بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(34)
كما يرد على ما ذكره (المحاضرات):
إطلاق العلة على العلة الـمُعِدّة مجاز
ثانياً: ان العلة المعدة ليست من أجزاء العلة، وإطلاق العلة عليها مجاز، بل العلة إن لم تكن بسيطة قد تكون مركبة من المقتضي والشرط واما عدم المانع فراجع إليه إذ لا يعقل تأثير المعدوم في الموجود، غاية الأمر ان كل جزء من أجزاء العلة المعدة المتدرجة الوجود علة للجزء اللاحق وان الجزء الأخير منها هو جزء العلة للمعلول أو هو العلة دونه وما سبقه.
البنّاء علة معدة للبِناء
ويتضح ذلك بالمثال الآتي: فان البنّاء علة للبِناء وهو هذه الدار مثلاً، وهو علة معدة لها إلا ان الواقع ان البنّاء لا يملك إلا حركات يده أو رجله فحركة يده علةً لحركة الآجرة أو اللبنة ووضعها على لبنة أخرى مثلاً اما مفيض الصور فهو الله تعالى، بل ان استقرار طابوق على آخر معلول علل تكوينية أخرى كالجاذبية والثقل والضغط وتماسك الأجزاء وغيرها وليس معلول حركة يد البنّاء، ولولا الجاذبية وأشباهها لطارت اللبنة – مثلاً – في الهواء ولم تستقر على مكانها.
والحاصل: ان البنّاء إنما سمي علة معدة للبناء – أي الدار - مجازاً وإلا فانه ليس إلا علة حركة مواد البناء فقط غاية الأمر توهم العلية الطولية المتتالية ولكنه مردود بما سبق من ان استقرار الحجر على الحجر الآخر وصورة الدار هي معلولة لعللها التكوينية؛ ولذا نجد ان البنّاء لو مات أو إنصرف عن عمله لما انعدم البِناء مع ان المعلول لا يعقل ان يبقى مع انعدام علته.
دفع العمود الأول علة معدة لسقوط العاشر
مثال آخر: إذا دفع شخص عموداً تقع بعده أعمدة عشرة مثلاً متقاربة، فسقط على العمود الثاني فأسقطه فسقط على الثالث فأسقطه وهكذا إلى العاشر، او الأكثر أو الأقل، فان دفع الشخص للعمود الأول هو علة معدة لسقوط العمود العاشر إلا ان الواقع لدى التدقيق هو ان الدافع لم يصنع شيئاً إلا تحريك العمود الأول، وبذلك وجدت قوة فيه ([1]) فهذه القوة، بانتقالها للعمود الثاني تسبّب سقوطه وهكذا حتى العاشر، وليس سبب سقوط العمود الثاني بالفعل هو حركة يده السابقة إذ هي معدومة حينه ولذا لو مات أو أمسك بالعمود الأول وأرجعه لحاله الأول بعد سقوطه على العمود الثاني لما منع ذلك من تساقط الأعمدة اللاحقة فيعرف بذلك انه ليس علة إلا لسقوط العمود الأول، على انه جزء العلة وذلك لوجود قوانين طبيعية حاكمة لولاها لما سقط العمود بدفع الشخص له.
نعم غاية الأمر ان يقال ان المقدور بالواسطة مقدور وهذا هو مناط التكليف والعقاب والثواب إلا ان ذلك غير كون حركة اليد هي (علة بالفعل) لسقوط العمود الثاني بل هي علة العلة لا غير، هذا على فرض كونها علة أصلاً. فتأمل
ولعل مما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)([2]) فان القول بالمغلولية له تصويرات:
منها: جريان القلم بما لا يمكن لله تعالى تغييره وهو باطل بالضرورة.
