بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البيع
(6)
سائر الاشكالات على تعريف المصباح
وقد اشكل على تعريف المصباح للبيع بانه (مبادلة مال بمال) بإشكالات اخرى:
الكلي في الذمة ليس مالا فلا يصح بيعه حسب تعريف المصباح
الثالث: (ان لازم هذا التعريف عدم كون بيع الكلي بيعاً لأنه ليس مالاً قبل البيع ، فليس مبادلة مال، وعدم صحة جعل عمل الحر عوضاً على القول بعدم كونه مالاً قبله) [1]
وتوضيحه بما يبرهنه بدواً: ان (الكلي في الذمة) لا وجود له في الخارج فهو معدوم فلا مالية له ، واما في الذهن فانه وان وجد فيه الا انه اولاً: ليس المبيع هو الوجود الذهني للدار او للذهب دون شك ثانياً: الوجود الذهني للمثمن غير قابل للنقل والانتقال والبيع والشراء ثالثاً: انه لا مالية له وهو في الذهن.
اقول: لكن هذا الاشكال متأمل فيه، وذلك:
الجواب اولاً : الكلي في الذمة له المالية
اولاً : لان الكلي في الذمة مالٌ قبل البيع وبعده وذلك لان (المالية) امر اعتباري كالملكية وكالبيع بمعناه المسببي [2]، والعقلاء يرون له مالية لذا يبيعونه ويشترونه، والاعتبار خفيف المؤونة ، ويؤكده ان (المال) لغة من الميل بمعنى ما تميل اليه النفس ولا يشترط فيما تميل اليه النفس الوجود فعلاً بل ولا حتى في احد الازمنة الثلاثة.
ومما يوضّح مالية الكلي في الذمة قبل البيع ويبرهنها ملاحظةُ منشأ اعتبار العقلاء لمالية الاشياء ومنها الكليات وحدود اعتبارهم؛ فان العقلاء يعتبرون – مثلاً – للكلي في الذمة (الذي يراد بيعه) اذا كان منتسباً للغني القادر على التسليم أي (للكلي في ذمة الغني أي القادر على ادائه) ماليةً ولذا يرغبون في شرائه ولايرون المالية للكلي المنتسب الى الفقير العاجز (أي الكلي في ذمة العاجز عن ادائه) ووجههما عقلائياً واضح، فلأحدهما الاعتبار عندهم دون الاخر ولأحدهما المالية عندهم دون الحد الاخر.
والحاصل : ان المبيع هو ماهية الكلي في الذمة وليس وجوده الذهني بل وجوده الذهني ظرف تحقق الكلي، و هو وان كان بالحمل الشائع الصناعي جزئياً لكونه من مراتب الوجود لكنه بالحمل الذاتي الاولي كلي، وهذا كله ان لم نقل بان المبيع هو الفرد الخارجي الاعم من المحقق الوقوع او المقدر والكلي مرآة له – كما هو الاظهر - [3] وسيأتي.
ثانياً: ان لم يكن ذا مالية فلا فرق بين ماقبل البيع وبعده
ثانياً: ان الكلي في الذمة ان لم يكن مالاً لكونه معدوماً اذ لا وجود للكليات ، لما كان فرق بين الكلي قبل البيع وبعده، قبل التمصدق [4] اذ هو معدوم في الصورتين فكيف قيّد بـ(لأنه ليس مالاً قبل البيع)؟ وان قيل بان مصحِّحه الاعتبار العقلائي بعد البيع قلنا انه مصحح لما قبل البيع ايضاً ولذا يرغب العقلاء في شراء الكلي قبل البيع وبعده [5] مع انه قبل البيع عدم كما هو بعد البيع.
بيع الكلي مرآة لبيع الافراد المحققة او المقدرة
ثالثاً: ان بيع الكلي في الذمة ، لدى التحقيق، يعود الى بيع الفرد الخارجي (لأنه المرغوب فيه بالذات فانه منشأ الاثر والفائدة لا الكلي الذهني بماهيته ولا بوجوده) واما الكلي في الذمة فقد اخذ مرآة للأفراد الخارجية الاعم من المحققة والمقدرة الوجود فتكون ماليته بماليتها أي انه باع في الحقيقة ما لَهُ المالية وهو الفرد الخارجي المصداقي ، هذا ان سلمنا بان (الكلي في الذمة) لا مالية له بنفسه بل وان قلنا ان له المالية الا ان ماليته بالعرض ، وفي الحقيقة فانه واسطة في الثبوت فقط أي في ثبوت البيع لمصاديقه. فتدبر جيداً.
