• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : (1436-1435هـ) .
              • الموضوع : 7- مناقشة النظرية الحسية : 5ـ إدراك الاعدام والعدميات دليل على بطلان الحسية 6ـ المعقولات الثانية المنطقية دليل آخر .

7- مناقشة النظرية الحسية : 5ـ إدراك الاعدام والعدميات دليل على بطلان الحسية 6ـ المعقولات الثانية المنطقية دليل آخر

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
 
دروس في أصول العقائد
 
(7)
 
ردود على الحسيين:
رابعاً: العدم وأحكامه وأنواعه
ومن الردود على الحسيين، مفهوم العدم والمعدوم وسلسلة من أفكارنا وتصوراتنا عنه وأحكامنا عليه فإن معرفة الإنسان تبتني على ركنين: ركن إيجابي هو الوجود والموجودات، وركن سلبي هو العدم والمعدومات، بل إن كل معرفة فهي مزيج من الحقائق الموجودة والحقائق المعدومة.
 
وإليك الشواهد والأمثلة التالية:
 
لا شك في أننا نعرف أنه لا توجد شمس ثانية في منظومتنا الشمسية ولا توجد مياه على الأرض اليابسة، ولا توجد أشجار على صفحة المياه كما أن الكثير منا يعلم أنه لا يمتلك طائرة أو قنبلة ذرية أو حتى منزلاً أو رصيداً في البنك، كما أن الكل يعلم بأن الأمي الذي لم يدرس لا يعلم معادلات الكيمياء والفيزياء المعقدة أو الفلسفة بل إن كل من لم يدرس ولم يتعلم شيئاً بأي طريق فإنه لا يعلمه، والناس كلهم يبنون حياتهم على هذه المعرفة السلبية، فإنهم حيث علموا بأن زيداً ناقص الخبرة أو عديم المعرفة بالطب أو الفلسفة أو الهندسة فإنهم لا يفوّضون إليه بناء جسر أو إجراء عملية زرع كلية لمريض أو غير ذلك.
 
ولكن العدم عدم ـ كما يدل عليه اسمه ووصفه ـ فإن عدم الشمس الثانية عدم وليس وجوداً وعدم الرصيد في البنك عدم وليس وجوداً وعدم العلم عدم وليس وجوداً، وإذا كان العدم عدماً ـ وهو كذلك ـ فيجب بناءً على النظرية الحسية القول بانه لا يمكن إدراكه اذ الحواس لا يعقل أن تلمس العدم لأنه عدم فكيف تلمسه؟ أو تشمه أو تراه لأنه عدم فكيف تراه أو تشمه؟
 
وعليه: فإن من يقول بأن كافة معارفنا تنتهي إلى الحس وتبدأ به وأن كل ما نعرفه ونعلم به فليس إلا انعكاساً من الخارج عبر الحواس، يجب عليه أن يلتزم بأننا لا ندرك الأعدام المطلقة ولا الأعدام المضافة أبداً وأصلاً([1]).
 
وسلسلة الشواهد في الأعدام متنوعة:
 
أ‌-  أعدام الجواهر (كعدم وجود قمر ثان أو عدم وجود عشرة مليارات من البشر على وجه الأرض الآن).
 
ب‌-  أعدام الصفات كعدم كون زيد شجاعاً وعدم كونه كريماً، فهل رأينا عدم شجاعته أي جبنه؟ إذ الجبن هو عدم الشجاعة والبخل هو عدم الكرم كما أن الفسق هو عدم العدل.
 
ت‌-  أعدام الاعتبارات، كعدم ملكية زيد لهذه الأرض وعدم زوجية عمرو لتلك الفتاة فهل عدم الملكية شيء يرى أو يحس؟ فكيف علمنا به؟
 
خامساً: الاستقراء المعلل
ومن الأدلة الواضحة في رد الحسيين: أن العلوم في غالبها تبتني على الاستقراء المعلل و(الاستقراء) تجربي ـ حسي، أما معلليته فعقلية محضة، ولو آمنا بالمذهب الحسي لوجب أن ننكر وجود قواعد عامة ثابتة في كل العلوم (من هندسة وحساب وطب وفلسفة وعلم النفس واقتصاد وغيرها).
 
