• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1436-1437هـ) .
              • الموضوع : 15- المقاييس الستة لتمييز مسائل علم الاصول (وغيره) عن غيرها والمنطبقة على (التعارض) 1ـ تصريح مهَرَة الفن ــ ومناقشة كبروية 2ـ ان فيها خواص المسألة الاصولية ، ومناقشة صغروية 3ـ ان موضوع المسألة صغرى موضوع العلم .

15- المقاييس الستة لتمييز مسائل علم الاصول (وغيره) عن غيرها والمنطبقة على (التعارض) 1ـ تصريح مهَرَة الفن ــ ومناقشة كبروية 2ـ ان فيها خواص المسألة الاصولية ، ومناقشة صغروية 3ـ ان موضوع المسألة صغرى موضوع العلم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(15)
الضابط في كون المسألة أصولية أو غيرها
ومن المبادئ التصديقية للعلم وللمسألة: ملاكات ومقاييس دخول مسألة في جملة مسائل العلم والضوابط والمرجع في ذلك، ثم بعد تحديد الضوابط الكلية – يبحث عن انه هل تنطبق هذه الضوابط على المسألة المبحوث عنها ههنا (التعارض والتعادل والترجّح، والجمع العرفي، والتزاحم... الخ) أم لا؟
فنقول: ذكر عدد من الاصوليين خمسة مقاييس على نحو منع الخلو ولا مانعة جمع بينها، وسوف نضيف لها سادساً نرى انه المقياس الأول والمرجعي وان غيره لو رجع إليه صح وإلا لا؛ فان النسبة بينه وبين بعضها العموم من وجه أو غيره فعليه المدار في العلوم الاعتبارية، على ان تلك الخمسة غالبية المطابقة للسادس بل إذا وجدت فمنه تفرّعت.
1- تدوين مهرة الفن
قال المحقق الاشتياني: (اما تدوين المسألة([1]) في علم الأصول وتصريح مهرة الفنّ بكونها من مسائل العلم فأوضح من أن يخفى)([2])
أقول: تدوين مهرة الفن لا يصلح حجة على المجتهد والخبير الآخر بل يصلح حجة على العامي فقط وذلك لأن كون المسألة من مسائل علم الأصول وعدمه ليست حسية بل هي حدسية وقد ارتأى المشهور عدم حجية نظر المجتهد والخبير وحدسه على المجتهد الآخر، نعم حيث بنينا على الحجية التخييرية لنظر المجتهد على المجتهد الآخر سواءً إجتهد في المسألة بالفعل أم لا بل كان ذا ملكة فقط شرط ان لا يجزم أو يطمئن اطمئناناً متاخماً للعلم بالخلاف بل مادام قد حصل لديه مجرد الظن النوعي فانه مخير بين العمل بنظره وبين العمل بنظر الآخر([3])، صح له الأخذ بقولهم اما على المشهور فلا بل عليه ان يتحقق بنفسه عن كون هذه المسألة وتلك من مسائل العلم أم لا.
لنا على ان إندراج مسألة في جملة مسائل علم إنما هو حدسي: وضوح ان العلوم الاعتبارية – والأصول منها – ليست حسية بل مثل الأصول ليس حتى من الحدس القريب من الحس؛ ألا ترى الخلاف الشديد بين الأصوليين في موضوع علم الأصول؟ إذ ذهب صاحب القوانين إلى انه الأدلة الأربعة من حيث الدليلية أي بوصفها، وحيث أشكل عليه صاحب الفصول باستلزام هذا التعريف خروج أكثر مسائل الأصول عنه لكون البحث فيها عن حجية الأدلة وهو بحث، على هذا التعريف، عن مفاد كان التامة لا الناقصة وعن الوجود([4]) لا العوارض الذاتية، انتقل إلى تعريفه بـ(الأدلة الأربعة بذواتها) أو (ذوات الأدلة) فان الحجية عارض ذاتي لها، وقد أشكل عليه بدخول مسائل التفسير والدراية وغيرها في الأصول لأن موضوعها ذات الكتاب والرواية، كما اشكل بخروج مثل بحث التعارض بناءً على التساقط إذ على التساقط ليس احد الخبرين بـ(ذات الدليل)([5]) انتقل البعض إلى ان موضوعه الأدلة التي لها شأنية الدليلية، لا الأدلة الفعلية ليخرج التعارض على التساقط، ولا صرف الأدلة بلا تقييد بالشأنية ليدخل مثل القياس والأحلام... وعلى أي ففي كل ذلك كلام وأخذ ورد ونقاش وموطن الشاهد انه ليس شيء منها حسياً قريباً من الحدس.
