بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
الاصول
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(7)
سبق ان الأَولى ان يعنون هذا الباب بباب التعارض دون التعادل والترجيح لجهات مضت جهتان منها وبقيت تتمة الثالثةَ حيث ذهب السيد اليزدي الى ان البحث عن احكام التعارض مقصود بالأصالة وليس من باب المقدمية لبحث احكام التعادل والترجيح.
امتناع التعارض مسألة كلامية وعلاج المتعارضين فقهية
ولكن قد يورد عليه – أي دعوى مقصودية البحث عن التعارض في الاصول بالأصالة – انه :
أ- ان اريد البحث عن امكان وقوع التعارض وعدمه في كلمات الشارع وادلته او في احكامه – وهي المؤديات - والبرهنة على العدم بالحكمة والعلم المحيط مثلاً، او على الوجود بانه للأهم والمهم رغم علمهم بتناقض الكلامين مثلاً، فانه ليس من مسائل علم الاصول بل هو من مسائل علم الكلام غاية الامر كونه من المبادئ التصديقية لعلم الاصول.
ب – وان اريد البحث عن مصاديق التعارض و المتعارضات وعلاج كل مورد مورد ، فانه ليس مسألة اصولية ايضاً بل هو في كل علم من مسائل ذلك العلم، نظير البحث عن تعارض ادلة محرِّمية خمس عشرة رضعة او عشر رضعات او روايات بلوغ الفتاة بإكمال التاسعة و الدخول في العاشرة او اكمال الثالثة عشرة والدخول في الرابعة عشرة [1] فانه مسألة فقهية وبرهانها مبدأ تصديقي للمسألة ، وكذا البحث عن تعارض روايتين في تفسير آية او نقل حادثة تاريخية فانه مسألة تفسيرية او تاريخية.. الى غير ذلك.
نعم غاية الامر ان يدخل البحث عن تعارض دليلين كروايتين دالتين مثلاً على مسألة اصولية كحجية الشهرة او خبر الثقة او مطلق الظن، في الاصول.
الجواب : الاحكام الكلية للتعارض بما هو هو، مسألة اصولية
والجواب : ان البحث عما هو متوسط بين الامرين هو المسألة الاصولية أي البحث عن كلي حكم التعارض بين دليلين على الحكم الفقهي ، وهو التساقط او التخيير مثلاً.
وبعبارة اخرى تعارض الدليلين موضوع لمسألة اصولية كما ان فقد الدليل او الادلة موضوع لمسألة اصولية أخرى: وهي الاصول الاربعة ؛ اذ كما يقال : اذا فقد الدليل فالمرجع البراءة لو كان الشك في التكليف مع عدم وجود او عدم ملاحظة الحالة السابقة والا فالاستصحاب .. الخ والحيثية تقييدية كما سيأتي نظيرها [2] ، كذلك يقال: اذا وجد دليلان متعارضان فحكمهما هو حجية الراجح والا – بان تعادلا – فتساقطهما، والحيثية تقييدية ايضاً كما سيتضح.
التساقط والترجيح صفة العارض: (المتعادلان) لا المعروض وهو (المتعارضان)
ولكن قد يردّ : بان ذلك لا يفي بحل الاشكال وان [3] المقصود بالأصالة حكم التراجح والتعادل لا التعارض ، وذلك [4] لان الحكم – وهو التساقط مثلاً – انما يلحق العارض – وهو المتعادلان مثلاً – بالذات أي مباشرة لا لمعروضه وهو المتعارضان فالمقصود بالاصالة اذاً هو التراجح والتعارض.
الجواب: اولاً التعادل والتراجح واسطة في الثبوت لا العروض.
وقد يجاب بوجهين :
الاول: ان التعادل والتراجح هما واسطة في ثبوت الحكم [5] – وهو التساقط او التخيير – للمتعارضين وليسا واسطة في العروض، وعليه فانهما يحملان على المتعارضين حقيقة وبالحمل الشائع الصناعي فقد اتصفا بالتساقط او اتصف احدهما بالترجيح لكونه حقيقة ذا مزيةٍ وان كانت لاتصافه بها واسطة.
لا يقال : الحكم هو الحجية وعدمها [6].
اذ يقال : الكلام الكلام؛ لاتصاف المتعارضين بها او بنقيضها بالحمل الشائع حقيقة و غاية الامر وجود الواسطة في الثبوت.
ثانياً: هما حيثية تقييدية للمتعارضين
الثاني: ان التكافؤ او التراجح ، حيثية تقييدية للمتعارضين [7] أي ان المتعارضين بما هما متكافئان وبقيد التكافؤ ، يتساقطان ، وبما هما متراجحان وبقيد ترجُّح احدهما فانه – أي المعارَض ذو المزية – هو الحجة.
وحيث كان المتكافئان والمتراجحان متحدان وجوداً – أي كل واحد منهما على سبيل البدل - مع المتعارضين، صحَّ حمل الحجية او التساقط والتراجح عليها بأجمعها حقيقةً.
القسيم الثالث للواسطة في العروض والثبوت
ومآل هذا الى ان التكافؤ والتراجح هما واسطة في الثبوت و في العروض معاً – وهو قسم رابع لم يذكروه [8] – لانهما واسطة لثبوت التساقط او الترجح للمتعارضين كما انهما هما متصفان بهما – أي بأحدهما على سبيل البدل - ايضاً وذلك لجهة اتحاد هذه الثلاثة [9] كما سبق .
وقد ظهر بذلك ان هذا القسم الثالث موقوف على الغاء البشرط اللائية من القسمين المعهودين [10] والا كانا من المتبائنين اللذين لا يمكن اجتماعهما فتدبر.
برهان كونهما حيثية تقييدية
واما البرهان على كونهما حيثية تقييدية للمتعارضين وان المتعارضين بما هما متعادلان او متراجحان محكومان بكذا وليس الامر دائراً مدار التكافؤ والتراجح بما هما هما حتى يكونا واسطة في العروض فقط، فواضح وتكفي للبرهنة على ذلك ملاحظة حال العام والخاص مثلاً فان العام سواء أكان اقوى سنداً من الخاص او مكافئاً له او اضعف فانه حيث لا يعدّ معارضاً له وليسا متعارضين سواءاً أكانا متعادلين سنداً او متراجحين لذا لا تجري عليهما احكامهما [11].
والحاصل : ان معروض التساقط او الترجيح ليس الخبران المتعادلان او المتراجحان بما هما كذلك بل الخبران المتعارضان المتعادلان او المتراجحان.
واما عدم امكان انفكاك المتعارضين عن احدى الحالتين [12] فانه لا ينفي الحيثية التقييدية في موضوع الحكم بل يؤكدها، فتدبر وتأمل [13].
وللحديث صلة، وصلى الله على محمد وآله الاطهار
==================================================
|