بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البيع
(8)
المبادلة قائمة بالطرفين والبيع بطرف واحد
مضى انه قد اورد على تعريف البيع بـ(مبادلة مال بمال) بان (المبادلة) قائمة بالطرفين اما البيع فقائم بطرف واحد وهو البائع فلا يصح تعريفه بالمبادلة.
وبعبارة اخرى المبادلة تصلح تعريفاً للمعاملة البيعية أي لعقد البيع أي لمجموع الايجاب والقبول ولا تصح تعريفاً للبيع نفسه الذي هو احد طرفي العقد الذي طرفه الاخر الشراء.
المعاملة البيعية قائمة بالطرفين
نعم لو اريد تعريف المعاملة البيعية التي حمل البعض عليها قوله تعالى (( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ))[1] (( ذَرُوا الْبَيْعَ ))[2] (( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ))[3] نظراً لان المراد بالآيات ليس البيع القائم باحد الطرفين بل مجموع المعاملة والا لكانت دلالة الاية غير مكتملة فان مقتضى القاعدة ان يكون المنهي عنه في "ذروا البيع" هو كلا الطرفين: البيع والشراء وليس البيع القائم بالفاعل فقط، وكذلك الذي أُحِل هو كلا الطرفين وهكذا ، صحّ [4] لكن الظاهر انهم يقصدون تعريف البيع القائم بالبائع.
وقد اجيب، او يمكن ان يجاب عن ذلك، بوجوه :
1- التعريف هو للمعاملة البيعية
الاول: انه قد يلتزم بان التعريف هو للمعاملة البيعية لا لخصوص البيع القائم بالبائع وذلك لان المبحوث عنه في كتاب البيع هو احكام كلا الطرفين ويؤكده ايضاً قولهم كتاب البيع وشروط البيع وشبه ذلك فان المراد به المعاملة البيعية.
2- العدول عن (مبادلة) الى (تبديل)
الثاني: ما اضطر اليه الاخوند الخراساني وتبعه الميرزا النائيني من تبديل (مبادلة) الى (تبديل) فحيث انه رأى الاشكال تاماً ارتأى ان حله بتعريف البيع بـ(تبديل مال بمال).
اشكالان على العدول للتبديل
ولكن يرد عليه: ان التبديل [5] أعم من البيع من جهتين:
الاولى: انه يشمل تبديل احد المالين بالاخر تكويناً، أي لا اعتباراً وهو البيع المعاملي، فانه لو ابدل مكان هذه العملة كالدينار بتلك العملة كالدرهم بان وضع هذا مكان ذاك صدق عليه تبديل مال بمال لشموله باطلاقه للتبديل المكاني.
وفيه: أن ظاهره تبديل نفس احد المالين بالاخر دون مكانه فانه تجوّز من نوع المجاز بالحذف.
ويؤكده ان مصب التبديل هو عنوان المال فالمراد بما هو مال وفي المثال لم يبدله بما هو مال بل ابدل مكانه . فتأمل [6].
الثانية: ان التبديل يعني جعل الشيء ذا بدل سواء أكان له مساس بالغير ام لا – كما اشار الى ذلك المحقق الاصفهاني- ، فلو وضع ماله في موضع مال غيره واخذ ماله ووضعه موضع ماله، دون اجراء معامله، صدق التبديل ولم يصدق البيع اذ قد يكون إذناً او اباحة او غير ذلك. وفيه: اضافة الى الوجه السابق ان لم يرجع اليه [7]، ما سيأتي عند البحث عن فوارق البيع عن غيره من الصلح والقرض وسنضيف فرقه عن الاذن والاباحة المتقابلة وغير ذلك.
3- المفاعلة غير متقومة بالطرفين
الثالث: ما تفصّى به المحقق الاصفهاني بقوله : (هذا بناءاً على ماهو المعروف من تقوّم المفاعلة بطرفين، والتحقيق خلافه كما تشهد به الاستعمالات الصحيحة الفصيحة القرانية وغيرها كقوله: (( يُخَادِعُونَ اللَّهَ ))[8] (( مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ ))[9] (( يُرَاءُونَ ))[10] (( نَافَقُوا [11])) (( شَاقُّوا [12])) وقولهم " عاجله بالعقوبة " ، و "بارزه بالمحاربة" ، و"ساعده التوفيق"، الى غير ذلك مما لا يصح نسبة المادة إليهما، أو لا يراد منها ذلك) [13].
ولكن يرد عليه:
الجواب: 1- الاستعمال أعم من عدم الوضع للغير
اولاً: كما ان الاستعمال اعم من الحقيقة، فانه – والمقام من هذا الاخير- اعم من عدم الوضع لغير المستعمل فيه، ولا يدل عليه.
والحاصل: ان استعمال اللفظ كالاسد في الرجل الشجاع كما لا يدل على انه حقيقة فيه لا يدل على ان غيره – وهو الحيوان المفترس وهو غير المستعمل فيه – ليس بالموضوع له، بل هو ساكت عن ذلك.
