• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 33- كلام النائيني عن الدلالة التصورية والدلالتان التصديقيتان وان مصب اصالة الحقيقة هو الثالثة والتعليق ـ الاحتمالات في معنى اصالة عدم القرينة .

33- كلام النائيني عن الدلالة التصورية والدلالتان التصديقيتان وان مصب اصالة الحقيقة هو الثالثة والتعليق ـ الاحتمالات في معنى اصالة عدم القرينة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ا­­­­­­لاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(33)
النائيني: مصب اصالة الحقيقة هو الدلالة التصديقية الثانية
وقد أوضح الميرزا النائيني موضوع ومصبّ اصالة الظهور أو الحقيقة بالمعنى الاعم – الشامل لاصالة الحقيقة بالمعنى الاخص ولأصالة العموم والاطلاق وغيرها- بان مصبه هو الدلالة التصديقية الثانية لا الاولى ولا التصورية قال: (ان لكل كلام صادر عن كل متكلم دلالة تصوّريّة ودلالة تصديّقيّة([1]):
أ- الدلالة التصورية للمفردات
امّا الدلالة التصوريّة: فهي عبارة عن دلالة مفردات الكلام على معانيها اللغويّة، فانّ لكلّ كلمة من الكلمات الّتي يتركّب منها الكلام ظهوراً في المعنى الموضوعة له؛ وهو الذي يخطر في ذهن السامع عند اشتغال المتكلّم في الكلام اذا كان السامع عالماً بالأوضاع.
وامّا الدلالة التصديقيّة: فتطلق على معنيين:
الدلالة التصديقية على ما قال
احدهما: دلالة جملة الكلام على ما هو المتفاهم منه عند اهل المحاورات؛ وهو الّذي يقع في جواب السؤال عمّا قاله المتكلّم، فيقال: قال كذا وكذا؛ وثبوت هذه الدلالة للكلام يتوقّف على فراغ المتكلّم عنه، فانّه لا يصحّ السؤال والجواب عمّا قاله المتكلّم مع اشتغاله بالكلام، اذ للمتكلّم ان يلحق بكلامه ما شاء من القرائن والمقيّدات والمخصّصات في حال اشتغاله بالكلام؛ فلا ينعقد لجملة الكلام ظهور الَّا بعد فراغ المتكلّم عن كلامه فينعقد لكلامه ظهور في ماله من المعنى العرفي بحسب ما جرت عليه طريقة المحاورات؛ فقد يكون الظهور العرفي بجملة الكلام مطابقاً لظهور مفردات الكلام اذ لم يحتفّ به قرينة المجاز او التقييد والتخصيص، وقد يكون ظهور الجملة مخالفاً لظهور المفردات اذا احتفّ بالكلام احد هذه الامور.
الدلالة التصديقية على ما اراد
ثانيهما: دلالة الكلام على ارادة المتكلّم مؤدّاه وانّ مفاده العرفي هو المقصود من القاء الكلام؛ وهذا المعنى من الدلالة هي الّتي تقع في جواب السؤال عمّا اراد المتكلم من كلامه فيقال: اراد كذا وكذا)([2])
والحاصل: ان الدلالة التصديقية الاولى مرتهنة بوجود وعدم وجود القرائن المتصلة، اما الدلالة التصديقية الثانية فهي متوقفة على وجود وعدم وجود – أي العلم بذلك وعدمه المحرز باصالة العدم – القرائن المنفصلة، وقد ذكر لذلك صورا اربع وهي:
أ- ما لو علم السامع بعدم وجود قرائن منفصلة ، فيصح حينئذٍ تحديد مراده بحسب ظاهر كلامه اولاً وان ظاهره العرفي هو مراده الجدي من غير حاجة لإجراء اصالة الظهور او الحقيقة فان ظرفها الشك وهنا الفرض انه لا شك.
ب- وما لو علم بوجودها ، ج- ويجري مجراه: ما لو كان من عادته الاعتماد في بيان تمام مراده على القرائن المنفصلة كما هو شأن المعصومين (عليهم السلام) فلا يصح حينئذٍ اجراء اصالة الحقيقة والحكم بان ظاهر كلامه([3]) هو مراده الجدي والنفس الامري له.
د- ما لو شك في وجود القرينة المنفصلة ولم يكن من عادته الاعتماد غالباً على المنفصلات فههنا هو مجرى اصالة الحقيقة فيؤخذ بظاهر كلامه حتى مع احتمال انه اعتمد على مخصص منفصل ولا يعتنى باحتمال الخلاف أي احتمال ارادته خلاف ظاهر كلامه أي كون ارادته الجدية على خلاف ارادته الاستعمالية.
الوجه في اصالة الحقيقة
ثم قال : (وهذا كله مما لا اشكال فيه، انما الاشكال في انّ عمل العقلاء على ما يكون الكلام ظاهراً فيه هل هو لأجل حصول الظنّ منه – ولو نوعاً – بان ظاهره هو المراد؟ او انّ متابعة العقلاء لظهور الكلام لاجل البناء على اصالة عدم القرينة المنفصلة ؟ ولا محيص عن  احد الوجهين) ([4])
اقول: ههنا تعليقات:
الدلالة التصورية للجملة والدلالة التصديقية لها
الاول: ان الدلالة التصديقية الاولى تسبقها الاولى دلالة تصورية اولى للجملة – وهي غير الدلالة التصورية للمفرد؛ فان هذه دلالة تصورية للجملة - ولم يشر اليها الميرزا.
