بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(28)
وجوه إخراج العام والخاص من دائرة (المتعارضين) تخصيصاً
التعارض عرفاً لا شرعاً
الثالث: ان العام والخاص متعارضان عرفاً لا شرعاً بدعوى ان التعارض العرفي يشمل نوعين: المستقر وغيره، إلا انه في لسان الشارع، وبالوضع التعيّني، خُصّ بالمستقر فلا يشمل العام والخاص. وهذا، كما ظهر، مبني على دعوى الحقيقة الشرعية.
هل للتعارض حقيقة شرعية؟
إن قلت: الأصل عدمها، بل الظاهر انه لا اصطلاح خاص للشارع فيه (أي في التعارض والمتعارضين) لذا لم يذهب إليها أحد؟
قلت: قد يستدل على ذلك بسيرة الفقهاء والمتشرعة بل سيرة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) بل بناء الأئمة (عليهم السلام) العملي على عدم اعتبار العام والخاص من المتعارضين وعدم إجراء أحكامهما عليهما (من الترجيح والتخيير أو التوقف) بل يجمعون بينهما ويوفقون بينهما دون ادنى توقف، ولو اعتبروهما من المتعارضين لكان اللازم ان يَعُدّوا المخصص المنفصل الوارد بعد وقت العمل ناسخاً مع ان الشهرة القطعية إن لم يكن الإجماع على انه مخصِّص وليس ناسخاً إذ لا نسخ بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).
وفيه: ان تلك السيرة وهذا البناء وإن تم وصح إلا انه أعم من المدعى إذ قد يكون وجهه هو أحد الوجهين الأوليّن أو الوجه الخامس الآتي أو حتى الرابع.
(المتعارضان) مجمل فيؤخذ بالمتيقن
الرابع: ان (المتعارضان) مجمل لا يعلم شموله للعام والخاص وسائر موارد الجمع العرفي، وحيث كان مجملاً فانه يقتصر فيه على القدر المتيقن والقدر المتيقن هو التعارض المستقر، والحاصل: ان التمسك بأخبار التعارض الدالة على الترجيح أو التخيير أو التوقف في مورده، ([1]) لاثبات تلك الأحكام لموارد الجمع العرفي إنما هو، بناءً على الاجمال، من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بل في الشبهة المفهومية مع عود المصداقية إليها كما لا يخفى لفرض الاجمال.
الخروج في العام والخاص عن التعارض، للاخبار
الخامس: ان (المتعارضان) وإن شمل موارد الجمع العرفي، لكنها تخرج عن حكمهما ببركة خبري أبي حيون وداود بن فرقد، كما تمسك بهما البعض لذلك، فلنذكر الخبرين ولنشر إلى وجه الاستدلال مع إيكال تفصيل البحث عن هذا الوجه والوجوه السابقة إلى مبحث قادم بإذن الله تعالى:
خبر ابي حيون عن الإمام الرضا (عليه السلام)
"وَعَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَيُّونٍ مَوْلَى الرِّضَا عَنِ الرِّضَا (عليه السلام) قَالَ: مَنْ رَدَّ مُتَشَابِهَ الْقُرْآنِ إِلَى مُحْكَمِهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ثُمَّ قَالَ (عليه السلام) إِنَّ فِي أَخْبَارِنَا مُحْكَماً كَمُحْكَمِ الْقُرْآنِ- وَ مُتَشَابِهاً كَمُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ- فَرُدُّوا مُتَشَابِهَهَا إِلَى مُحْكَمِهَا وَلَا تَتَّبِعُوا مُتَشَابِهَهَا دُونَ مُحْكَمِهَا فَتَضِلُّوا" ([2]).
وجه الاستدلال: ان العام متشابه بالنسبة إلى الخاص فيجب ان يرجع إليه، وذلك لأن المتشابه هو – على احدى التفسيرات – ما يشبه بعضه بعضاً في جهة (كالعنوان أو الشكل أو غير ذلك) لكنه يختلف بعضه عن بعض في الحكم أو الصفة، أو هو ما يشتبه على سامعه لعدم كونه صريحاً.
