• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 20- موارد اخرى من الايات والاستعمالات العرفية ومزيد من التحقيق .

20- موارد اخرى من الايات والاستعمالات العرفية ومزيد من التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البيع
(20)
موارد كثيرة الدوران اطلق البيع فيها على الإيجاب والقبول
السؤال عن وقوع البيع
ومنها: صحة السؤال بـ(هل وقع البيع أو هل حدث وتحقق؟) مريداً به الإيجاب والقبول، كما يصح إرادة النقل الخاص، وان كان الأول – إرادة السبب وهو الإيجاب والقبول – أقرب، وقد سبق الاستدلال على كونهما حقيقة بصحة الحمل بلا عناية وعدم صحة السلب فانه لو أوجب منشِئاً وقَبِل الآخر لا يصح السلب بان يقال لم يقع البيع أو لم أبع، إلا ان موطن الشاهد هنا – والذي به يُكتفى في رد مدعاه – هو صحة هذا الاستعمال وإن كان مجازاً وانه ليس بغلط قطعاً.
عقد البيع
ومنها: قولهم (عقد البيع) سواءً أخذنا الإضافة بيانية أم أخذناها لامية:
أما على الأول فلأن المعنى حينئذٍ هو عقد هو البيع والعقد هو نفس الإيجاب والقبول فانه به تعقد المعاملة فالبيع، على البيانية، هو نفس الإيجاب والقبول الذي تعقد به المعاملة.
اما على الثاني فلأن المعنى حينئذٍ هو عقد أي تعاقد([1]) مسبب عن البيع أي عن الإيجاب والقبول فان بالإيجاب والقبول يوجد التعاقد الإنشائي أي بهما ايجاد اعتبار التعاقد والعقد في عالمه.
نعم يحتمل في معنى عقد البيع على الإضافة اللامية ان يكون معناه عقد موجِب للبيع وعليه يكون المراد من البيع المسبب إذ العقد – وهو الإيجاب والقبول – موجب له أي للنقل الخاص، وليلاحظ اننا فسرنا المسبب ههنا بالنقل المعهود أو الخاص وهو الأوضح الذي لا يرد عليه الإشكال الذي أورد على الشيخ إذ فسر المسبب الوارد في كلام الشهيد الثاني بالاثر الحاصل في نظر الشارع. فتأمل
وعلى أي فان الإطلاقات الثلاثة، وإرادتها من لفظ البيع، كلها صحيحة وليس شيء منها بغلط.
قوله تعالى: (ذَرُوا الْبَيْعَ) والمحتملان فيه
ومنها: قوله تعالى: ( إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)([2]) فان (ذَرُوا الْبَيْعَ) كما يمكن ان يكون المراد به ذروا المسبب يمكن ان يراد به ذروا السبب (وهو الإيجاب والقبول) فان نفس الإيجاب والقبول المعامليين صارفان عن الصلاة يوم الجمعة شاغلان عنها لذا قال تعالى: ( فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) بل لعل هذا هو الأظهر فان الشاغل هو نفس البيع والشراء الإنشائيان لا النقل الخاص المسبب عنهما فانه في درجة لاحقة فان الذهن ينشغل أولاً وكمصبّ بإجراء صيغة العقد، أو ما يحل محله من الإشارة والمعاطاة، على ان صِدقه (أي الانشغال) على النقل اللازم للسبب غير ضار فان الشاهد أن ارادة ذروا الإيجاب والقبول الانشائيين من (ذروا البيع) ليس بغلط.
قوله تعالى: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) ووجه صحة إرادة السبب
ومنها: قوله تعالى: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) على عكس ما اختاره في مصباح الأصول إذ قال (وإذا تأملنا الإطلاقات الواردة في الكتاب والسنة وجدناها واردة لامضاء المسبّبات دون الأسباب، كقوله تعالى: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، فأنه ناظر إلى أنّ المبادلة البيعية ممضاة في الشريعة المقدّسة دون المعاملة الربوية، بلا نظر إلى الأسباب، والقرينة عليه ذكر الربا فانه لا معنى لحليّة اجراء الصيغة في البيع وحرمته في الربا)([3]).
