• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : (1436-1435هـ) .
              • الموضوع : 19- النظرية الحسية ضد الحسية؟ انكار فيلسوف الحسيين لسلسلة من المحسوسات (الوجدانية والعلمية) استناداً الى دليل عقلي! والعديد من المناقشات .

19- النظرية الحسية ضد الحسية؟ انكار فيلسوف الحسيين لسلسلة من المحسوسات (الوجدانية والعلمية) استناداً الى دليل عقلي! والعديد من المناقشات

  بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
دروس في أصول العقائد
(مباحث المعرفة)
(19- الجزء الاول)
معالم أساسية أخرى للنظرية الحسية
ان آراء جون لوك عن (أفكار الإحساس البسيطة) تعاني من ثغرات أخرى أساسية؛ فانها تناقض نظريته الحسية تماماً، فصح القول بان النظرية الحسية هي ضد النظرية الحسية! فلننقل تصوراته وأفكاره عن أفكار الاحساس البسيطة أولاً – حسب ترجمة وتلخيص الشارح لنظرياته قال:
(وتنقسم أفكار الإحساس البسيطة من حيث ما ترمز إليه من صفات في الأجسام إلى أفكار الصفات الأولية Ideas of Primary Qualities وأفكار الصفات الثانوية Ideas of Secondary Qualities:
أفكار الصفات الأولية
فأما الأولي فترمز إلى صفات "لا يمكن أن تنفصل عن الجسم مهما تغيرت حالته" وتدعى بالصفات الأولية كالصلابة والامتداد والشكل والحركة أو السكون والعدد ومن طبيعة هذه الصفات أن الأجسام لا يمكن أن توجد بدونها، وأن الأفكار التي عندنا عن هذه الصفات الأولية شبيهة بها.
أفكار الصفات الثانوية
وأما أفكار الصفات الثانوية فترمز إلى صفات ليست إلا قوى في الأجسام على استحداث إحساسات متعددة فينا بواسطة صفاتها الأولية، أي بواسطة كتلة وشكل وبناء وحركة أجزائها غير المحسوسة، مثل الألوان والأصوات والطعوم والروائح، فأفكار الصفات الثانوية تستحدث فينا "بفعل الدقائق اللا محسوسة في حواسنا"([1]) أو على نحو ما نقول اليوم بتأثير الأشعة الضوئية في العين والموجات الصوتية في الأذن والانبعاثات الكيماوية في الأنف، يقول لوك: (إن ما هو حلو أو أزرق أو حار في الفكر ليس إلا كتلة وشكلاً وحركة معينة لأجزاء غير محسوسة في الأجسام ذاتها)([2])، ومن طبيعة الصفات الثانوية أنها لا تشبه بحال من الأحوال الأفكار التي تستحدثها فينا.
أمثلة للصفات الأولية والثانوية
فالصفات الأولية كالكتلة والشكل والحركة والعدد موجودة في الأجسام سواء أدركتها الحواس أو لم تدركها، ولذلك فهي صفات حقيقية لأنها موجودة في الأجسام.
أما الصفات الثانوية كالضوء واللون والحرارة والبرودة فلا توجد في الأجسام أكثر مما يوجد المرض أو الألم في الحلوى، فإذا زال عنها الإحساس زالت عن الوجود. فلا وجود للضوء ولا لِلّون بدون العين ولا للصوت بدون الأذن ولا للطعم بدون اللسان ولا للرائحة بدون الأنف. وإذا انعدمت الحواس انعدمت معها الألوان والطعوم والروائج وسائر الصفات الثانوية الأخرى ولا يبقى إلا أسبابها أي "كتلة الأجزاء وشكلها وحركتها".
والصفات الثانوية تنقسم بدورها ـ في نظر لوك ـ إلى صفات ثانوية يمكن إدراكها بصورة مباشرة، وصفات ثانوية يمكن إدراكها بصورة غير مباشرة، يشمل النوع الأول صفات مثل الألوان والطعوم والروائج والحرارة والبرودة، وقد تقدم البحث عنها.
وأما النوع الآخر من الصفات الثانوية فهي القوى الموجودة في أي جسم([3]) والتي تعزى إلى التركيب الخاص لصفاته الأولية على إحداث تغير في كتلة وشكل وبناء وحركة جسم آخر مما يجعله يؤثر في حواسنا على نحو يختلف عما كان يؤثر فيها من قبل، فللشمس قوة على جعل الشمع أبيض وللنار قوة على جعل الرصاص سائلاً، فالصفات الثانوية من كلا النوعين قوى في الأجسام المادية، لكن هذه القوى في النوع الأول تؤثر في العقل، في حين أنها في النوع الآخر تؤثر في الأجسام المادية الأخرى)([4])
مناقشات فرعية
وتنطوي نظريته هذه على الكثير من النواقص والعيوب، وهي تتنوع بين عيوب وثغرات وإشكالات أساسية ترتبط بجوهر النظرية الحسية وأخرى فرعية، فلنبدأ بالفرعية اولاً:
1- ان (الصلابة) ليست من أفكار الصفات الأولية التي عرفها بانها (لا يمكن ان تنفصل عن الجسم مهما تغيرت حالته) لوضوح أ- ان بعض الأجسام غير صلب ككل السوائل وككل الأجسام الرخوة ب- وان الأجسام الصلبة يمكن ان تنفصل عنها صلابتها – ولو مؤقتاً – بالصهر والتذويب.