وعليه: فلا يصح استدلاله على عدم وضع المفاعلة للفعل المتقوم بالطرفين، (او للفعلين المتقابلين الصادرين من طرفين وهذا الاصح بنظرنا) بانها استعملت في القائم بالطرف الواحد. اللهم الا ان يستدل بعلائم الحقيقة [14] وهو امر آخر لا يدل عليه كلامه.
لا يقال: الاستعمال في غير المتقوم بالطرفين صحيح فصيح فهو دليل عدم الوضع لغيره خاصة؟
اذ يقال : كونه فصيحاً ا وبليغاً اعم من كونه موضوعاً له او من صغرياته ومن كونه مجازاً او غيرها، الا ترى ان المجاز والكناية ونظائرها من الصحيح الفصيح الا انها ليست بحقيقة؟
2- الامثلة من الاستثناء
ثانياً: ما اشار اليه بعض الاعلام من ان الموارد التي ذكرها واشباهها وان تمت الا انها من الاستثناء من القاعدة في باب المفاعلة والذي يؤكد الاصل والقاعدة ولا ينفيها، فذلك كنظائره في سائر الصيغ [15] بل و في كل الابواب [16].
3- بل المفاعلة فيها تامة
ثالثاً: - وهذا هو الاتم بنظرنا من الجواب الثاني- ان تلك الموارد التي ذكرها كلها من المفاعلة المتقومة بالطرفين وقد نسبت المادة وقصد ذلك منها، بل ان هذا هو وجه بلاغتها بحيث لو قصد منها المجرد – كما زعمه قدس سره – لفقدت بلاغتها بل كانت ركيكة.
ويظهر ذلك بملاحظة كافة الامثلة التي استدل بها وغيرها، ولنكتف بالاشارة الى اربعة منها ففيها الكفاية لمعرفة حال غيرها بعد التدبر فيها:
1- (يخادعون) فانه ارتأى انه من طرف واحد لا من طرفين .
اقول: بل ان ارادة الطرف الواحد ركيك والبلاغة في ارادة الطرفين، الا ترى انه لو قال (يخدعون الله) كان غلطاً او ركيكاً [17] فكيف يقال: (يخادعون) يراد به ما يتقوم بطرف واحد والذي حاصله انه يراد به (يخدعون)؟
نعم، لا يصح يخدعون – ولا يخادعون – الا بالتصرف في المادة والتجوز فيها بان يراد من (يخدعون): يعملون عمل المخادع [18] اذ لا يعقل ان يخدع الله احدٌ فاذا تم ذلك ظهر ان المراد من يخادعون هو باب المفاعلة المتقوم بالطرفين: أي يعملون مع الله عمل المخادع ويعمل الله معهم عمل المخادع فهو مثل قوله تعالى (( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ))[19] ، بل يدل عليه تتمة الاية (( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ))[20] وخداعه اياهم بإجراء ظاهر احكام الاسلام عليهم ، كما ذكره بعض المفسرين، وغير ذلك.
2- وكذلك (يُرَاءُونَ) تماماً كما سبق ، ويوضحه اكثر : الفرق الجلي بين يُرِي من باب الافعال: أرى يري فهو مرٍ وبين يرائي وبين المُري والمرائي، وبناءاً على كلامه يلزم ان تكون المراءاة بمعنى الاراءة فقط وهو واضح البطلان فان المِراء منكر قبيح اما الاراءة فهي اعم من الحَسَن والقبيح والمباح، ومن الحسن : اظهار الصدقة الواجبة فان من المستحب اراءة اعطائها ، للناس.
والظاهر من المراءاة هو الطرفينية، أي انه يُري للناس صلاته كي يرونه تقديرهم واحترامهم له فقوام المراءاة بهذين الطرفين معاً لا بمجرد اراءة العمل لوضوح ان امام الجماعة يري نفسه للناس (والا لما صحت الجماعة ولما انعقدت) فهي اراءة لا مراءاة [21] فتأمل [22].
3- وكذلك الحال في (مهاجراً الى الله) فانه يختلف تماماً عن (يهجر الى الله) والسر في التعبير بالمهاجرة انه كأنه هجر السيئات والسيئات هجرته او هجر وطنه ووطنه هجره واين جمال هذا من (ومن يهجر الى الله) بل ان الثاني ركيك.
4- وكذلك (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))[23] فانهم حيث شقوا عصا الطاقة شق الله صفوفهم وشتت جمعهم وبدّد وحدتهم.
والمجاز في المادة عند الإسناد [24] انما هو للمشاكلة فهو كقوله تعالى (( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ))[25] مع وضوح انه لا نفس لله تعالى.
نعم، لو لم يتم ما ذكرناه ولو في بعض الامثلة لكان المرجع الجواب الثاني. فلاحظ.
وللحديث صلة،وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
============================
|