وتوضيحه: ان الدلالة التصورية تطلق على معنيين، اي لها نوعان ومصبّان:
الاول: هو ما ذكره وهو دلالة المفردات على معانيها اللغوية (اقول: أو المصطلحة)
والثاني: هو ومالم يذكره وهو دلالة الجملة على معناها التصوري الحاصل من لحاظ مجموع الكلام بعد ضم المفردات بعضها الى بعض قوامها: بصِرف دلالة الجملة كمجموع([5]) على معناها بحسب قواعد التركيب في اللغة والبلاغة، فهي دلالة استعمالية تصورية للجمل كما كانت الاولى دلالة تصورية استعمالية للمفردات.
وحينئذٍ فان قصد المتكلم افهام الطرف الآخر بمفاد ذلك المعنى التي الجملة بمجموعها ظاهرة فيها، كانت الدلالة التصديقية الأولى التي اشار اليها الميرزا.
ويتضح ذلك اكثر بملاحظة حال النائم لو صدرت منه (الجملة) فانه تنقدح في اذهان السامعين الدلالة التصورية (الثانية) للجملة([6]) لكن من غير تصديق منهم بانه قصد الافهام أي بدون دلالة حاله على قصده التفهيم اي من دون وجود دلالة تصديقية اولى فكيف بالثانية (فلا هو قَصَد قَدْح معنى الجملة في ذهن الآخر وافهامه به ولا هو بنى عليه ارادته الجدية)
اصالة الجد والجهة والصحة و...
الثاني: ان اصالة الحقيقة لا تكتفي لإحراز مراد المتكلم بل لابد من ضميمة اصول اخرى بمجموعها نصل من (ما قال) الى (ما اراد):
فمنها: اصالة الجد، لدفع احتمال المزاح والهزل، فان القائل (رأيت اسداً) لا يكفي لإحراز مراده الجدي التمسك بأصالة الحقيقة اذ لا تفيد اكثر من انه اراد الاسد لا الرجل الشجاع، فلعله قال الجملة مازحاً ، ولا يدفع هذا الاحتمال الا اصالة الجدّ.
ومنها: اصالة الجهة، والتي بها يدفع احتمال كونه متيقناً او مورّياً، لوضوح ان اصالة الحقيقة لا تتنافى مع الاحتمالين بل هما يؤكدانها فتدبر وتأمل.
ومنها: اصالة الصحة والتي بها يدفع احتمال كونه غالطاً بان قال رأيت اسداً وكان يريد ان يقول رأيت نمراً فغلط في اللفظ.
وهناك اصول اخرى ذكرناها في (فقه المعاريض والتورية) واضفنا لها غيرها في (تقليد الاعلم) فراجع.
المحتملات في المراد بأصالة عدم القرينة
الثالث: الظاهر انه اقتبس الاحتمالين في وجه عمل العقلاء على ما يكون الكلام ظاهراً فيه، من الشيخ فلننقل عبارة الشيخ اولاً ثم نشير الى وجود احتمالين في وجهه الثاني، ثم قال في الرسائل هذا كله على تقدير كون أصالة الظهور من حيث أصالة عدم القرينة، وأما إذا كان من جهة الظن النوعي الحاصل بإرادة الحقيقة - الحاصل من الغلبة أو من غيرها - فالظاهر أن النص وارد عليها مطلقا...)([7]) وههنا نقول:
ان (اصالة عدم القرينة المنفصلة) يحتمل في المراد منها احتمالان:
أ- ان يكون المراد بها استصحاب عدمها
ب - ان يكون المراد بها بناء العقلاء على عدمها عند احتمالها.
وعلى الاول : فان أصالة الظهور متوقفة على ركنين: احدهما امارة والآخر اصل: (المقتضي) وهو تمامية الدلالة التصورية الاولى لجملة المفردات بان تدل الجملة اذ فرغ المتكلم منها على (ما قاله)، و(عدم المانع) المحرَز باستصحاب العدم.
وعلى هذا فان كافة الادلة الاجتهادية اللفظية تتوقف دلالتها على المراد الجدي، على الاستصحاب فيكون الاستصحاب سيد الاصول والقواعد اللفظية من عمومات واطلاقات وغيرها وهو غريب ان يكون ما هو فرش الامارات، وان كان عرش الاصول، اصلاً تعتمد عليه كل الادلة الاجتهادية اللفظية فيعدّ هذا من موهنات هذا الرأي، وعلى اي فالمرجع الادلة.
واما على الثاني: فإنها مركبة من ظهورين وامارتين: ظهور المقتضي مع الظن النوعي بعدم القرينة المنفصلة على الخلاف عند احتمالها اي بناء العقلاء على عدمها عند احتمالها، وههنا كلام ونقاش سيأتي بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1924
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 4 ربيع الاول 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 25