بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(79)
إشكال: (أحق) أفعل تفضيلٍ فيدل على المشاركة
ثم انه قد يستشكل على الاستدلال بقوله (عليه السلام) في نهج البلاغة: ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ وَأَعْلَمُهُم بِأَمْرِ اللَّهِ فِيه)) بان (احق) افعل تفضيل وهو يدل على المشاركة، أي مشاركة المفضل والمفضل عليه في المصدر (أي المادة التي وردت عليها صيغة أفعل التفضيل) فتفيد الرواية ان لغير الأعلم حقاً إلا ان الأعلم أحق.
الجواب: مادة الحق قرينة على الاختصاص بالحق والتفرد به
وفيه: ان المستفاد عرفاً من افعل التفضيل إذا كانت مادته الحق هو ثبوت الحق لهذا الطرف وعدم ثبوته لذلك لا كون هذا أكثر حقاً من ذاك فخصوصية المادة هي التي أوجبت صرف أفعل التفضيل في (احق) إلى: ذي الحق لا الأكثر حقاً من الاخر، إضافة إلى العلة الغائية والغرض من إيراده (عليه السلام) هذا الكلام فانه كان بصدد بيان ان له الحق دون غيره في الإمامة والخلافة لا ان لغيره حقاً وله (عليه السلام) حق أكثر فلاحظ تمامها ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ وَ أَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ فِيهِ فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ لَا تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ [مَا] فَمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ وَ لَكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ وَ لَا لِلْغَائِب أَنْ يَخْتَار)) ([1]).
ويؤكد ذلك قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية ((فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ...)) فان ذلك في ذي الحق وغيره لا في ذي الحق وذي الحق الأكثر إذ فرض كونه ذا حق يقتضي ان ذا الحق الأكثر أرجح وليس متعيناً، وبعبارة أخرى: لو استحق المعارض للأعلم القتال لدل ذلك بالبرهان الإنيّ ان غير الأعلم ليس بذي حق بالمرة وإلا كيف يصح قتاله مع انه متمسك بحقه أو مع ان المقلِّد يرجع إلى ذي حق؟
وقد يورد على القرينة الأولى بنظير ما سنورده على (الأَولى) في الرواية اللاحقة من ان تحديد المراد منها وهل هو التفضيل أو الأصل مجرداً عنه ([2]) منوط بالمتعلَّق وخصوصياته، وعلى أي فانه غير قادح في ظهور قوله (عليه السلام) هنا بلحاظ المقام والغاية التي تتوقف على ثبوت الأصل وعدمه لا الأفضلية وعدمها وبلحاظ جمله كلامه (عليه السلام).
الاستدلال بـ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ))
كما قد يستدل على تعيّن تقليد الأعلم بقوله (عليه السلام) ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ...)) بتقريب ان المرجع للتقليد "الأعلم" ([3]) هو الأولى بالأنبياء لأخذ أحكام الأنبياء منه) ([4])
الجواب: المحتملات الستة في المراد بـ(أولى الناس)
ولكن قد يورد عليه: ان المحتملات في المراد بـ((أَوْلَى النَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ)) خمسة بل وأكثر:
الأول: أولى الناس بإتباع الأنبياء، وعليه فلا ربط للرواية بالمقام ([5]) إذ انها تتحدث عن حكم الأعلم نفسه وانه أولى الناس بان يتبّع الأنبياء.
الثاني: أولى الناس بان يُتبعوا كالأنبياء، فقد يصح الاستدلال بها على المقام بناء على تعميم الاتباع للأخذ بقوله، لكن هذا الوجه يستلزم تقدير أكثر من محذوف.
الثالث: أولى الناس بان يُستفتوا، وهي على هذا دالة، لكنها كسابقها.
الرابع: أولى الناس بان يرثوا مقام الأنبياء في القيادة والإدارة (غير منصب النبوة) فهي أجنبية عن المقام؛ لما سبق من التفكيك – بلحاظ نفس العنوانين – بين الفتوى والقيادة.
الخامس: أولى الناس بهداية الناس كالأنبياء، فهي أجنبية كالسابق، كما تستلزم تقدير أكثر من محذوف.
وعلى أي فانه لو لم يحرز أحد المعاني السابقة كان المراد مردداً مجملاً فلا يصح التمسك بها على تعيّن تقليد الأعلم.
المعنى السادس الظاهر: الأولى بقول مطلق
لكن الظاهر هو إرادة المعنى السادس وهو:
السادس: أولى الناس بالأنبياء أولوية مطلقة إذ (كلمة أولى الناس بالأنبياء ظاهرة في الأولوية المطلقة التي ليست إلا في الإمام العادل) ([6])
توضيحه ودليله: ان حذف المتعلق يفيد العموم إذ لم يذكر متعلق معيّن في ((أَوْلَى النَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ...)) إذ انه بعد تعذر تعلق (أولى) بالجواهر كالأنبياء كان لا بد من تقدير فعل محذوف كـ(أولى الناس بإتباع الأنبياء) ونظائره مما سبق، وحيث لم يذكر المتعلَّق أفاد العموم أي أولى الناس بإتباع الأنبياء وبان يتبعوا ويستفتوا.. الخ أي أولى الناس من كل الجهات بالأنبياء، وحيث دلت على الأولوية المطلقة انحصرت في الإمام المعصوم (عليه السلام) فكانت أجنبية عن المقام ([7])، إضافة إلى ظهور كون مطلق امثال هذه الرواية هي في الحديث عن الإمامة والخلافة لا المرجعية للفقهاء وحدودها. فتأمل
وليس المراد الاولى بخصوص الإتباع
وبذلك ظهر ان ما ذكره دام ظله من (ظاهرة في الأولوية المطلقة) هو الصحيح وان ما ذكره بعد ذلك بقوله: (وخامساً: ـ ولعلّه الظاهر ـ بأنّ المراد به: الاولى بالاتّباع كما يقال: أولى الناس باتّباع الفقيه أولادُه، وأولى الناس باتّباع المدرّس تلاميذه، ونحو ذلك) ([8]) غير تام ظاهراً فانه إضافة إلى منافاته لما ذكره أولاً، غير تام في حد ذاته إذ تنظيره غير مطابق إذ نظّر بـ(أولى الناس بإتباع الفقيه أولاده) فانه قد صرح ههنا بالمتعلق المحذوف وهو (إتباع) وهذا صريح ولا معنى معه للبحث عن المراد به، إنما الكلام المناظر للمقام هو ان يقول (أولى الناس بالفقيه أولاده) ([9]) وهنا حيث حذف المتعلق تردد بين الاحتمالات الخمسة السابقة وكان السادس هو الظاهر كما سبق.
جواب آخر: (أولى) أعم من الوجوب
كما قد يورد عليه بـ(ورابعاً: بأنّ ((الاولى)) غير ظاهر في الوجوب إن لم يكن ظاهراً في غيره) ([10]).
أقول: مقتضى القاعدة التفصيل بان (أولى) حيث كان من المعاني الإضافية كانت دلالته على الوجوب أو الندب منوطةً بالمتعلَّق فلو كان من الواجبات دلّت (أولى) على الوجوب وإلا فعلى الاستحباب؛ ألا ترى انه لو قال أولى الناس بالصلاة في أول الوقت العلماء، ودل على الاستحباب، ولو قال أولى الناس بالصلاة الشيعةُ، دل على الوجوب.
نعم لو لم يحرز حال المتعلق وشك لما دلت على خصوص احدهما لكن مآل هذا إلى ما قاله ([11]) دام ظله فتدبر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
|