• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1434-1435هـ) .
              • الموضوع : 153- الجواب 2ـ الإنشاء بإيجاد الهزل ، لا إيجاد المعنى بداعي الهزل فقد خلط بين إيجاد المعنى وإنشاء الاعتبار .

153- الجواب 2ـ الإنشاء بإيجاد الهزل ، لا إيجاد المعنى بداعي الهزل فقد خلط بين إيجاد المعنى وإنشاء الاعتبار

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
كان البحث حول الكذب هزلا وانه هل هو حرام أو لا؟ وقلنا إن الشيخ الأنصاري ذكر انه لا يبعد كون اطلاقات تحريم الكذب هزلا محكمة، وقد ذكرنا انه قد يجاب عن ذلك بوجوه، ووصلنا الى الوجه الثالث وهو ما ذكره السيد الخوئي من أن بعض أقسام الكذب هزلا هي إنشاء فهي خارجة موضوعا عن دائرة الكذب فليست بمحرمة، كما في قول الشخص لآخر مستهزئا به (أنت بطل او أنت ذكي) قاصدا التنقيص من شانه او الاستهزاء او المزاح، فهذا ليس من دائرة الإخبار ليكون كذبا او صدقا، هذا ما مضى. 
 
تكملة نقاش الوجه الذي ذكره السيد الخوئي: 
 
ولقد ناقشنا القول الذي ذكره السيد الخوئي ونكمل ذلك الآن فنقول: 
 
ذكرنا أولا انه عندما يقول (أنت بطل) فهذا ليس بإنشاء ولكنه إخبار، والنكتة البلاغية هي انه يوجد اخباران متعاكسان احدهما مندكّ بالآخر: إخبار بمقتضى ظاهر اللفظ – بظهور أولي – انه بطل، وإخبار آخر بمقتضى باطن وجوهر اللفظ – بظهور ثانوي – بأنه ليس ببطل، فهو اثبات متضمنا نفيا، والإثبات ظاهري والنفي باطني حقيقي. 
 
وبتعبير آخر: انه وبحسب الإرادة الجدية هو نفي، ولكن بحسب الإرادة الاستعمالية هو إثبات([1]), هذا اولا. 
 
تحليل حقيقة الاخبار والإنشاء 
 
وثانيا: ان التحليل الدقيق لحقيقة الإخبار والإنشاء يكشف لنا غير ما يظهر من النظر البدوي الذي بنى عليه المشهور. 
 
وإجمال ذلك ان ما ذكره البلاغيون والأصوليون من تقسيم الكلام الى إخبار وإنشاء وان الإخبار يجري فيه الصدق والكذب والإنشاء لا يحتمل فيه ذلك, أي لا يجري فيه، إن كل ذلك هو مجرد كلام بدوي يطرح للمبتدئ، ولكننا مع التحليل والتعمق والتدقيق سنجد ما هو أكثر من ذلك وهو: 
 
ان الإخبار يتضمن الإيجاد أيضا وليس الإنشاء فقط متضِّمن لذلك، كما سنجد أيضا ان الإنشاء يتضمن الإخبار، وعليه – وهنا الدقة – يمكن وصف كل منهما بالصدق والكذب، كما ان كلاً منهما لا يمكن وصفه بذلك أيضا، من غير تناف ولا تناقض إذ الأمر بحسب اللحاظ، فالخبر بلحاظ يمكن وصفه بذلك وبلحاظ آخر لا يمكن ذلك، وكذا الإنشاء. 
 
أ- في الإخبار هناك إيجاد وحكاية 
 
بيان ذلك: إننا عندما نقول (جاء زيد) فلدينا إيجاد وإخبار، أما الإخبار فواضح إذ هو الحكاية عن الخارج ومعه فلو طابق فصدق وإلا فكذب، 
 
ولكن هناك إيجاد أيضا وهو إيجاد لأركان القضية في ذهن الطرف الآخر, فانه قبل القول (جاء زيد) لم يكن هذا المعنى منتقشا وموجودا في ذهن الآخر, أي: لم يكن يوجد في ذهنه موضوع ولا محمول ولا نسبة، وبقول (جاء زيد) وجد ذلك في الذهن، وعليه فالخبر موجِد لمعنى ذهناً وحاك عن شيء خارجا ففيه جهتان. 
 