ولنتدبر في الأمثلة المبسطة الآتية ـ ونجعلها سُلّماً وطريقاً لدراسة حال سائر القواعد.
 
1-   الحديد يتمدد بالحرارة والماء يتبخر بالتسخين حتى درجة 100.
 
2-   المنعكس الشرطي.
 
3- كلما ازدادت الروح قوة ازدادت سيطرة الإنسان على شهواته وعلى بواعث الكسل والخمول وكلما ازداد تحكم الشهوات في الإنسان (كشهوة النوم والراحة) ازدادت الروح ضعفاً وازداد الإنسان عن الكمالات بعداً.
 
ولنأخذ المثال الأول: هل إننا أجرينا التجارب على كل مصاديق الحديد في العالم كله؟ كلا أبداً كما هو واضح، إذ ذلك غير ممكن بل لو كان ممكناً لكان إجراء التجارب عليها جميعاً لغواً وتضييعاً للجهود والطاقات بل انه عمل سفهائي دون شك، بل إننا أجرينا التجارب المختبرية على عدة نماذج من الحديد أو الماء فاكتشفنا جامعاً مشتركاً بين كافة مفردات الحديد فحكمنا بالتعميم.
 
وهنا موطن الشاهد: (اكتشفنا جامعاً مشتركاً وقاعدة عامة) فهل إننا لمسنا هذا الجامع المشترك أو رأيناه أو شممناه مثلاً؟ أم اكتشفناه بعقولنا فقط؟
 
وبكلمة جامعة: إن معرفتنا في أمثال هذه العلوم هي وليدة ركنين معاً:
 
1-   ركن التجربة والإحساس (ومساحتها مجموعة من النماذج).
 
2- ركن الحدس العقلي والإدراك الذهني حيث تدخّل العقل فاكتشف الجامع والقاعدة، من دون أن تنقل إليه (الحواس) الجامع والقاعدة بل ان الحواس نقلت إليه مفردات دون أن تنقل إليه الجامع (القاعدة) إذ الجامع لا يحس ولا يرى إلا اننا اكتشفنا، بقوة العقل والمنطق والاستدلال، الجامع والقاعدة.
 
وهذا كله لو كانت العينات والمفردات التي أجرينا عليها التجارب مادية وحسية، اما لو كانت بذاتها غير مادية ولا حسية فان المعرفة تتوقف على الركن الثاني فقط، والمثال المبسط لذلك قواعد الرياضيات فان إدراك ان أربعة ضرب أربعة تساوي ستة عشر لا تتوقف على مشاهدة أو لمس أي شيء مادي حسي أبداً بل هي عملية عقلية محضة، نعم قد يحتاج بعض الناس إلى الاستعانة بالنماذج المجسدة ليفهموا المعادلات الرياضية إلا انها بذاتها غير متوقفة على ذلك، وهناك تتمات هامة في البحث عن الاستقراء المعلل نتركها للمستقبل وللحديث صلة.
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
==================================
([1]) وأما ما قيل من أن العدم المضاف له حظ من الوجود، فإن وجوده إنما هو في الذهن لا في الخارج، وإلا لما كان عدماً هذا خلف، والفرض أننا نعلم بعدم وجود شمس ثانية في الخارج لا بعدم وجودها في الذهن بل هي في الذهن موجودة على انه لو فرض ان له حظاً من الوجود لكنه وجود لا يحس ولا يلمس ولا يشم أو يذاق أو يسمع، كما ان دعوى ان العقل يخطئ فيرى عدم النسبة نسبة وعدم الفعل فعلاً وان علمنا بالعدم هو عدم علمنا بالوجود، فمغالطة يرفضها الوجدان والذوق السليم، وستأتي إجابة مفصلة عن ذلك، على ان ثبوت ذلك لا يضر بمدعانا في المقام ابداً. فتدبر

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1683
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 8 رجب 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14