بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(البيع)
(27)
النائيني: القبول لا هو شرط ولا هو أجنبي
وقد ذهب الميرزا النائيني إلى ان القبول لا هو أجنبي عن البيع ([1]) ولا هو دخيل فيه بنحو الشرطية بل إنما البيع هو الذي يصدر عن البائع في ظرف القبول فالبيع في ظرف القبول بيعٌ.
ويتضح ذلك – بتعبير منّا – بملاحظة الأمور التكوينية فان وزان الأمور الاعتبارية من هذه الجهة وزانها، فكما – والمثال له – ان الجسم الثقيل المتوقف رفعه على تعاون اثنين فان رفع احدهما له في ظرف رفع الآخر علة – أي جزء علة – لحصول المعلول وهو ارتفاع الحجر الثقيل وليس رفع الآخر أجنبياً كما ليس شرط رفع الأول للحجر. أقول: فان رفع الأول له معلول إرادته وتحريك عضلاته وليس معلول رفع الآخر ولا جزء معلوله، فانه شرط الارتفاع وليس شرط الرفع.
والحاصل – بتعبير منّا أيضاً – انه من قبيل الدور المعيّ كما في كتابين استند أحدهما إلى الآخر فثبتا ولم يقعا فان وقوف هذا في ظرف وقوف الآخر فلا هو أجنبي عنه ولا هو مشروط به.
البيع في ظرف تحقق القبول بيع
قال: (الوجه الخامس (وهو المختار) ما تقدم سابقاً وحاصله: أن البيع عبارة عما يصدر من البايع لكن لا مطلقاً ولا مشروطاً بالتعقب بالقبول، بل في ظرف تحقق القبول بمعنى انه إذا تحقق جملة الإيجاب والقبول من البايع والمشتري كان الصادر من البايع بيعاً والصادر من المشتري شراء (وتوضيحه) ان البيع الاسم المصدري أعني المنشأ بآلة الإنشاء له إضافتان أحديهما إلى البايع والأخرى إلى المشتري فالبايع ينشئه بما هو موجود بإيجاده وقائم به أعني بإضافته القائمة به والمشتري أيضاً يوجده بإضافته القائمة به لا بالبايع وهو يتحقق بمجموع الإيجادين والانشائين كالجسم الثقيل...) ([2])
وبتعبير آخر: البيع هو علة مُعدة لإيجاد النقل الخاص، وما بيد البائع هو هذا وما بيد المشتري هو الجزء الأخير من العلة المعدة، فبهما يتحقق النقل الخاص فليس احدهما علة للآخر أو جزء علة له بل عِلّية كلٍّ منهما (الناقصة) هي للنقل الحاصل بهما مجموعاً فان ذلك هو مقتضَى كون البيع عقداً.
الاشكال بان البيع قبل القبول ليس بيعاً مع ان البائع يقصد إيجاده
ثم أشكل الميرزا على هذا الحل الذي اختاره بان مُنشَأ البائع على هذا (أي على كون البيع جزء العلة وأنه في ظرف تحقق القبول يتحقق البيع لا قبله وبدونه وأنه بمجموع الانشائين والايجادين يتحقق البيع بالمعنى الاسم المصدري أي النقل الخاص أو المبادلة الخاصة) ليس هو البيع إذ ليس بمقدوره إنشاء البيع مادام البيع الاسم مصدري معلولاً لمجموع إنشائه للايجاب وإنشاء المشتري للقبول، فما لم يتحقق مجموع الإيجاب والقبول لا يتصف الإيجاب بكونه جزء مجموع العلة وما لم يتصف بالجزئية لا يكون بيعاً، مع وضوح ان البائع يقصد إيجاد البيع بقوله بعت وانه ينشئ البيع حقيقة.
الجواب: البائع ينشئ (البيع بالقوة)
فأجاب عن ذلك بان البائع إنما ينشئ (البيع بالقوة) لا البيع بالفعل أي ما هو قوة البيع التي تصير بيعاً عند تحقق القبول أي انه ينشئ أمراً هو بيع بالقوة أي فيه قوة ان يتحول إلى بيع بالفعل.
