بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البيع
(24)
تفسير الميرزا لكلام الشيخ: التفكيك بين الانشاء والمنشأ
وقد شرح الميرزا النائيني مراد الشيخ بغير ما اراده وبغير المجدي حسب الظاهر، قال ( الرابع ما افاده المصنف (قدس سره) بقوله (فالبيع وما يساويه معنىً من قبيل الايجاب والوجوب لا الكسر والانكسار) وتوضيحه: أنّ الفرق بين الايجاب والوجوب وبين الكسر والانكسار هو بإمكان التفكيك بين الايجاب والوجوب وعدم تحقق الوجوب بالإيجاب لتوقفه على امر غير حاصل كما في باب الوصية حيث ان انشاء الملكية يتحقق حين الانشاء لكن المـُـنشأ يتحقق حين الموت وكما في بيع الصرف والسَلَم ونحوهما مما يتوقف تحقق المنشَأ بعد انشائه على أمر آخر مثل القبض (وهذا بخلاف الكسر والانكسار) ضرورة استحالة التخلّف بينهما لعد امكان تحقق الكسر بدون الانكسار فالبيع عبارة عما يصدر من البايع ولو لم يتعقبه القبول كما ان الايجاب قد يتحقق من السافل بالنسبة الى العالي لكنه لا يتحقق الوجوب وان كان ما صدر عنه وجوباً عنده [1] لكنه ليس وجوباً واقعاً) [2].
الصحيح ان مراده: التفكيك بحسب الانظار
وقد ظهر من البحث الماضي ان مراد الشيخ غير هذا وان مراد الشيخ هو الذي قد يجدي، لولا اشكال آخر يرد عليه، في دفع الاشكال دون ما شرحه الميرزا به ، ومزيد توضيحه: (ان الانفكاك) تارة يلاحظ بين العلة والمعلول ومنه انفكاك الانشاء عن المنشأ في مثل الوصية والصرف والسلم، وهذا هو ما ذكره الميرزا.
وتارة يلاحظ بين انظار المعتبِرين فيقال بان هذا علة لدى زيد او العرف، كالبيع الربوي لدى الملاحدة مثلاً فانه علة للنقل والانتقال، وليس بعلة لدى عمرو او لدى الشارع، وبالعكس، وهذا، دون سابقة، هو مرمى نظر الشيخ اذ يقول ان البيع ليس من قبيل الكسر والانكسار اللذين لا يختلفان بحسب الانظار بل الانظار فيهما متحدة، بل هو من قبيل الايجاب والوجوب الذي تختلف فيه الانظار فقد يرى احدهما الايجاب حاصلاً ولا يراه الآخر او يرى احدهما الايجاب حاصلاً (اقول: والوجوب تبعاً) ولا يرى الاخر الوجوب حاصلاً (اقول: والايجاب قبلاً أي لا يراه حاصلاً في رتبة سابقة) [3]
ويظهر ذلك بوضوح من ملاحظة عبارة الشيخ (نعم تحقق القبول شرط للانتقال في الخارج، لا في نظر الناقل، اذ التأثير لا ينفك عن الاثر) فتفريق الشيخ والانفكاك هو بلحاظ (نظر الناقل) وان التأثير بنظره، اذ قد أوجب، لا ينفك عن الاثر وهو الوجوب وفي المقام: البيع، وهو المؤثر بنظره، لا ينفك عن الانتقال وهو الاثر وان كان حسب الواقع (وايضاً حسب نظر العقلاء او الشارع، وقد جعله – أي نظر العقلاء والشارع - الشيخ امارة على الواقع فعبر بدلها به فتدبر) قد حصل الانفكاك أي بلحاظ نظر العقلاء والشارع اذ قد باع، او اوجب، لكن الانتقال لم يتحقق لا للتفكيك بين الانشاء والمنشأ الذي فسّره به الميرزا بل للتفكيك في نظر الشارع او العقلاء اذ يرونه قد اوجب لكنه لا وجوب ويرونه قد باع لكنه لا انتقال اذ لم يوجد في القبول)
ولذا شرحه السيد الوالد في الايصال بما ذكرناه قال (لا في نظر الناقل) [4] ، فان الناقل يرى انه حيث اوجد المؤثر وجد الاثر سواء اعتبر العقلاء وجوده ايضاً – بمعنى التأثير في الخارج – أو لا اذ لا تلازم بين نظر الناقل وبين الخارج، وحيث كان هنا محل ان يقال كيف يمكن ان يحصل الاثر في نظر الناقل دون الخارج اجاب بقوله: (فالبيع وما يساويه معنى) من النقل وما اشبه، وقوله: ((معنى)) أي ما هو بمعنى البيع (من قبيل الايجاب والوجوب) من الامور الاعتبارية التي يمكن اختلاف الانظار فيها فزيد اذا أمر عمراً كان معتبِراً للوجوب، وان لم يعتبر العقلاء كونه واجباً لعدم حق زيد في الايجاب (لا الكسر والانكسار) من الامور الخارجية التي لا يمكن اختلاف الانظار فيها، بل اما ان يحصل الانكسار بنظر الكل او لا يحصل بنظر الكل ومنه يظهر انه من الممكن تحقق الانتقال بنظر الناقل لانه اوجد المؤثر الاعتباري فلابد ان يوجد الاثر الاعتباري بنظره مع عدم تحقق الانتقال بنظر العقلاء – أي في الخارج – (كما تخيله بعض) من ان البيع كالكسر والانكسار (فتأمل) [5].
