بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البيع
(23)
جواب آخر: على فرض العينية فالحيثية تقييدية
واما الثاني: فانه حتى لو سلمنا عينية الإنشاء للمنشأ والايجاد للوجود والموجَد والكسر للانكسار ونظائرها؛ فان الحيثية تقييدية؛ فان الوجود يتصف بانه إيجاد إذا تحيّث بحيثية نسبته إلى الفاعل ويتصف بانه موجَد إذا تحيّث بحيثية نسبته إلى القابل ([1]) ووجود إذا لوحظ بنفسه، وكذلك الإنشاء فان النشوء بما هو هو نشوء وبقيد النسبة للفاعل إنشاء وبقيد النسبة للقابل منشأ، وكذلك الكسر والانكسار وهكذا.
وإذا كانت الحيثية تقييدية كانت الأحكام مختلفة بالبداهة فلا يصح حمل ما يحمل على الذات بقيد احدى الصفات أو الجهات، عليها بقيدها الاخر المخالف للقيد الأول.
ويشهد لذلك ان الكسر مثلاً اختياري للفاعل دون القابل اما الانكسار فليس اختياريا للقابل، إلا انه – أي الانكسار الوليد للكسر أو الذي هو هو بحيثيتين - اختياري للفاعل بواسطة اختيارية الكسر له، فتدبر
ويوضح تعدد الأحكام قهراً بتعدد الحيثيات وان اتحد الوجود مادة الاجتماع في العامين من وجه كـ(العالم العادل) فانه بحيثية عدالته لا بحيثية اجتهاده تقبل شهادته، وبحيثية اجتهاده يجوز له عدم سلوك الطريقين الاخرين (التقليد والاحتياط) والعمل بنظره هو لا بحيثية عدالته، وهكذا.
جواب ثالث: هناك إيجادان وكسران عند كل إيجاد وكسر
كما يدل على الأول ([2]) ويوضحه أيضاً وبه يحل الإشكال من أصله، ان التحليل الدقيق للكسر والانكسار ونظائره ([3]) يقودنا إلى تحقق كسرين عند كل كسر احدهما مقولي والآخر انتزاعي، والأول هو من مقولة الفعل وهو علة الانكسار اما الثاني فهو انتزاعي متأخر عن الانكسار رتبة ووجوداً فانه منتزع من نفس الانكسار بعد نسبته للفاعل.
توضيحه: ان الضارب زجاجاً بحجر فالكاسر له يكون نفس ضربه الزجاج بالحجر بقوة، كسراً له فالكسر هذا من مقولة الفعل وهو قائم بيده والحجر، طولياً، ثم انه بعد انكسار الزجاج فانه عندما ينسب هذا الانكسار (المفعولي) إلى الفاعل ينتزع منه عنوان الكسر فنقول انكسار الزجاج هو بنفسه كسر زيد له إذا نسبته له، أي ان هذا الانكسار هو، منسوباً لزيد، كسر.
وعليه: فما هو متحد مع الانكسار هو الكسر الانتزاعي فان الانتزاعي منتزع من منشأ انتزاعه وما هو علة للانكسار هو الكسر الفعلي المقولي القائم بيد الضارب أو آلة ضربه وكسره.
والظاهر ان الغفلة عن وجود الكسرين والايجادين الإيجاد الذي هو من صفات الفعل وهو العلة والايجاد الذي هو من صفات المنفعل وهو القابل وهو الانتزاعي وهو المنتزع من المعلول) هو الذي أوقع بعض الفلاسفة في الخلط فقالوا الكسر عين الانكسار ومع ان الذي هو عينه هو الكسر الانتزاعي إلا انه توهم انه الكسر الفعلي وهكذا النظائر.
ثم انه لو فرض التفاتهم لما ذكر من الكسرين والايجادين وانهم عنوا الانتزاعي منهما فنقول انه قليل النفع جداً إذ النافع في مباحث العلة والمعلول أو مباحث مشككية الوجود أو مباحث القدم والحدوث هو كون الايجاد المقولي عين الموجد لا الايجاد الانتزاعي. فتأمل وتدبر جيداً.
ثم انه على فرض تسليم عينية الانشاء للمنشأ وعلى فرض القول بان الحيثية تعليلية لا تقييدية نقول: انه لا يلزم من ذلك جريان احكام المنشأ (المتحد حسب التنزل مع الانشاء) على الإيجاب والقبول، وذلك لأن الإيجاب والقبول هما آلة الانشاء وليسا هما الإنشاء نفسه ولذا يقال انشأت بالصيغة أو انشأت بقولي بعت أو انت طالقٌ البيعَ أو الطلاقَ، فالصيغة واللفظ والإيجاب ما به الانشاء وليس هو الإنشاء نفسه.
والحاصل: ان اللفظ إيجاباً وقبولاً سبب او علة معدة للانشاء وليس عينه،
وعليه: فحتى لو فرض ان المنشأ وهو المعاهدة أو الملكية أو النقل الخاص متحد وجوداً مع انشائها إلا انه مسبب عن الايجاب والقبول، او الاشارة والمعاطاة، أو لاحق له ولا عينية ولا اتحاد.