قال (قلت: ما ينشئه البائع إنما هو قوة البيع التي تصير بيعاً عند تحقق الجملة بصدور القبول من المشتري فهو إنما يوجد بإنشائه ما يصير بيعاً فعلياً بعد تحقق القبول، ولا يلزم منه محذور استعمال اللفظ في غير معناه لأنه يقصد بفعله واستعماله إيجاد مادة البيع وقوته التي تبلغ مرتبة الفعلية بعد تحقق الجملة) ([3])
عموم الإشكال للتدريجيات: فهل الركوع جزء للصلاة في آن حدوثه أو بعد تمامها؟
ثم أضاف بان هذا الحل لهذه المعضلة يشكل حلاً لمعضلة صدق عنوان الجزئية على أجزاء كافة المركبات التدريجية؛ فان الاشكال هو – بتعبير منّا هنا أيضاً وإضافة وتقوية – ان الركوع مثلاً هل هو جزء للصلاة في آن حدوثه؟ أو هو جزء لها بعد إتمام الصلاة وكمالها؟
لا يمكن القول بالأول إذ ان الصلاة مادامت لم تتحقق بأكملها فليس الكل موجوداً وإذا لم يوجد الكل لا يعقل وجود الجزء لأن العلاقة بين الكل والجزء بما هما كُلّ وجزء هي علاقة التضايف، فكيف يكون الركوع الآن جزءً بالفعل للصلاة – أي مجموعها – غير الموجودة بالفعل؟
كما لا يمكن القول بالثاني إذ الصلاة بعد إكمالها كيف يكون الركوع جزءً لها بالفعل مع انه معدوم الآن؟ بل والصلاة أيضاً بعد تمامها معدومة؟
الجواب: الركوع في آن حدوثه جزء بالقوة للصلاة
فأجاب عن هذا الإشكال بنظير ما أجاب به عن إشكال كيفية تحقق البيع قبل وجود القبول، بان الركوع في آن حدوثه جزء بالقوة للصلاة وليس جزءً بالفعل.
قال (وهذا جار في جميع التدريجيات فان أجزاء الصلوة كالحمد والسورة إنما تصير جزء من الصلوة بعد تحقق الجملة، ولمكان تدريجيتها في الوجود يكون لكل واحد منها في موطن تحققه قوة أن يصير جزء من الصلوة فيوجده المصلى بواسطة تلك الشأنية لكى يصير صلوة بعد تحقق الجملة، فالموجود من المُصلي بالقصد والارادة ليس هو الجزء الفعلى من الصلوة بل انما هو يقصد ايجاد ما له امكان الجزئية الذى ينتهى الى الفعلية بعد تحقق الجملة، وهذا المقدار كاف في صحة إسناد ايجاد الجزء إليه.
وهكذا في المقام يكون الصادر عن البايع هو الذى يصير جزء من الجملة وبصيرورته جزء منها يكون بيعا فعليا، في مقابل ما إذا أنشأ البيع من دون ان يكون قابل في البين ([4]) فانه ليس بيعا شأنيا أيضا بل هو هزل محض كما إذا قرء الحمد من دون قصد الصلوة فانها لا تكون جزء بالقوة أيضا، والحاصل ان المُنشأ بإنشاء البايع عبارة عن قوة البيع التى تصير بيعا فعليا عند تحقق القبول، وهذا هو القابل للايجاد بانشائه وايجاده) ([5])
ثم قال (فالبيع عبارة عن الايجاب الحاصل في ضمن المركب منه ومن القبول لاعن الايجاب فقط ولاعن الايجاب المتعقب بالقبول بحيث كان وصف التعقب داخلا في مهيته ومقوما لها ولا للمجموع المركب من الايجاب والقبول (وان شئت قلت) إن للقبول دخلا في وجود البيع في الخارج بحيث لا يحصل إلا عند حصوله، لا أنه دخيل في مهيته شرطا أو شطرا) ([6])
وستأتي غداً بعض المناقشات بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================
|