بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(29)
تدافع التزامه بالمدخلية والتزامه بالظرفية
كما قد يورد على ما اختاره الميرزا النائيني من الظرفية دون الشرطية [1] ان ذلك يناقض قوله بعد ذلك (وان شئت قلت: إن للقبول دخلا في وجود البيع في الخارج بحيث لا يحصل إلا عند حصوله، لا أنه دخيل في مهيته شرطا أو شطرا) [2] وذلك لوضوح التضاد بين الظرفية والمدخلية، فكيف يلتزم بالظرفية ثم يصرح بالمدخلية (ان للقبول دخلاً في وجود البيع في الخارج)؟ وكيف يجتمع قوله (ان للقبول دخلا...) مع (بحيث لا يحصل إلا عند حصوله) إذ لو كان له دخل لكان (لا يحصل إلا بحصوله) لا (عند حصوله) ولو كانت العِندية فقط لما كان للقبول دخل.
إيضاحٌ: مدخلية شيء في تحقق شيء أو عدمه تكون اما بكونه مقتضياً له أو شطراً له أو شرطاً أو كونه مانعاً أو رافعاً أو قاطعاً أو شبه ذلك، فكلما كان للشيء مدخلية في شيء آخر كان للآخر نوع توقف عليه، اما الظرفية فتعني عدم وجود أي نوع من التوقف بل مجرد المصاحبة والتقارن فقط سواء أكان التصاحب اتفاقيا أم حتى دائمياً لكن من غير علاقة لزومية بينهما؛ ألا ترى انه لو اتفق مجيء زيد مع عمرو إلى المسجد أحياناً أو حتى دائماً لكن من دون أن يكون مجيء احدهما علة لمجيء الآخر أو شرطاً أو حتى داعياً صحّ ان يقال حينئذٍ: ان مجيء زيد إنما هو في ظرف مجيء عمرو ولا مدخلية لمجيء أحدهما في مجيء الآخر، عكس ما لو كان لاحدهما مدخلية ولو بنحو الداعي فانه لا تصح دعوى الظرفية البشرط لائية حينئذٍ.
المكان ظرف للماديّ وشرط، بوجهين
ولا ينقض بالمكان فانه ظرف مع ان له مدخلية في وجود الماديّ، إذ المكان على سبيل البدل شرط وجود المادي فهو دخيل فيه ومن أجزاء علته التامة إذ لا يعقل وجود الجسم ومطلق المادة بدون المكان والحيّز، اما خصوص هذا المكان أو ذاك فهو ظرف إذ لا مدخلية لخصوصه في وجوده، فتدبر.
عقدة استحالة الشرط المتأخر والمتقدم
ثم أن حل العقدة في كيفية مدخلية القبول المتأخر في وقوع البيع من البائع وهو متقدم، مما يطلب من مباحث الشرط المتأخر من مباحث المقدمة، ولكننا نشير ههنا إشارةً عابرة إلى الحلول المختلفة المطروحة مع إشكال واحد على كل منها إلا المختار فنقول:
ان العقدة تنشأ من ان العلة لا بد من وجودها بتمامها أي كاملة أي بأجزائها وشرائطها إن كانت لها أجزاء وشرائط، في آن وجود المعلول إذ يستحيل وجود العلة التامة وعدم وجود المعلول إذ كيف ينفك المعلول عن علته التامة؟ كما يستحيل عدم وجودها كاملة ووجود المعلول إذ كيف يوجد المعلول بلا علة؟ فالمشكلة هي في كلا الشرطين المتقدم والمتأخر فانه إذا كان الشرط من أجزاء العلة فكيف يتقدم على المعلول (أي يكون بوجوده المتقدم لا المقارن شرطاً) أو يتأخر عنه؟.