ويتفرع على ذلك: ان الخبر بلحاظ إيجاده المعنى في الذهن لا يوصف بالصدق والكذب فلو اخبر احدهم بكلام للشيخ الطوسي وأوجده في الذهن ففي هذه المرحلة ومن هذه الجهة لا يصح ان يقال لهذا الإيجاد ولا للمعنى المنطبع في الذهن بلحاظ موجَديته بأنه صدق او كذب؛ لأنه لا يحتمل الإيجاد ذلك، نعم بلحاظ حكاية المعنى ومرآتيته عن الواقع فهو مورد الصدق والكذب، والحاصل: انه لا يصح ان نصف الإخبار بلحاظ جهة إيجاده أمراً في عالم الذهن بصادق ولا بكاذب هذا هو الشطر الأول من الكلام. 
 
ب- في الانشاء: إيجادان وحكاية 
 
وأما الإنشاء ففيه أيجادان وإخبار([2])، إما الايجاد والإنشاء الاول فهو الطلب في مثل الأمر، فلو قال (جئني بزيد) فان المتكلم قد اوجد أولا الطلب في عالمه ولم يكن موجودا قبله([3])، واوجد ثانياً أركان القضية في ذهن المتكلم كما هو الحال في الإخبار([4]) 
 
إذن: المتكلم في الإنشاء اوجد الطلب خارجا([5]) واوجد المعنى ذهنا فهناك أيجادان وعليه فالإنشاء يشترك مع الإخبار في إيجاد التصور لأركان القضية والنسبة في الذهن، كما انه قد يوجد التصديق أيضا والإذعان، أي: انه علة ناقصة للتصديق لا تامة. 
 
الإنشاء قد يتضمن او يستلزم إخبارا: 
 
ثم إن الإنشاء قد يوجد إخبارا متضمنا وقد يستلزم ذلك([6])، فقد يكون هذا الإخبار مدلولا عليه ببرهان (الإن) وقد يكون متضمنا في الكلام، فانه عندما يقول (جئني بزيد) فان هذا الكلام له ملزوم خبري وهو أن مجئ زيد مطلوب لي جدا، ولو فهمنا عكسه فان ذلك يحتاج الى قرينة وفي كلتا الحالتين هناك إخبار متضمن 
 
تحليل تطبيقي لجملة (ليتك كنت تقيا) 
 
ويتضح ذلك أكثر بالمثال الآتي: فلو قال احدهم لآخر (ليتك كنت تقيا) والتمني كما هو واضح من مصاديق الإنشاء وبحسب الكلام البدوي الذي ذكروه فان التمني إنشاء لا يحتمل الصدق والكذب، 
 
ولكن نقول في هذه الجملة توجد ثلاث أمور: 
 
أ-إنشاء نفس التمني وإيجاده في عالمه 
 
ب- إيجاد تصور الأركان الثلاثة للقضية في الذهن 
 
ج- الإخبار عن عدم تقوى ذلك الشخص وهذا منكشف بالبرهان الإني انتقالاً من المعلول - أي التمني - الى العلة وهي اعتقادي بأنه ليس بمتقٍ([7]) 
 
إذن: في الإنشاء هناك خبر عن واقع وإنشاء لاعتبار مترتب عليه، ويدلك على ذلك ان المقول في حقه ذلك القول قد ينتفض غضباً من اتهامه بانه ليس بمتقي، ولو لم يكن ههنا إلا انشاء التمني لما كان هناك وجه للغضب أو رميه بانه متِّهم له. 
 