ومنها: - وهو موطن الشاهد – ان الله خلق العالم بدايةً فقط ثم كانت العلة المحدثة هي المبقية أي انه أوجده فوجد واستند بقاؤه إلى ذاته في استمراره وديمومته أو إلى حركة الفلك وما أشبه من العلل المعدة، وهذا – بكلا احتماليه - باطل أيضاً بالضرورة فان الفيض من الله تعالى دائم ولو انقطع آناً واحداً لَـعُدِم كل شيء، ونظيره – للتقريب للذهن – الصور الذهنية التي نوجدها فانها محتاجة إلينا آناً فآناً ولو صرفنا النظر عنها أو غفلنا عنها ثانيةً لانعدمت.
الوقوع دليل على إمكان الشيء لا على وجه وقوعه
ثالثاً: إنّ الوقوع وإن كان أدلّ دليل على وجود الشيء إلا انه لا يصلح دليلاً على وجهه فانه أعم منه.
وفي المقام: فانّ كون الإيجاب متقدماً على النقل الفعلي الحاصل بعد القبول المتأخر زمناً عن الإيجاب، وإن سلمنا انه لا شك فيه، إلا ان تقدمه القطعي أعم من كونه شرطاً، أي ان وقوع متوهَّم الشرطية أو ما ادعي انه شرط أعم من كونه شرطاً لوجود احتمالات عديدة أخرى في وجهه:
منها: ما صار إليه الآخوند أو نظيره ([3]) من ان ملاحظة الإيجاب المتقدم أي وجوده العلمي هو الشرط وليس الإيجاب نفسه أي ليس وجوده العيني، والملاحظة مقارنة، أو في عكسه: ملاحظة القبول المتأخر هو الشرط لتأثير الإيجاب المتقدم، والملاحظة هذه أيضاً مقارنة.
ومنها: ان يقال بان الشرطية اعتبارية وأمرها بيد المعتبر، والعلة في الحقيقة هي اعتباره النقلَ والانتقال والتملك، واعتباره مقارن للمعتبَر فليس الإيجاب والقبول هما العلة واقعاً للنقل بل جَعَلَهما المعتبِر ذريعةً لاعتباره فقط.
ومنها: غير ذلك من الوجود الماضية ([4]) أو الآتية.
وبذلك ظهر ان استدلال المحاضرات بالوقوع غير تام إذ قال (ولنأخذ بالنقد عليه: وهو أنّ ما جاء به المحقق صاحب الكفاية قدسسره من تعميم الاشكال إلى الشرط المتقدم خاطئ جداً، فان تقدّم الشرط على المشروط في التكوينيات غير عزيز) ([5]) فانه استدلال بالوقوع بل بكثرته، وقد سبق انه أعم من وجهه فلا بد من نفي سائر الوجوه وحصر وجه الوقوع فيما ذكره وليس ما ذكره وافيا بذلك فلاحظ.
التقارن بين الجزء الأخير من العلة المعدة والمعلول
رابعاً: ان قوله (ومن هنا يظهر أنّ التعاصر إنّما هو بين العلة التامة ومعلولها لا بين كل جزء جزء منها وبينه، فإذا جاز تقدّم الشرط على المشروط في التكوينيات جاز في الشرعيات أيضاً) ([6]) غير تام؛ إذ يرد عليه: ان التقارن والتعاصر إنما هو بين الجزء الأخير من العلة التامة والمعلول وليس بين تمام العلة والمعلول، وعليه: فالعلة في الحقيقة هي الجزء الأخير ([7]) وليس ما سبقه، ودعوى ان ما سبق جزء العلة مصادرة بل يكذبها البرهان إذ كيف يوجد المعلول وقد انعدمت أجزاء علته إلا الجزء الأخير؟ ([8]).
وعلى أي فالمغالطة نشأت من مصطلح (العلة التامة) إذ ان اراد بها تمام العلة بأجزائها فلا معاصرة، وإن أراد بها الجزء الأخير من العلة فانها وإن كانت معاصرة إلا ان عِلّيتها أعم من كون ما سبقها من الأجزاء المنصرمة جزء العلة فلا يصح الاستدلال به عليه ([9]).
وللبحث صلة وتتمة. فانتظر
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
|