2- وجود خواص المسألة الأصولية (في مسألة التعارض)
وقال المحقق الاشتياني: (وظهور وجود خواص المسألة الأصولية فيها([6]) ضرورة عدم انتفاع العامي منها وعدم حظّ له فيها، واختصاصها بالمجتهد والمستنبط وإن كان بالعرض من جهة اختفاء وليّ الله وحجّته وغيبته عن الأنظار، كما هو الشأن بالنسبة إلى جميع مسائل هذا العلم، وإلا فحكم الله الأصولي كالفقهي مشترك في نفسه بين المجتهد والعامي.
ومن هنا كان يعمل من أدرك فيوضات حضور الأئمة عليهم السلام بالأخبار، ويعالج معارضاتها بما ورد منهم عليهم السلام في الترجيح والتخيير، وإن كان عامياً وإن جاز له الأخذ بالفتوى أيضاً)([7]).
أقول: يرد عليه:
1- ان ما ذكره من الخاصية للمسألة الأصولية غير تام فان (عدم انتفاع العامي بها وعدم حظ له فيها) ليس من خواص علم الأصول بل يشمل علم الدراية وعلم الكلام وعلم المنطق، مما لها دخل طولياً في الاستدلال وصولاً إلى استنباط الحكم الشرعي، بل والكثير من القواعد الفقهية كلا ضرر ولا حرج وحديث الرفع، اللهم إلا ان يريد بالخاصية الإضافية، وفيه ما لا يخفى.
2- ان قوله (واختصاصها بالمجتهد والمستنبط وإن كان بالعرض من جهة اختفاء وليّ الله وحجّته وغيبته عن الأنظار) غير تام إذ الظاهر انها مختصة بالمجتهد بالذات وليس بالعرض فان العوام في زمن المعصومين (عليهم السلام) أيضاً لم يكونوا قادرين على الاستنباط ولو قدر أحدهم لكان مجتهداً أو متجزياً.
والحاصل: ان امتناع انتفاع العامي بالمسألة الأصولية ذاتي لعواميته وأصوليتها من غير فرق بين حضور المعصوم وغيابه، وبرهان ذلك أوضح من ان يخفى ومع ذلك فلنشر إلى دليلين على ذلك:
الأول: ان حجية خبر الثقة([8]) مسألة أصولية على المشهور والحجية التخييرية أو التعيينية للراجح من الخبرين المتعارضين أو التساقط مسألة أصولية متفق عليها، ومن المستحيل عادة للعامي حتى لو كان بقرب المعصوم (عليه السلام) وفي داره أن يجتهد ويستنبط الحكم الشرعي على ضوئها إذ مسلّمية حجية خبر الثقة استناداً إلى بناء العقلاء ومثل آية النبأ([9])، لا يُمكِّنه بوجهٍ من استنباط الحكم من خبرِ ثقةٍ ورد إليه وذلك للزوم ان يفحص عن المقيد أو المخصص، وعن الحاكم أو الوارد، وعن المعارض المكافئ أو الأرجح أو المرجوح، وعن الناسخ وعدمه، وعن ان القضية حقيقية أو خارجية وعن (السند) ومقاييس حجية الخبر وعن (الجهة) أيضاً إلى غير ذلك ثم بعد ذلك له ان يحكم على طبق الخبر الأول الوارد، وهل بمقدور العامي ذلك؟ اللهم إلا ان ينقلب مجتهداً!