وهذا هو ما نجده في ارتكازنا الذي يؤكده البرهان ايضاً ، ويشهد له ان العاجز عن التسليم لا يقدم العقلاء على شراء الكلي منه.
وبذلك يفترق بيع الكلي عن بيع الفرد المردّد الباطل؛ اذ المبيع على اقسام:
منها: بيع الفرد الخارجي ، كبيع هذا الكتاب او هذه الشقة السكنية.
ومنها: بيع الفرد المردد الخارجي ، كبيع احد هذين الكتابين.
ومنهـا: بيع الكلي في الذمة كبيع كتاب شرائع مضبوط الاوصاف من المثليات والذي ينطبق على الكثير من المصاديق الخارجية للشرائع الموجودة بالفعل او التي ستوجد، وهذا ليس بيعاً للفرد الخارجي ابتداءاً ولا للفرد المردّد اذ أنه باع كلياً معيناً وهو ينطبق على كل فرد فرد بعينه ولا تردّد في المبيع بل فيما ينطبق عليه فقط والذي ابطلوه هو لو كان التردّد في نفس المبيع، فتدبر.
مبادلة مال بمال اعم من البيع
الرابع: (ان مطلق المبادلة ليس بيعاً قطعاً، بل لو كانت المبادلة بيعاً فإنما هي المبادلة في الملكية) [6]
وتوضيحه ان البيع هو (مبادلة ملكية مال بمال) وليس (مبادلة مال بمال) لشمول هذا الاخير لـ (مبادلة حقِّ اختصاصٍ بحق اختصاص آخر) – كبيع محله الذي سبق اليه في المسجد او الحسينية – مع ان المشهور قديماً لا يعتبرونه بيعاً.
والحاصل: ان التعريف تعريف بالأعم.
توضيح آخر: ان هذا التعريف يشمل الاجارة اذ هي مبادلة مال (فان المنفعة اي منفعة السكن مال لذا تؤجر ويرغب فيها) بمال فليس طارداً للاغيار.
وفيه: انه على فرض تسليمه وعلى فرض الانصراف ايضاً الى العين دون المنفعة، ليس بصحيح في التعاريف اذ يراد بها التحديد الدقيق المانع للخلاف والاختلاف والتوهم فلا يصح الايكال الى الانصراف الذي تختلف فيه الاذهان والانظار، ولو صح الايكال اليه لما احتجنا الى التعريف بنفسه بعد كون المعرّف (وهو البيع) عرفياً فلنكتف بانصرافه الى بيع العين والمبادلة في الملكية مثلاً فلم تكلّف التعريف ثم التمسك بالانصراف ؟
نعم ، سيأتي جواب آخر عن هذا الاشكال عند تطرق الشيخ لفوارق البيع عن الصلح والهبة المعوضة والقرض وغيرها.
المبادلة لازم غالبي للبيع
الخامس : (ان التبديل والمبادلة لازم غالبي للبيع لا انه مفهومه ، لما اوردناه على تعريف جامع المقاصد)
اقول: سبق اشكاله على جامع المقاصد الذي عرف البيع بـ(نقل الملك من مالك الى اخر بصيغة مخصوصة) بـ( مع انه [8] ليس لازمه [9] دائماً، فان تمليك عمل الحر يكون بيعاً ولا نقل لعدم كونه مالكاً له قبله، وبيع الكلي في الذمة يصح ولا نقل هناك، فهذا الايراد تام.) [10]
ويرد عليه: بعد الفراغ عن ان التبديل ليس مفهوم البيع [11]: ان النقل والمبادلة امور اعتبارية كالبيع المسببي فكما صح البيع للكلي في الذمة مع انه لا وجود له ومع ان الكلي ليس مملوكاً ولا مالية له – حسب ما رآه - اذ ليس موجوداً فكيف يكون ذا مالية او مملوكاً ؟ كذلك صح نقله وصحت المبادلة عليه.
وبعبارة اخرى: ان لم يصح النقل والمبادلة للكلي ولمنافع الحُر لم يصح بيعها بالضرورة [12]، وان صح بيع الكلي ومنافع الحُر رغم عدم وجوده خارجاً [13] لكون البيع امراً اعتبارياً امره بيد المعتبر فله ان يعتبر وقوع هذا البيع، صحّ نقل الكلي ومبادلته بمال الاخر او بما في ذمته لكونها جميعاً اعتبارية.
والحاصل: ان هذه الثلاثة متلازمة [14] : البيع والنقل والمبادلة فان كان الاعتبار مصحِّحاً صحت جميعاً والا لم تصح جميعاً.
وللحديث صلة، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=============================
|