والمتحصل: إن الإنشاء بجهة إخباره يحتمل الصدق والكذب. 
 
تعليقنا على قول السيد الخوئي: موطن الخلط والاشكال 
 
وهنا نعلق على ما قاله السيد الخوئي وهو: ". .. إنشاء بعض المعاني بداعي الهزل المحض " ان هذه العبارة هي موطن الإشكال والخلط عنده فهو يصرح بإن المتكلم أنشأ بعض المعاني، ولكن ذلك هو قاسم مشترك بين الإخبار والإنشاء إذ في كليهما ينشِئ ويوجد تلك المعاني في عالم الذهن واما الداعي فليس دخيلا في حقيقة الإنشاء والإخبار([8]). 
 
والخلاصة: هناك خلط بين إيجاد المعنى في الذهن وبين إنشاء الاعتبار في الخارج، وهذا الإنشاء والإيجاد للاعتبار هو الذي يفترق به الإنشاء عن حقيقة الإخبار، ونحن قد بينا ذلك فيما سبق حيث عبرنا (لكن نقول ان الانشاء ليس هو مجرد إيجاد معنى للفظ فان ذلك متحقق في الإخبار أيضا، والإخبار والإنشاء من هذه الجهة على حد سواء، بل الفرق هو إيجاد الاعتبار إضافة للمعنى وعدمه) انتهى. 
 
وبذلك ظهر انه كان ينبغي ان تكون عبارة السيد الخوئي بناءا على ما ذكرناه " بحيث يقصد المتكلم إنشاء الاعتبار إضافة لإنشاء وإيجاد بعض المعاني([9])" 
 
كما ظهر ان الصحيح هو ان يقال: " كون الشيء مصداقا للهزل ليس بالداعي([10])، بل بإنشاء الهزل([11]) "، أي نفس الهزل ينبغي ان يكون منشَئا، ويظهر ذلك بملاحظة نظيره: ان كون الأمر مصداقاً للطلب هو بإنشاء الطلب لا بكون الطلب هو الداعي ولا بإيجاد المعنى فقط([12]) وللكلام تتمة 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
([1]) ولذا صح وصفه بالصدق أو الكذب بلحاظهما. 
 
([2]) وذلك خلاف المعروف والمشهور وليس بمطروح قبلا ولكن التدبر يسوق إليه لا محالة. 
 
([3]) وهذه هي نقطة تميز الإنشاء عن الإخبار حيث ايجاد الطلب 
 
([4]) فقد أوجد الطلب ومتعلقه في الذهن إذ الطلب ليس بلا متعلق بالبداهة. 
 
([5]) أي في عالم الاعتبار. 
 
([6]) بل لا يخلو إنشاء من إخبار سابق رتبة عليه. 
 
([7]) أي حيث اعتقدت انه ليس بمتقي وحيث انه ليس ، تمنيت أن يكون متقياً. 
 
([8]) فلا يصلح مميزاً هو الآخر. 
 
([9]) وهي متعلق الطلب في أكرم زيداً أي الإكرام. 
 
([10]) أي ليس بإنشاء بعض المعاني بداعي الهزل. 
 
([11]) فان الإخبار كذلك قد يكون بداعي الهزل – وهذا جواب نقضي – فانه عندما يخبر شخص عن آخر بخبر ما قاصدا الحكاية عن الواقع بداعي الهزل هذا ليس بإنشاء والحكاية لم تتحول الى إنشاء بمجرد تغير الداعي كما لو قال احدهم (أتمنى أن أصبح عالما) فهو خبر وليس بإنشاء وان كان بداعي التمني. 
 
([12]) فلاحظ الفرق بين قولك (انشأت الطلب بأكرم) وهو الصحيح وبين قولك (انشأت الإكرام – وهو بعض المعاني الذي ذكره – بداعي الطلب بأكرم) وهو خطأ.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=175
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 22 محرم 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23