• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 22- مناقشة تفصيلية لدعوى ان الانشاء عين المنشأ والايجاد عين الوجود بوجوه: 1ـ أحدهما عله والاخر معلول، والبرهان الإني على ذلك .

22- مناقشة تفصيلية لدعوى ان الانشاء عين المنشأ والايجاد عين الوجود بوجوه: 1ـ أحدهما عله والاخر معلول، والبرهان الإني على ذلك

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البيع
(22)
الجواب بان الإنشاء عين المنشأ فحكمه حكمه
وقد يجاب عن إشكال المصباح (ولا معنى لانهاء الأسباب واتمامها، لكونها آنية الحصول منصرمة من حين تحقّقها، غير قابلة للبقاء، فيكون المراد هو الوفاء بالمسبّبات)([1]) بانه قد قرر في محله ان اختلاف الانشاء عن المنشأ والإيجاد عن الموجَد إنما هو بالاعتبار وإلا فهما واحد بالحقيقة فان الإيجاد هو الوجود منسوبا للفاعل والموجَد هو الوجود نفسه منسوبا للقابل أي للماهية فهو وجود للقابل وإيجاد من الفاعل وموجَد له فهو وجود وموجَد وإيجاد.
وكذلك الإنشاء والـمُنشَأ فان المنشأ وهو النقل أو المعاهدة الخاصة أو الملكية مثلاً إذا نسبت للفاعل كانت إنشاءً له وهي بنفسها المنشأ، وحيث ان الانشاء إنما هو بالايجاب والقبول، أو بنظائره من الإشارة والمعاطاة، كان الإيجاب والقبول والإنشاء والمنشأ أمراً واحداً فكل حكم لاحدها فهو حكم للآخر نظراً للعينية فكما يصح الوفاء والنقض والفسخ منسوبا للمنشأ وهو المسبب أي الملكية أو النقل أو المعاهدة كذلك يصح الجميع([2]) منسوبا للانشاء والإيجاب والقبول لمكان الاتحاد بل العينية.
الأجوبة الثلاثة
لكن هذا الوجه مدخول لوجوه:
فان المبنى باطل لدى التحقيق، فان الايجاد غير الموجَد والوجود والإنشاء غير المنشأ والنشوء أولاً إضافة إلى انه لو فرضت العينية فان الأحكام مختلفة لاختلاف الحيثية ثانياً، ثم ان تسليم ذلك كله لا ينتج سريان حكم الإنشاء والمنشأ – حتى على فرض اتحادهما – للايجاب والقبول ثالثا فانه ما به الإنشاء وليس الإنشاء نفسه.([3])
ليس الإيجاد عين الوجود والموجَد بل علة له
اما الأول: فيمكن الاستدلال عليه بالبرهان الإِنّي الذي سيظهر به التمايز الذاتي بين الايجاد والوجود والإنشاء والمنشأ وذلك لوضوح تناقض أو تضاد الاثار واللوازم والأحكام لكل من الإنشاء والمنشأ والإيجاد والوجود، فمنه يستكشف الاختلاف الذاتي وانه لا عينية، وذلك بيّن بعد ملاحظة انه يقال: أوجدته فوجد ولو كان الإيجاد عين الوجود وعين الموجَد لما صح الترتيب والتعليل وفاء التفريع بالبداهة إذ لا يصح ذلك بين الشيء ونفسه وإلاّ لصحّ العكس وهو وُجِد فاوجدته! مع وضوح بطلانه كما لا يصح أوجدته فأوجدته! أو وجد فوجد لمكان عدم صحة الترتيب والتفريع بين الشيء ونفسه.
وكذلك الحال في الإنشاء إذ يقال انشأته فأُنشأ ولا يقال أُنشأ فانشأته أو انشأته فانشأته أو أُنشأ فأُنشأ، ويقال انشأته فوجد المنشأ ولا يقال عكسه، ويتضح ذلك أكثر في (كسرته فانكسر) دون سائر القسائم فانها لا تصح مع ان المدعى هو ان الكسر عين الانكسار لكنه منسوبا للفاعل والانكسار منسوبا للقابل.
كما يدل على تغاير اللوازم والأحكام الدال على تغاير الذات ان الخلق والرزق والإحياء والاماتة ونظائرها هي من صفات الفعل لا الذات اما المخلوق والمرزوق والـمُحيى والـمُمات فانها ليست كما هو واضح من صفات الفعل، مع جريان المدعى نفسه([4]) المردود أيضاً ببداهة تضاد صفات ولوازم المخلوق مع صفات ولوازم الخلق فانه يصح قولك مخلوق الله (وهو زيد أو عمرو...) مريض أو مقهور أو جاهل ولا يصح ان يقال (خلق الله) إذا أريد به صفة الفعل أي خلق الله لزيد وعمرو، مريض أو مقهور أو جاهل!
