فلا يعقل – حسب إشكالنا الآنف – القول بالورود أو التخصص؛ إذ الكلام في الخاص بالنسبة إلى العام وانه وارد عليه أو خارج مؤداه تخصصاً منه مع وضوح ان العام لا ينعدم حقيقة تكوينا ولا بعناية التعبد بعد مجيء الخاص ولا انه خارج مؤداه منه تخصصاً لفرض انه اخص منه مطلقاً فكيف يتوهم الورود أو التخصص؟.
والجواب: ما سبق من ان مصبهما هو الإرادة الجدية وأصالة الظهور وما أراد لا الإرادة الاستعمالية وما قال فهو خاص بلحاظ ما قال ووارد – أو غيره – بلحاظ ما أراد.
لكن هذا الجواب مردود أشرنا إليه في الدرس السابق ([10]) ولكن سيأتي رد الرد وجوابه ثم القول بالتفصيل في الدرس اللاحق أو ما بعده بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
|