أمثلة للشرط المتقدم والمتأخر
ومثال الشرط المتأخر: مدخلية الاغسال الليلية أي الغسل للعشائين في الاستحاضة الكبرى لصحة صوم اليوم السابق؛ إذ كيف تكون صحة الصوم بالنهار منوطة باغتسالها في الليل للعشائين؟
وكذلك (الاجازة) في عقد الفضولي بناءً على كونها كاشفة عن حدوث النقل من حين العقد إذ كيف يحدث النقل حين العقد مع ان الاجازة وهي شرط صحة العقد وتحقق النقل، متأخرة لاحقة؟
وكذلك: وجوب الحج على المستطيع قبل الوقوفين فإنه مشروط بدركهما.
ومثال الشرط المتقدم: الإيجاب في البيع فانه شرط تحقق الملك لاحقاً أي بعد قبول المشتري وعكسه يكون من الشرط المتأخر أي شرطية القبول لتحقق البيع من البائع، وكلاهما هنا مورد البحث.
وجوه حلّ عقدة الشرط التأخر والمتقدم
وكذلك: الوصية التمليكية فان السبب حادث الآن والتمليك وهو المسبب يحصل بعد الموت.. وهكذا
وقد تصدّى الاعلام لحل العقدة كلّ بوجه – وسنشير للوجوه بما يلائم المقام فقط –
1- المتأخر شرط الفعلية لا الشأنية
الوجه الأول: ما التزم به الميرزا النائيني، من ان الموجود بالبيع هو قوة البيع ومادته لا البيع بالفعل واما الموجود بالقبول فهو فعليته، فلا توقف للمتقدم على المتأخر، وقد مضى تفصيل الكلام حوله.
2- المتأخر شرط الاستقرار لما هو مراعى به
الوجه الثاني: ان يلتزم بان البيع السابق يوجِد نقلاً (وملكية) مراعىً وفرقه عن مادة البيع وقوته ان النقل المراعى نقل بالفعل لكنه متزلزل وضعيف اما قوة البيع ومادته فليست نقلاً بالفعل بل هي نقل بالقوة.
ويتضح ذلك أكثر ببيان ان الوجود على أنحاء أربعة، الوجود بالفعل، وبالقوة والوجود المراعى والوجود التعليقي.
والأول واضح
والثاني: فيه كلام وانه هل الوجود بالقوة هو وجود مادة الشيء ثم إذا تلبّس بالصورة صار بالفعل، فهو وجود بالفعل لمادة الشيء وبالقوة لصورته؟ أو هو نواة للوجود بالفعل كنواة الأشجار للأشجار فانها وجودات صغيرة جداً لها ولها مادتها والصورة أيضاً وليس المادة فقط كالوجه الأول، وتوجد بها كل خواصها وأجزائها لكن مصغرة جداً كما في النطفة أيضاً، أو المراد به الطاقة التي تتحول إلى مادة أو العكس؟ أو بعض العلل المعدة للمعد له، إن لم يرجع الثالث للأول، وعلى أي فهذا بحث يوكل لمظانه ولا مدخلية لتحقيقه في المبحث.
والثالث: هو سنخ وجود متزلزل، وهو ممكن في الوجودات الاعتبارية دون الحقيقية وهو يعني انه أوجد البيع بالإيجاب حقيقةً ونقله في عالم اعتباره إلى المشتري لكنه مراعىً متزلزل أي انه مراعى بلحوق القبول فان لحق به استقر وإن لم يلحق انتفى وانعدم ذلك الوجود الضعيف المتزلزل إما من حين وجوده السابق، أو من الآن بعد وجوده متزلزلاً ضعيفاً لفترةٍ كما سيأتي بيانه.
وقد يستشكل على دعوى انتفائه من حين حدوثه بانه كيف يكون الأمر المتأخر (عدم القبول) سبباً لانتفاء النقل في الزمن السابق؟ وقد يجاب بانه اعتبار والأمور الاعتبارية أمرها بيد المعتبر. وسيأتي تحقيق هذا الجواب وغيره كما سيأتي بيان النحو الرابع من الوجود غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
|