فان الظاهر، صحة إرادة السبب من أحل الله البيع، بالنظر إلى مرحلة الاستعمال([4]) إذ يراد به – احتمالاً وارداً غير خاطئ – أحل الله الإيجاب والقبول المعاملي أو البيعي بما له من الأثر الخاص وحرم الإيجاب والقبول الربوي بما له من الأثر ولا يقصد به الإيجاب والقبول بما هما هما إذ لا وجه لحرمتهما مع تجردهما عن تأثيرهما في مسببهما.
وبذلك يظهر الجواب عما ذكرناه في درس سابق من (ألا ترى ان قوله تعالى: (أحل الله البيع) الظاهر ان المراد به أحل الله هذه المعاملة الخاصة أي النقل الخاص لا انه أحل لفظ بعت واشتريت أي أحل الله الإيجاب والقبول، وتؤكد الظهور أو تدل عليه وجوه عديدة:
منها: ان ما هو مورد ابتلاء الناس وما هو مورد سؤالهم ودغدغتهم الذهنية عادة هو نوع المعاملة وليس لفظها، والذي كان يشغل بال العرب هو انه كيف يكون البيع حلالاً والربا محرماً أي ذات هذا وذات ذاك، لا لفظهما، فكيف يحلل هذا ويحرم ذاك مع انهما متحدان في جوهر أخذ الربح على ما تَملِكُه إزاء نَقْلِه للآخر أو إزاء إقراضه له ولذا (قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) فأجابهم الله بالتعبد وهو (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فان المالك له ان يمنع الضيف عن عملٍ ما في داره دون عملٍ اخر وان تشابها فكيف بالمالك الحقيقي بقول مطلق؟، إضافة للتعقل والمفسدة الكبرى في الربا دون البيع كما فصل في محله.
والحاصل: انه ليس سؤال الناس عندما يسألون الفقيه عن ان بيع الرصيد مثلاً جائز أو لا؟ أو عقد التأمين على الحياة جائز أم لا؟ أو بيع المؤجل بالمؤجل؟ أو بيع المكيل والموزون بمكيل أو موزون أكثر منهما جائز أو لا؟، ليس سؤالهم هذا عن انه هل يجوز ان تقول في تلك المعاملات بعت واشتريت بل عن جواز نفس المعاملة وان هذا التبادل والتعامل والنقل الخاص هل هو جائز أم لا؟)([5]).
الفرق بين الإيجاب والقبول بما هما وبينهما بلحاظ سببيتهما للاثر
إذ ذلك وإن صح وتم إلا انه ليس بناف لمدعانا ههنا إذ أوضحنا هنا ان المحتمل في (أحل الله البيع) هو الإيجاب والقبول بما هما مؤثران في حصول النقل والانتقال لا بما هما هما ومن الواضح ان دغدغة الناس ليست في ذات اللفظين – كما سبق في الدرس 15 – لكنها يمكن ان تكون في اللفظين بما هما سببان للنقل البيعي أو الربوي أي بلحاظ سببيتهما للنقل والانتقال.
ومنه ظهر ان سؤال الناس عن جواز بيع الرصيد وعدمه وعقد التأمين وغيره يمكن فيه كلا الوجهين: الوجه السابق في الدرس السابق وهو ان يكون السؤال عن المسبب، والوجه الذي ذكرناه هنا وهو ان السؤال هو عن ان هذا الإيجاب والقبول بما هو مؤثر في النقل الخاص عند الناس هل هو جائز تكليفاً؟ أو هل هو جائز أي نافذ وضعاً أم لا؟.
ومنه ظهر ان قوله (فانه لا معنى لحلية اجراء الصيغة في البيع وحرمته في الربا) لا يرد على ما ذكرناه إذ ليس المراد اللفظ وحده مجرداً عن تسبيبه فانه لا معنى للحلية والحرمة حينئذٍ كما ذكره بل المراد لفظ البيع والربا بما له، عند الناس من الأثر، فانه يصح([6]) ان يقال عنه انه حلال لدى الشارع بيعاً وحرام رباً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=======================

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1899
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 3 صفر 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23