2- ان تمثيله بـ(الحركة أو السكون) يهدم عليه كل الخط الفاصل الذي صنعه بين أفكار الصفات الأولية والثانوية لأن عدم خلو الجسم من أحد النقيضين (كالحركة والسكون)([5]) ينطبق على كافة أمثلته عن الصفات الثانوية إذ نقول: لا ينفك الجسم عن الصوت أو عدمه وعن الرائحة أو عدمها وعن اللون أو الضوء أو... وعدمها. ولا فرق بين ان نعبر عن العدم بتعبير سلبي أو بتعبير إيجابي([6]).
 3- ان دَرْجَهُ (العدد) في حزمة أفكار الاحساس البسيطة من نوع أفكار الصفات الأولية، خطأ؛ إذ العدد من المعقولات الثانية الفلسفية، وبعبارة أخرى العدد ليس مما يحس بل هو أمر يدركه العقل فقط، إنما المعدود هو الذي يحس لا العدد.
واما الاعتراضات الأساسية والجوهرية على هذا الشطر من نظريته فسوق نتطرق لها في البحث القادم بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
===============================================
===============================================

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
دروس في أصول العقائد
(مباحث المعرفة)
(19- الجزء الثاني)
النظرية الحسية ضد النظرية الحسية!
لقد ابتدأ جون لوك حسياً يرى الحواس الخمسة هي المصدر الوحيد الأول للمعرفة، لكنه انتهى بان انكر قسماً كبيراً من الحسيات التي تنقلها إلينا الحواس عن الأشياء مباشرة والتي برهن العلم الحديث وجودها، وشهد الوجدان بوضوح بها وأيضاً التي تكفلت الحواس بذاتها بنقلها إلينا، كل ذلك استناداً إلى برهان عقلي غير صحيح في حد ذاته وغير منتج أبداً لما ادعاه من عدم وجود تلك المحسوسات.
شهادة العلم بحقيقة الصوت والنور والروائح، تكذب النظرية
توضيح ذلك:
أولاً: ان العلم اثبت ان الصوت هو عبارة عن تموجات في الهواء([1]) فهو كيفية للهواء موجودة سواءً سمعناها أم لا وسواءً أكانت لنا آذان أم لا فان الاذن جهاز استقبال فقط ولا تنعدم الأصوات لانعدام أجهزة الاستقبال، بل لقد اثبت العلم وجود الألوف بل مئات الألوف من الذبذبات وأنواع الأصوات في الفضاء فإذا وجد جهاز كالراديو – المذياع - أو غيره أمكنه التقاطها وإلا فهي موجودة سواءً أشئنا أم أبينا وسواءً أعلمنا بها أم لا، كما اثبت العلم ان الذبذبات تحت الـ15 ذبذبة بالثانية أو فوق العشرين ألف ذبذبة – أو 25 ألف – بالثانية لا تسمعها الاذن البشرية رغم انها موجودة ولذا تسمعها بعض الحيوانات.
وإضافة للعلم فان الوجدان شاهد بان الأصوات لا تنعدم إذا لم يوجد من يسمعها ولا الأضواء والأنوار تنعدم إذا لم يوجد من يبصرها، وهل ينعدم نور الشمس أو القمر لمجرد ان زيداً أعمى أو حتى لو فرض ان الناس كلهم صاروا عميان؟!
كما اثبت العلم ان الضوء هو عبارة عن جزيئات تسمى بالفوتونات([2]) وهي موجودة سواءً وجد مبصر لها أم لا.
كما اثبت – وكان ثابتاً قديماً أيضاً – ان الروائح هي جزيئات صغيرة جداً لها أشكال هندسية مختلفة متطايرة من الجسم الزكي الرائحة أو من الجسم المتعفن، تدخل إلى الشامة أي إلى مستقبلات الروائح بالبقعة الشمية داخل تجاويف ممرات الأنف فيحس الإنسان برائحتها، وعلى أي فهذه الأجزاء المتطايرة موجودة سواء أكان لنا جهاز استشمام سليم أم لا.
كما ان الحرارة هي وليدة سرعة حركة الأجسام في الخارج أو الجزيئات في الداخل، وهي موجودة سواء أحسسنا بها أم لا.