والسر في ذلك – كما مرّ مراراً - بناء القرآن الكريم والأئمة المعصومين (عليهم السلام) على التفكيك بين الإرادتين الجدية والاستعمالية كما سبق مفصلاً وعلى الفرق بين مقام التعليم ومقام الفتوى، وبين الحقيقية والخارجية.. الخ.
وكذلك في مبحث حجية وعدم حجية الخبر المعارَض بالمكافئ أو الراجح أو المرجوح، فلنأخذ مثلاً مقبولة ابن حنظلة ولنفرض الراوي سمعها من الإمام مباشرة فهل له ان يعمل بها دون أن يكون مجتهداً؟ كلا إذ يتوقف عمله بها لاستنباط حكم روايتين متعارضتين أبتلي بهما على أمور اجتهادية كثيرة هو عاجز عنها:
منها: هل الواو في "الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَ أَفْقَهُهُمَا وَ أَصْدَقُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَ أَوْرَعُهُمَا"([10]) للتنويع أو للترديد كما اختلف فيه الشيخ وغيره.
منها: هل المرجحات مترتبة أم لا كما ذهب إليه – إلى عدم الترتيب – الآخوند؟ خاصة مع تعاكسها مع مرجحات مرفوعة زرارة([11]).
منها: هل يتعدى من المنصوصة إلى غيرها كما ذهب إليه الشيخ أم لا؟
منها: هل يتعدى من الروايتين إلى سائر الحجج والامارات فيرجح فيها بالمرجحات المذكورة في المقبولة؟
منها: هل تفيد الرجحان، كما ذهب إليه الآخوند، أم اللزوم؟
وهل يدرك العامي كل ذلك ويفهم أدلة الأطراف والمناقشات والردود؟
الثاني: ان ظاهر الروايات انقسام الناس إلى مجتهدين وعوام، في زمن المعصومين (عليهم السلام).
ومنها: "اجْلِسْ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَأَفْتِ النَّاس...‏"([12]) ولا يطلق (أفت) إلا للصادر من المجتهد للعامي لا من العامي للعامي ولا من المجتهد للمجتهد.
ومنها: "أَنْتُمْ أَفْقَهُ النَّاسِ إِذَا عَرَفْتُمْ مَعَانِيَ كَلَامِنَا..."([13])
ومنها: "وَإِنَّ الْكَلِمَةَ مِنْ كَلَامِنَا لَتَنْصَرِفُ عَلَى سَبْعِينَ وَجْهاً لَنَا مِنْ جَمِيعِهَا الْمَخْرَج"([14])‏
ومنها: "يُعْرَفُ هَذَا وَ أَشْبَاهُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَل"‏([15])
إلى غير ذلك.
3- قوله (وإلا فحكم الله الأصولي كالفقهي مشترك في نفسه بين المجتهد والعامي) فيه: ان الحكم مشترك ولا نقاش في ذلك، لكن مورد الكلام هو نيلُه وانتفاع العامي به وعدم حظ له مباشرة فيه.
والحاصل: انه مشترك ثبوتاً لكن نيله وتفعيله والاستفادة منه في استنباط الحكم الشرعي الكلي غير مقدور عليه إلا للمجتهد.
النتيجة: ان أصل مدعاه من دلالة تحقق خواص علمٍ في مسألة على كونها من مسائل ذلك العلم، صحيح فانه استدلال بالبرهان الإنّي، إلا ان النقاش معه كان حول صغرى ما ادعى انه خاصية علم الأصول.
4- ان الصحيح في خاصية المسألة الأصولية التي كان ينبغي ان يذكرها هو وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلي، وهذا الضابط منطبق على مسألة التعارض بوضوح. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
===============================

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1864
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 17 محرم 1437هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23