قوله (عليه السلام) الصلح جائز والنكاح سنتي
ومنها: ما استدل به المصباح على ما ادعاه قال (وكذا غير الآيتين الشريفتين مما ورد في مقام الامضاء، كقوله (صلى الله عليه وآله): "النكاح سنتي" ([4])، و"الصلح جائز" ([5])، وغيرهما من الروايات الواردة في أبواب المعاملات، فان الجميع ناظر إلى المسببات) ([6])
أقول: اما (الصلح جائز) فانه إضافة إلى صحة إرادة الأسباب منه كالمسببات بان يراد ينفذُ عقدُ صالحت وقبلت ([7]) ويراد تنفذ هذه المعاهدة والمصالحة، فان الظاهر هو إرادة الأسباب منه ولو في بعض الروايات التي ذكرت لها تتمة وهي "الصُّلْحَ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا صُلْحاً حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً..." ([8]) فانه لو قال (صالحتك على ان أعطيك هذا المال مقابل ان تسرق من زيد كذا أو تغتابه أو تتهمه) فان هذا غير نافذ وهذا الصلح (وهو الإيجاب والقبول نفسه) غير نافذ أي غير مؤثر وباطل.
واما "النكاح سنتي" ([9]) فانه أيضاً يصلح لإرادة الأسباب كالمسببات إذ لا يراد بالأسباب لفظ الإيجاب والقبول بشرط لا عن التأثير كي يقال بانه ليس من سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) بل هما بشرط التأثير ولا شك ان هذا من سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) لوضوح ان إجراء الصيغة الجامعة للشرائط المؤثرة في إيجاد علقة الزوجية هي سنة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فتدبر جيداً
والحاصل: انه يصح إرادة: السبب المؤثر كما يصح إرادة المسبب الموجَد أو المبرز (على المبنيين)
قوله (عليه السلام) ((فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ))
فان الظاهر، الذي يستفاد أيضاً من بعض المفسرين كالطبرسي في مجمع البيان، ان المراد نفس إجراء الصيغة (المؤثرة) أي يجوز لكم إجراء عقد النكاح أي ان تعقدوا الزواج وتوجبوا وتقبلوا وتنشأوا الزوجية باللفظ الخاص مع اذن سادتهم أي الاماء. فتأمل
تتمة كلام التنقيح، والمناقشة
وقال في التنقيح (الظاهر أنّه لم يثبت إطلاق البيع على نفس الإيجاب والقبول في مورد حتى يتكلّم في وجهه وأنّه بأي علاقة، بل لعلّ إطلاقه عليه يعدّ من الأغلاط ([10]). نعم، يصح إطلاقه على المعاهدة بين البائع والمشتري، ومنه قولهم (كتاب البيع) وقولهم (يعتبر في البيع الإيجاب والقبول) وقولهم (انعقد البيع أو لم ينعقد) وقوله (عليه السلام) (لا بيع بينهما) وغير ذلك، وهو الذي يعتبر له البقاء ويرد عليه الفسخ والامضاء) ([11]).
المراد بـ(كتاب البيع)
أقول: الظاهر ان (كتاب البيع) لا يراد به كتاب لفظ بعت واشتريت أو كتاب الإيجاب والقبول الخاص وهما من الأسباب أو حتى كتاب المعاهدة بين البائع والمشتري وهما من دائرة المسبب – كما اختاره حسب مقتضى كلامه -، فانها بين غلط أو مستنكر لا يساعده الارتكاز.
بل المراد به (كتاب أحكام البيع) فهو من المجاز بالحذف لوضوح ان المبحوث في الكتاب هو أحكام البيع فانه الفقه، ومع تقدير الأحكام فانه يصلح مضافاً للأسباب وللمسببات أيضاً بان يراد كتاب أحكام البيع بإرادة السبب أي أحكام الإيجاب والقبول، من اشتراط الماضوية والعربية والتنجز وغيرها أو عدمها، أو يراد كتاب أحكام البيع بإرادة المسبب أي أحكام نفس تبديل مال بمال أو متعلقه ككونه عيناً لا منفعة وكونه طلقاً لا وقفاً وهكذا.
المراد بـ(انعقد البيع)
وكذلك (انعقد البيع) فانه كما يصح بلحاظ المسبب أي المعاهدة الخاصة أو المبادلة المعهودة، كذلك يصح بلحاظ (الإيجاب والقبول المؤثرين في النقل والانتقال) فان الإيجاب والقبول بما هما ليسا أمراً اعتبارياً ليقبلا الانعقاد وعدمه بل هما اما موجودان أو معدومان لكن (الإيجاب والقبول بما هما مؤثران) من الأمور الاعتبارية إذ النتيجة تتبع اخس المقدمتين وحيث كان تأثيرهما في النقل والانتقال منوطاً باعتبار المعتبر كانا بما هما مؤثران أمراً اعتبارياً فصح ان يسند إليهما الانعقاد وعدمه بل هو عرفي. فتأمل
واما (لا بيع بينهما) فانه كما يحتمل المسبب والمعاهدة، يحتمل (الانشاء المؤثر) أو الإيجاب والقبول المؤثر أي لا إنشاءَ مؤثرَ في النقل والانتقال بينهما.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
===================
|