بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(37)
النمّام شاهد زور بلحاظ المصب أو المآل
ي- ان الظاهر ان الإضافة في قوله: "فَإِنَّ النَّمَّامَ شَاهِدُ زُورٍ" هي من الإضافة للمفعول أي انه شاهدٌ زوراً أي شهد أمراً زوراً أي باطلاً، فقد يتوهم ان نتيجة ذلك هو تقوّم النميمة بكون المنقول عن الغير نقصاً له فإذا انتفى النقص انتفت الزورية فانتفت شهادة الزور فانتفت النميمة (لقاعدة الانتفاء عند الانتفاء).
والجواب: ان الزورية – وهي هنا الميلان عن جادة الصواب – قد تكون بلحاظ المصب والمتعلق وقد تكون بلحاظ الغاية والمآل، والنميمة بنقل كمالٍ له من شأنه ان يوجب إيقاع الفتنة والوحشة بينهما وإن لم يكن متعلقها زوراً بالذات وكمصب إلا انه حيث كان الغرض منه إيقاع الفتنة كان ([1]) زوراً مآلاً فان شهادته هي بأمر مائل عن جادة الحق مآلاً وغايةً فصدق عليه بالحمل الشائع انه قال زوراً أو شهد زوراً فكان نميمة، كما يمكن إضافة إلى الاستناد إلى الغاية الاستناد إلى (الملابسة) في مثل الانتقاص كما سبق.
دعوى التفريق بين العرفية والدقية وجوابها
وقد يقال: انه على العرفية فان النقص والانتقاص شرطان لصدق النميمة واما على الدقية فلا لما سبق.
ولكن الظاهر: ان العرف يرى ملاك صدق النميمة ما سبق من الركنين: نقل أمر عن الغير وكونه لإيقاع فتنة أو فساد، واما غيرهما ككونه نقصاً أو انتقاصاً فإنما هو من باب غلبة الوجود، لأن أكثر النميمة كذلك أو حتى غلبة الاستعمال لكن العرف لا يراها بحيث توجب نقل النميمة إلى خصوص بعض أصنافها وهو ما كان نقصاً وانتقاصاً ولا حتى إجمالها، ولئن شك في ذلك وتردد فان في الروايتين السابقتين تأييداً لأعمية النميمة فتدبر في قوله (عليه السلام) "فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ" ([2]) وفي قوله (عليه السلام): "فَإِنَّ النَّمَّامَ شَاهِدُ زُورٍ وَ شَرِيكُ إِبْلِيسَ فِي الْإِغْرَاءِ بَيْنَ النَّاس" ([3]) لوضوح ان الإغراء بين الناس عمل إبليس وهو قبيح محرم سواءً أأغرى بينهم بصدق أم كذب، بنقص أم كمال منتقصاً كان أم لا وكذلك الحال في (الساعي غاش) وقد سبق ما به يشكل على الاستدلال بها أو يجاب فتدبر وتأمل والله العالم.
الظهور العرفي المستقر هو المرجع لا البدوي
تنبيه: سبقت إشارة إلى حكم تعارض العرف مع الدقة ([4])، وهنا نضيف: ان العرف ان بدا له أمر (كاشتراط نقل ما هو نقص في النميمة) فليس بحجة مطلقاً بل إنما هو حجة فيما لو أُلفت إلى منشأ استظهاره وانه كذا وكذا وانه يرد عليه كذا وكذا فلم يتزحزح وبقي مستظهراً وإلا فلا، ومآل هذا لُبّا إلى مرجعيته في الموضوعات والظواهر ([5]) لكن بعد التثبت من كون استظهاره مستقراً لا بدوياً يرتفع بالفاته فلو أُلفت ان اشتراطه – فرضاً – نقل ما هو نقص في صدق النميمة إنما هو للغلبة وانها هي الموهمة وان تمام المدار في النميمة هو النقل لإيقاع فتنة أو فساد، فصدّق ذلك كان المرجع استظهاره المستقر لا البدوي الأولي.
لا يقال: (بلسان قومه) ظاهر في الاستظهار البدوي؟.
إذ يقال: بل نصه هو (لسان القوم) وهو أعم من البدوي والمستقر إن لم نقل بانصرافه للمستقر، ولدى التعارض فان المستقر هو ما يرونه لسانهم، ويشهد لذلك فنون البلاغة وأنواع الكناية المستخدمة في كلمات العرب فان العرف كثيراً ما لا يلتفت إليها وإلى فوارقها ونتائجها فيحكم بوحدة المعنى في التعبير بمثل (اياك نعبد) و(نعبدك) مثلاً إلا انه لو ألفت لأذعن وأقر بأن ذلك هو المرتكز واقعاً فإليه إذاً المرجع. فتدبر
ويؤكد ذلك: مختلف تحقيقات الأصوليين والفقهاء في تشخيص الظهورات، كالقول بالفرق بين المخصِّص المتصل والمنفصل وإخلال محتمل القرينية المتصل بالظهور دون محتمل القرينية المتصل وظهور الأمر بعد الحظر وظهور العام في الباقي.. وهكذا
فروع
ثم بعد ان انتهينا عن التحقيق الموضوعي للنميمة وعن أدلتها وحدودها، ينبغي ذكر بعض الفروع الهامة المتعلقة بها:
هل تجوز النميمة على النمّام قصاصاً ومقابلة بالمثل؟
فمنها: انه هل يجري في النميمة قانون الاعتداء بالمثل لقوله تعالى ((فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ))([6]) و ((وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا))([7]) فلو نمّ عليه فهل يجوز له من باب القصاص أو الاقتصاص أو الاعتداء بالمثل، أن ينمّ عليه بقدر ما نمّ عليه؟
تحقيق الكبرى وحدود ((فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ))
تحقيق ذلك موقوف على تنقيح حال الكبرى أولاً فنقول:
ان ظاهر الجواهر والفقه ([8]) ان قانون الاعتداء بالمثل هو قانون عام خرج منه ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.
قال في الجواهر (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " الذي قيل في سبب نزوله أنه كان أهل مكة قد منعوا النبي صلى الله عليه وآله عام الحديبية سنة ست في ذي القعدة وهتكوا الشهر الحرام، فأجاز الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله وأصحابه أن يدخلوا في سنة تسع في ذي القعدة لعمرة القضاء مقابلا لمنعهم في العام الأول، ثم قال: " والحرمات قصاص " أي يجوز القصاص في كل شيء حتى في هتك حرمة الشهر) ([9])
فكما هتكوا حرمة الشهر الحرام فقاتلونا فيه، يجوز لنا قتالهم فيه وهتك حرمة الشهر الذي إنما كان صونا لكلا الطرفين فإذا لم يصونوا حرمة غيرهم فيه لم تصن حرمتهم فيه.
وقال السيد الوالد في (الفقه) ما مضمونه انه لا يجوز القصاص بالاحراق أو الاغراق فيما لو قتل بالاغراق أو الإحراق وذلك للأدلة الخاصة المخصصة لقوله تعالى: ((فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)). مما يدل على انه يرى الأصل هو الآية الشريفة كقاعدة عامة. وقال أيضاً ما نصه (فان دليل الاعتداء عام قال سبحانه ((فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)) والخارج منه ما يعلم خروجه نصاً أو إجماعاً أو ضرورة، كما لو زنى بزوجته أو فعل معه الفاحشة حيث لا تجوز المقابلة) ([10]) وللحديث صلة وصلى الله على محمد واله الطاهرين
==============================================
|