بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(21)
تفريق المشكيني بين تعريفي الشيخ والآخوند
سبق كلام المحقق المشكيني في الفرق بين تعريف الشيخ للتعارض بـ(تنافي مدلولي الدليلين...) وتعريف الآخوند (تنافي الدليلين...) إذ قال (الفرق بين هذا التعريف والتعريف الذي هو ظاهر الشيخ في الرسالة
([1]) – من كونه تنافي المدلولين -: هو كون التعارض من صفات نفس الدليلين حقيقة وإن كان منشؤه هو تنافي المدلولين على الأول، ومن صفات المدلولين حقيقة على الثاني، فيكون تنافي المدلولين على الأول
([2]) من الحيثيات التعليلية وواسطة في الثبوت، وتوصيف الدليلين به توصيفاً بحال الموصوف، ولا يصحّ سلبه عنه مثل توصيف الماء بالحرارة بواسطة النار، ومن الحيثيات التقييدية وواسطة في العروض والتوصيف المذكور توصيفاً بحال المتعلّق، ويصح سلبه عنه على الثاني)
([3]).
الجواب: لا فرق، وأقسام التنافي أربعة
ولكن قد يورد عليه انه لا فرق بين التعريفين أبداً وان الفوارق التي ذكرها غير فارقة وذلك يعتمد على استظهارنا تربيع أقسام التنافي المحتملة خلافاً للمحقق الاصفهاني الذي ثلّثها فلنبيِّن ذلك أولاً فانه إضافة إلى موضوعيته في حد ذاته يتضح به مبنى ردنا للفرق بين التعريفين.
قال المحقق الاصفهاني – كما سبق نقل كلامه – (التنافي تارة – ينسب إلى المدلولين من الوجوب والحرمة أو الوجوب وعدمه مثلاً، وأخرى – ينسب إلى الدالّين بما هما كاشفان عن أمرين متنافيين، لتلوّن الدالّ بلون المدلول لفنائه فيه، وثالثة – إلى الدليلين بما هما دليلان وحجتان فيكونان متنافيين في الحجية والدليلية)
([4]).
التنافي بين الدالين والمدلولين بما هما هما أو بلحاظ الحيثية
أقول: الصور أربعة، وليست ثلاثة:
1- نسبة التنافي إلى المدلولين من الوجوب والحرمة أو الوجوب وعدمه، وهذا هو نص ما ذكره وظاهره إرادة المدلولين بما هما هما لا بما هما مدلولين ولذا فسره بالوجوب والحرمة وإلا لوجب ان يقول من الوجوب والحرمة بما هما مدلولان للدليل.
2- نسبة التنافي إلى المدلولين من الوجوب والحرمة وغيرهما بما هما مدلولان لا بهما هما هما – وهذا ما لم يذكره
([5])، وهذه الصورة هي محط النظر في البحث وعليها تبتني مناقشة المحقق المشكيني.
3- نسبة التنافي إلى الدالين بما هما كاشفان دالان.
4- نسبة التنافي إلى الدالين بما هما دليلان وحجتان وقد مضى إيضاح ذلك
([6]).
الفرق بين الدليل بما هو هو وبما هو دال
والفرق بين الأولين كبير إذ يراد بالأول ذات المدلول مع قطع النظر عن لحاظ كونه مدلولاً ويراد بالثاني المدلول بما هو مدلول أي مع لحاظ إتصاف الذات بحيثية المدلولية.
ويتضح ذلك أكثر بلحاظ المشابِهات، كالمخبِر والمخبَر عنه والخبر والمخبَر، فان المخبِر تارة يلاحظ بما هو مخبر وحينئذٍ يتصف مثلاً بانه صادق أو كاذب وأخرى يلاحظ بما هو هو أي في حد ذاته فيوصف حينئذٍ بانه طويل أو قصير عالم أو جاهل.. الخ وكذا المخبر عنه فانه قد يلاحظ بما انه مخبر عنه أي بما ان خبراً تعلق به وأخرى يلاحظ في حد ذاته، وعلى الأخير يتصف بصفاته الثبوتية وعلى الأول أي بما ان خبراً تعلق به، يتصف بالصفات الإثباتية فمثلاً يقال له حق أو باطل بلحاظ مطابَقيته لعالم الإثبات كما ان في عكسه يقال صدق وكذب بلحاظ مطابِقية عالم الإثبات له
([7]) اما المخبر عنه في حد ذاته وبما هو هو فيوصف بانه جوهر أو عرض مثلاً وهكذا.