رد آخر: خلط القائم بالعلة بالقائم بالمعلول، وجوابه
ثم انه قد يُردّ ذلك المبنى الفلسفي بانه خلط بين ما هو قائم بالعلة وما هو قائم بالمعلول، وتوضيحه انك إذا قلت حرّكت يدي فتحرّكت العصا فان التحريك قائم باليد والتحرك قائم بالعصا فلا يصح القول ان التحريك عين التحرك إذ ما هو قائم باليد المباينة للعصا يستحيل ان يكون عين ما هو قائم بالعصا المباينة لليد، وكما التحريك والتحرك فكذا الإيجاد والوجود والإنشاء والمنشأ والكسر والانكسار.
لكن هذا الرد غير دقيق، والدقيق هو ما سلف، إذ الجواب عنه انه ليس المدعى ان تحريك اليد للعصا هو عين تحرك العصا عن اليد بل المدعى ان تحريك اليد هو عين تحرك اليد نفسها أي ان حركة اليد لو نسبت للفاعل وهو زيد فهي تحريك ولو نسبت للقابل وهي اليد فهي تحرك.
وعليه فلا بد من الجواب بما سبق من ان نفس تحريك اليد هو مغاير لتحرك اليد لذا يقال حرّكت يدي فتحرّكتْ، ولا يعكس: تحركت يدي فحركتُها! كما لا يقال حركت يدي فحركت يدي (مريدا نفس التحريك والحركة). فتدبر جيداً كي يتضح مصب الإشكال والجواب وكي يُتصور مبناهم ومصداقه على حقيقته ثم يجاب عنه بما أجبنا به أو غيره.
وسيأتي بإذن الله تعالى الوجه الثاني والثالث لمدخولية ذلك الوجه فانتظر.
تنبيه: النقد بعد الإحاطة بالمراد
لا بد لمن يريد نقد كلمات الفلاسفة من شرقيين أو غربيين أو مشائيين أو إشراقيين أو غيرهم من ان يتصور كلامهم على حقيقته وان يعبر عنه بما لا لبس فيه، ثم يناقشهم بدقة ووضوح، وذلك ان الإشكال من دون تصور دقيق لمدعاهم يفتح الباب لانصارهم لتسقيط الناقدين بانهم غير خبراء بالفنّ ولا قد فهموا المراد، إلى غير ذلك.
استدلال الفلاسفة على مشككية الوجود بالجزئي الذي ليس بكاسب
فائدة استطرادية: دعوى الفلاسفة مشككية الوجود، ليست إلا مدعى بلا دليل ولم يقيموا عليها برهانا إلا الاستشهاد ببعض مصاديق الوجود المشكك كالنور، والغريب ان هذا هو عمدة استدلالهم مع بداهة بطلانه إذ الجزئي لا يكون كاسباً ولا مكتسباً فلو فرض ان النور ونظائره، كالسواد والحلاوة.. الخ، حقائق تشكيكية لها مراتب فانه جزئي لا يدل على ان زيداً وعمراً وزيداً والأسد وزيداً والحجارة حقائق تشكيكية وليست وجودات متباينة كما لا يدل على ان السواد والحلاوة، وهما مشككان كما يرون، احدهما من مراتب الآخر ولا ان زيداً وعمراً وجودان مشككان احدهما من مراتب الآخر! ولا ان الوجود كله (المعبر لدى بعض عرفائهم عنه بالفيض المنبسط) حقيقة تشكيكية واحدة! ولو صح هذا الاستدلال لصح العكس بان يقال: حيث ان زيداً مبائن وجوداً مع عمرو وليس مرتبة من مراتب وجوده، وكذا الأسد والفيل، والحجر والسحاب، فالنور أيضاً مبائن بعضه مع بعضه بل الوجود كله حقائق متباينة!
هذا كله إضافة إلى ان لنا كلاما حول مشككية النور وشبهه إذ الظاهر الذي دل عليه العلم الحديث أيضاً ان ما عدوه مراتب للنور ليس بمراتب ودرجات بل هو زيادة كمية في الفوتونات التي يتكون منها النور ونقيصه فيها وليس اشتداداً وضعفاً كيفيا، وتفصيله ذكرناه في بعض المباحث. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1908
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 8 صفر 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23