بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(30)
ملحق([1]) الشك ظرف للامارات وشرط، بوجهين
كما قد ينقض ما ذكرناه من تدافع المدخلية والظرفية، بالامارات فان ظرفها الشك، عكس الأصول التي موضوعها الشك، ومع ذلك فان للشك مدخلية في الامارة فانه شرط حجيتها إذ لو قَطَع بالخلاف مثلاً لما كانت الامارة حجة عليه.
والجواب: ان الشك ظرف لوجود الامارة وشرط لحجيتها، والحيثيتان تقييديتان فما هو شرط ليس ظرفاً وما هو ظرف ليس شرطاً.
أما انه ظرف لوجود الامارة لا شرط له فلوضوح عدم اشتراط وتوقف وجود الامارة على وجود الشك فان الامارة كخبر الثقة توجد بأسبابها سواءً أوجدت حالة الشك في السامع والمروي له والمنقول إليه أم لا.
واما انه شرط لحجية الامارة فلوضوح ان الامارة تتوقف حجيتها على عدم القطع بالخلاف وعدم القطع بالوفاق، نظراً لأن القطع حجيته ذاتية، على المشهور، فان قطع المروي له أو المنقول إليه بالخلاف لم يعقل جعل حجية الامارة المخالفة في حقه، كما قرروه في الأصول مفصلاً ([2]) لأن ما حجيته عرضية اكتسابية لا يقاوم ما حجيته ذاتية.
كما انه لا يصح جعل حجية الامارة الموافقة في حقه إذ مع قطعه بالأمر وحجية قطعه الذاتية فان جعل الحجية للامارة الموافقة لغو أو تحصيل حاصل.
الوجود التعليقي
الوجه الثالث: ان يلتزم بان البيع السابق يوجِد ملكية تعليقية متوقفة على القبول في الزمن اللاحق.
توضيحه: انه سبق ان الوجود على أربعة ([3]) أنحاء وقد سبقت ثلاثة:
الفرق بين الوجود التعليقي والوجود المراعى
الرابع ([4]): الوجود التعليقي، والفرق بينه وبين الوجود الـمُراعى هو اننا نقصد بالتعليقي وجود شيء في ظرف المستقبل معلَّقاً على حدوث أمر، كوجود الملكية للموصى له المعلَّق على موت الموصِي إذا كانت الوصية تمليكية، وكحدوث الملك للمشتري في بيع السلم والصرف المعلق على القبض، وعليه: فلا وجود بالفعل في الحال الحاضر للملكية بل إنما هو إنشاء لوجود مستقبلي معلق على حدوث أمرٍ.
وذلك عكس الوجود المراعي، فانه – وكما سبق – وجود بالفعل لكنه متزلزل أو ضعيف قابل لأن يعدم أو يلغى من حينه أو لاحقاً في امتداده واستمراره أي ان يلغى في علته المبقية أو يلغى حتى في مرحلة العلة المحدثة، أي ان يلغى في الزمن اللاحق لكن متعلق الالغاء هو وجوده الماضي فان ذلك اعتبار والاعتبار خفيف المؤونة، وسيأتي الكلام عن ذلك.
ومثال الوجود المراعى: وجود الملكية حالاً للمشتري، في البيع الفضولي، إذا أجاز المالك بعدما علم لاحقاً، إذا قلنا بان الاجازة كاشفة عن حدوث الملك آن البيع.
ومن ذلك ظهر الوجه الثالث لحل معضلة الشرط المتأخر وهو ان الشرط المتأخر، كالقبول في البيع وسائر العقود، في الحقيقة ليس إلا شرط حدوث الملكية في ظرف المستقبل لا في الماضي فيكون شرطاً مقارناً.
الإيجاب شرط متقدم، بناءً على التعليقية
نعم هذا الجواب وان اخرج القبول عن كونه شرطاً متأخراً لحدوث البيع – إذ اصبح شرطاً مقارنا – إلا انه نقل المعضلة إلى ان الإيجاب أصبح شرطاً متقدماً لحدوث البيع في الزمن اللاحق أي بعد القبول فلا بد له من متمم كالقول بأنها أمور اعتبارية والاعتباريات خفيفة المؤونة وسيأتي الكلام حولها بإذن الله تعالى.
الارتكاز على الانشاء التعليقي
ثم انه قد يقال بان الارتكاز العرفي وظاهر الأدلة على هذا الوجه أي ان الإيجاب يوجد نقلاً وملكاً تعليقياً، لا ملكاً فعلياً ضعيفاً متزلزلاً مراعىً؛ لوضوح ان العرف يرى بانه ما لم يحدث القبول فانه لم يحدث نقل من حينه – أي حين الإيجاب – أبداً وان البائع يُدخِل ما يملكه في ملكية المشتري معلقاً على قبوله المعاملة وتعهده بالثمن قبال ذلك. فتدبر
الإشكال بان التعليق في الانشائيات مبطل لها، والجواب
وقد يعترض على الوجود التعليقي بان التعليق في الانشائيات مبطل لها فكيف يعلق البائع الموجِب نقلَه للمبيع وتمليكه إياه للمشتري على قبوله اللاحق وان علم بحصوله فكيف لو ظن أو شك؟
أنواع التعليق في الانشائيات
والجواب: ان التعليق على أقسام:
1-2: التعليق على أمرٍ حالي مجهول الحصول أو على أمر استقبالي مجهول الحصول، والظاهر ان هذا هو مورد الإجماع على بطلان العقد وقد استدل جمع من الأعلام عليه بمنافاة التعليق للجزم المعتبر في الانشاء وفيه ما فيه.
3-4: التعليق على أمر استقبالي أو حالي معلوم الحصول كقوله: بعتك هذا الكتاب بدينار ان كان زيد في الدار وهو يعلم انه في الدار، أو ان طلعت الشمس غداً وهو قاطع بطلوعها غداً، وهذا وإن لم يناف الجزم إلا انه مورد خلاف ونقاش خاصة الثاني وهو التعليق على أمر حالي معلوم الحصول إذ ربما قيل بشمول الإجماع له بينما صرح جمع بصحته.
5- التعليق على أمر كانت صحة العقد معلقة عليه واقعاً كقوله ان كان لي فقد بعته لك، وهنا استظهر كثير من الاعلام الصحة لأنه لم يشترط إلا ما كان إطلاق العقد يقتضيه، وإن كان ظاهر إطلاق كلامهم يشمله – كما ذكره الشيخ في المكاسب –
ولا يخفى بانه ان كان المعلق عليه معلوم الحصول حالاً ([5]) وكان العقد معلقاً عليه واقعاً فلا وجه للإشكال بل قد صار إليه كثيرون.
ثم ان المقام هو من التعليق على ما العقد معلق عليه واقعاً، لكن من قسم ما سيحصل مستقبلاً مع كونه غير مقطوع الحصول؛ إذ القبول لاحقٌ ولا قطع بحصوله من المشتري إذ لعله يبدو له فيغير رأيه، وعلى أي فان المقام من المجهول المستقبلي المعلق عليه العقد واقعاً فيجري فيه النقاش من انه مناف للجزم بالنية ومن ان إطلاق كلامهم يشمله، ويجاب عنه بما سيأتي في محله بإذن الله تعالى. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
|