وكذا الخبر والمخبر فان الخبر تارة يلاحظ بما هو خبر ولنتصور (جاء ابنك من السفر) مثلاً فيقال خبر سار أو محزن أو صادق أو كاذب وتارة بلاحظ ذاته فيقال مثلاً ان الجملة فعلية إذ لوحظ ذات (جاء ابنك) لا بما هو كاشف عن أمر، والمخبر عنه كذلك تارة يلاحظ بما هو مخبر عنه وتارة بما هو، فان اللحاظ أمر سهل المؤونة..
إذا اتضح ذلك نقول ان (الدليل بما هو دليل) وكذا (الدليلان بما هما دليلان) متضايفان مع (المدلول بما هو مدلول) ومع (المدلولين بما هما مدلولان) والمتضايفان متكافئان قوة وفعلاً فقولك الدليل بما هو دليل مستلزم
([8]) للمدلول بما هو مدلول أي مستلزم لكون طرفه الآخر هو المدلول بما هو مدلول، وبالعكس قولك المدلول بما هو مدلول مستلزم للدليل بما هو دليل أي مستلزم لكون طرفه الآخر هو الدليل بما هو دليل.
وحينئذٍ فلا فرق بين تعريفي الشيخ والآخوند من حيث استلزام كل منهما للآخر فلا فرق بين ان يقال (التعارض: تنافي الدليلين) أو يقال (تنافي مدلولي الدليلين) لاستلزام كل منهما الآخر
([9])، نعم هذا مبني على إرادتهما جهة الحيثية
([10]) وإلا فلا يتم ما ذكر كما هو بيّن.
العناوين الست بل السبع متطابقة على كلا تعريفي الشيخ والآخوند
إذا اتضح ذلك يتضح ان العناوين الست بل السبع متوافقة متطابقة سواءً على تعريف الشيخ أم تعريف الآخوند فراجع أولاً ما ذكرناه في الدرس السابق تحت عنوان (اجتماع العناوين الست: الحيثية التعليلية والتقييدية...) فيسهل تطبيق ذلك على المقام إذ يقال حينئذٍ: انه على تعريف الشيخ (تنافي مدلولي الدليلين) فانه كما الحيثية تقييدية كذلك هي تعليلية وكما الواسطة واسطة في العروض كذلك في الثبوت وكما الوصف وصف بحال المتعلق (أي المدلولين) كذلك هو وصف بحال الموصوف (أي الدليلين) فانه على رأي الشيخ المحور هو تنافي المدلولين (ولذا قال المشكيني انه عليه الحيثية تقييدية والواسطة في العروض والتوصيف المذكور توصيف بحال المتعلق) ولكن الدليلان أيضاً – على رأيه – متنافيان ولذا عبّر الشيخ بـ(تنافي الدليلين وتمانعهما باعتبار مدلولهما) وذلك لوضوح ان تنافي المدلولين بما هما مدلولان يسري – كما ذكرناه في مثال قوة العشيرة – إلى تنافي الدليلين بما هما مدلولان فالحيثية أيضاً تعليلية أي صار تنافي المدلولين – المتصفان حقيقة بالتنافي ولذا كانت الحيثية تقييدية - علةً لثبوت التنافي للدليلين أيضاً فصارت الحيثية تعليلية أيضاً وكذلك فان وصف التعارض صادق على الدليلين فالوصف بحال الموصوف وعلى المدلولين فالوصف بحال المتعلق
([11]).
واتضح بذلك عدم صحة السلب (أي عدم صحة سلب التعارض عن الدليلين)، خلافاً لما ادعاه المشكيني (قدس سره).
هذا كله على تعريف الشيخ، وقد اتضح منه حال تعريف الآخوند وان الجهات الست بل السبع أيضاً تنطبق عليه وليس المنطبق فقط الحيثية التعليلية والواسطة في الثبوت والوصف بحال الموصوف فتدبر جيداً.
نعم اجتماع العناوين الستة مبني على ما ذكرناه في الدرس السابق من لحاظ الحيثية التقييدية وغيرها بنحو اللا بشرط لا بنحو البشرط لا
([12])، فراجع. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=======================