ومصاديق العام يشبه بعضها بعضاً في صدق العام عليها وكونها من أفراده ومصاديقه إلا انها قد يختلف بعضها عن بعضها الآخر في الحكم كما انها تشتبه على السامع في انها جميعاً مراده أم لا مع احتمال وجود المخصص فكيف بوجوده ([3]).
واما النص فانه ليس بمتشابه، بل هو نص لا يشتبه على احد ظهوراً فهو محكم فيرجع العام إليه بنص الرواية فليس العام والخاص من مصاديق المتعارضين.
خبر ابن فرقد عن الإمام الصادق (عليه السلام)
2- وفي (معاني الأخبار) "عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ أَنْتُمْ أَفْقَهُ النَّاسِ إِذَا عَرَفْتُمْ مَعَانِيَ كَلَامِنَا إِنَّ الْكَلِمَةَ لَتَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ فَلَوْ شَاءَ إِنْسَانٌ لَصَرَفَ كَلَامَهُ كَيْفَ شَاءَ وَ لَا يَكْذِبُ" ([4]) وقال الحر العاملي (بِهَذَا يَرْتَفِعُ الِاخْتِلَافُ عَنْ أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ أَوِ الْحَالاتِ أَوِ الْعُمُومِ وَ الْخُصُوصِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ إِشَارَةٌ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ أَبِي حَيُّونٍ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ غَالِباً فِي أَحَادِيثِ التَّقِيَّةِ وَفِي مَحَلِّ التَّعَارُضِ) ([5]).
وجه الاستدلال: ان العام له أكثر من معنى إذ يحتمل إرادة العموم منه كما يحتمل إرادة بعض أفراده مع احتمال التخصيص فانه وارد وعقلائي بل كثير، وبورود الخاص يعرف منه معنى العام وانه أريد منه غير مورد الخاص، والعام ونظائره هو الكلمة التي تنصرف على وجوه فلو أراد به الخاص فانه ليس بكاذب والدليل عليه في عالم الإثبات هو ورود الخاص فانه ليس بكاذب حينئذٍ ثبوتاً ولا إثباتاً إذاً لا بد، حسب الرواية، من صرف الكلام عن ظاهره مع ورود ما يصلح تخصيصاً أو تقييداً أو شبه ذلك.
هذا وجه الاستدلال اما المناقشة فستأتي لاحقاً بإذن الله تعالى.
بحثٌ: تعارض العام الأظهر أو الظاهر، مع الخاص
ثم ان ههنا فروعاً عديدة في مبحث تعارض الخاص والعام وعدمه وكونهما مشمولين لاخبار التعارض أو لا، نشير إلى بعضها؛ بما يوضح أصل المبحث أكثر أيضاً.
منها: انه حيث ثبت ان العام لا يعارض الخاص – باحد الوجوه الستة السابقة – فانه يجري البحث في انه هل لا يعارضه مطلقاً كما لعله المشهور أو لا يعارضه إذا كان أظهر بل يتقدم العام عليه حينئذٍ وإذا تساويا في الظهور تعارضا، وههنا موطن بحث وخلاف بين الاعلام كالشيخ والآخوند في اول قوليه وثاني محتمليه وآخرين سيأتي كلامهم.
ولنبدأ بكلام السيد ابي الحسن الاصفهاني ومختاره إذ قال (ذلك بخلاف التخصيص؛ فان المخصص ليس شارحا بمدلوله اللفظي لمقدار دلالة العام بل هو يبين حكما في موضوع الخاص على خلاف حكم العام فيكون بينهما التعارض بدواً، لكن لمكان اظهرية الخاص غالباً يقدم على العام، وليس الحكم بتقديمه عليه دائماً، بل هو دائر مدار الاقوائية، وإلّا فربّ عام يقدم على الخاص إذا كان أظهر دلالة منه، فحكمهم بتقديم الخاص على العام مبنى على الغالب) ([6]) وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
|