ومع ذلك كله كيف يصح قوله (اما الصفات الثانوية كالضوء واللون والحرارة والبرودة فلا توجد في الأجسام أكثر مما يوجد المرض أو الألم في الحلوىManna، فإذا زال عنها الإحساس زالت عن الوجود. فلا وجود للضوء ولا للون بدون العين ولا للصوت بدون الأذن ولا للطعم بدون اللسان ولا للرائحة بدون الأنف!!. وإذا انعدمت الحواس انعدمت معها الألوان والطعوم والروائح وسائر الصفات الثانوية الأخرى ولا يبقى إلا أسبابها أي "كتلة الأجزاء وشكلها وحركتها)([3])!
وبعد هذا كله: ألا ترون ان (الحسية) أضحت سوفسطائية، وانها كانت – على العكس مما يتوهم - في طليعة من قاد ثورة ضد مجموعة من أبرز الحسيات الوجدانية والعلمية؟
وذلك يقودنا إلى استنتاج هام جداً وهو ان الذي ينكر الفطريات التي قال عنها تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) وينكر دور العقل الأساسي في إدراك الحقائق الأولية وينكر عالم الغيب ويحصر الحقائق كلها في المحسوسات، فانه، حيث افتقد بوصلة العقل والفطرة المرشدة، انتهى إلى انكار البديهيات من المحسوسات بأنفسها!
كلماته متناقضة
ثانياً: انه ناقض نفسه بنفسه إذ انكر من جهةٍ وجودَ هذه المحسوسات إذا انعدمت الحواس، ومن جهة اعترف بـ(فافكار الصفات الثانوية تستحدث فينا "بفعل الدقائق اللامحسوسة في حواسنا") فإذا كانت هناك دقائق لا محسوسة من الضوء والرائحة والطعم وجدت فينا وكانت هي السبب في إحساسنا بها فكيف تكون منعدمة إذا انعدمت الحاسة! وهل ينعدم الماء مثلاً إذا انكسر الإناء أو انعدم!([4])
والظاهر: انه خلط بين عدم المحسوسات وعدم إحساسنا بها، وكان ينبغي ان يقول: إذا انعدمت حواسنا انعدم إحساسنا بالطعم أو الرائحة أو... لا انها انعدمت هي بنفسها!
اعتماده على برهان عقلي لانكار الأمر الحسي!
ثالثاً: انه اعتمد في استنباطه عدم وجود هذه الأمور على برهان عقلي ليس إلا، وبذلك يكون الحسي قد استند إلى برهان عقلي لانكار الحسيات!
ذلك ان الظاهر ان السبب الذي حدا به كي ينكر وجود هذه الحسيات التي عبّر عنها بالصفات الثانوية هو أمران: أ- انفكاكها عن الأجسام ب- اختلاف إدراك الناس لها.
ولكن نقول:
أ- ان نفس انفكاكها عن الاجسام أحياناً والتصاقها بها أحياناً أخرى، أكبر دليل على وجودها إذ كيف يعقل ان يكون المعدوم ملتصقاً أحياناً!
كما ان اختلاف إدراكاتنا لها وإحساسنا بها دليل آخر على وجودها([5]) إذ لولا وجودها كيف اثرت فينا؟ والاختلاف إنما هو لاختلاف درجة قابلية القابل وشبه ذلك.
ب- ان نفس هذا الاستدلال – على بطلانه – استدلال عقلي أراد به إبطال وجود أمرٍ حسي فصار مصدر المعرفة لديه العقل قبل الحس، بل ابطلت المعرفة العقلية المعرفة الحسية على حسب ما قرره!!
استدلاله دوري: ينتج توقف الشيء على نفسه
رابعاً: ان استدلاله دَوْري ولا ينتج إلا توقف الشيء على نفسه، أو – تنزلاً – كلاماً غريباً لا يتفوه به جامعي ولا قروي ولا عالم ولا جاهل!
إذ انه يقول من جهة: إذا وُجد تذوق الشيء وجد الطعم وإذا انعدم انعدم – على حسب ناتج كلامه([6])
ومن جهة أخرى لا شك في انه: إذا وجد الطعم([7]) وجد تذوقه([8]) لوضوح انه إذا لم يوجد الطعم لا يعقل ان تتذوقه إذ كيف نتذوق المعدوم إلا إذا كنا حالمين أو واهمين!
والنتيجة: إذا وجد تذوق الشيء وجد تذوقه! أو إذا وجد الطعم وجد الطعم! وهل هذا إلا دور باطل أو تكرار مضحك؟.
والحال كذلك في الحرارة والنور.. الخ إذ يقال: إذا وجدت الحرارة أحسستها وإذا احسست بها وجدت!! وهكذا
لازم كلامه: وجود الصفات الثانوية وعدمها
خامساً: انه يلزم من كلامه وجود تلك الصفات الثانوية (كالطعم والضوء والرائحة) وعدمها في الوقت نفسه، لو وجد في آن واحد شخصان احدهما يتذوقها والآخر لا! أو احدهما يشم والآخر لا! وهكذا
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
======================================

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1751
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 19 شعبان 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14