نعم يرد على الشيخ اشكال آخر وهو ما لعله اشار اليه بقوله (فتأمل) ( اذ حتى بنظر الناقل لم يحصل النقل، اذ الناقل لا يرى النقل ما لم يلحق القبول بما اوجبه من الايجاب) [6].
الاشكالات على رأي الشيخ بعدم مدخلية القبول في البيع
ثم انه قد اورد على كلام الشيخ بإيرادات:
البيع من العقود فالقبول ركن فيه
منها: نقل عن المحقق اليزدي من ان البيع من العقود وليس من الايقاعات فالقبول فيه ركن فان هذا هو الفرق بين العقد والايقاع اذ في الايقاع، كالطلاق، فانه يقع بالإنشاء من غير توقف على القبول اما العقد كالبيع فانه لا يقع الا بالقبول فلا يصح قول الشيخ بان (البيع وما يساويه معنى من قبيل الايجاب والوجوب...) وانه غير متوقف على القبول.
قال في التنقيح (وقد اورد عليه السيّد [7] وبعض آخر من المحشّين بإيراد متين وملخّصه بتوضيح إجمالي منّا: أنّ البيع من قبيل المعاملات التي تحتاج إلى المراضاة والمعاقدة فتحتاج الى قبول الطرف الآخر وليس من قبيل الايقاعات الحاصلة بمجرد الايجاب من غير اشتراط القبول فيها) [8]
الجواب: القبول شرط الوجود لا مقوم الماهية
اقول: لكن هذا الاشكال غير وارد على الشيخ ابداً وذلك لما مضى من انه (قدس سره) قد اجاب عنه، وحاصله بعبارة اخرى: ان القبول قيد الوجود وليس ركن الماهية او فقل هو شرط وجود البيع وتحققه خارجاً وليس دخيلاً في مفهومه؛ الا ترى الفرق بين (العقد) و (البيع)؟ فان العقد يدل بالدلالة التضمنية على الايجاب والقبول أي البيع والشراء فان هذا المجموع هو العقد اما البيع فهو فعل البائع ويقابله الشراء الذي هو فعل المشتري فكيف يكون الشراء جزء مفهوم البيع؟ نعم هو لازمه وجوداً وخارجاً فكلما تحقق البيع خارجاً تحقق الشراء وبالعكس واين التلازم الوجودي من المقومية المفهومية؟
وبعبارة اخرى: انشاء البائع بقوله بعتك الكتاب بدينار مثلاً بيعٌ ، وقبول المشتري بقوله قبلت مثلاً شراء، فكيف يكون القبول الذي هو فعل المشتري وبه يتم انشاء الشراء ، جزء مفهوم البيع الذي هو فعل البائع وبه يتم انشاء البيع؟
نعم هذا كله على الاطلاق الاول للبيع الذي ارتضاه الشيخ وبنى عليه ولذا فسر البيع بـ(انشاء تمليك عين بمالٍ)، اما حسب الاطلاق الثاني للبيع فالأمر بالعكس اذ على حسبه فان البيع هو (الايجاب والقبول الدالان على الانتقال) على المشهور وعليه فالقبول هو جزء مفهوم البيع على هذا الاطلاق فتدبر.
ثم انه لعله يمكن ايقاع الصلح بين الطرفين بذلك بانه يقال ان من يرى القبول ذا مدخلية في مفهوم البيع فيشترط في تعريفه اضافة قيد (بشرط تعقبه تملك المشتري) ونظائره ، بنى ذلك على التزامه بالإطلاق الثاني للبيع، ومن لا يرى القبول ذا مدخلية [9] بنى ذلك على الاطلاق الاول، فتأمل.
وللحديث صلة..
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
======================
|