• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1434-1435هـ) .
              • الموضوع : 146- تتمة: قاعدة الملازمة لو كانت ظاهرية فستكون محكومة بالأدلة الاجتهادية لا حاكمة ـ المسألة الثانية : هل الكذب مزاحاً جائز؟ الأقوال الأربعة : الحرمة مطلقاً والجواز مطلقاً وتفصيلان 1ـ دليل الشيخ على الحرمة مطلقاً : الروايات .

146- تتمة: قاعدة الملازمة لو كانت ظاهرية فستكون محكومة بالأدلة الاجتهادية لا حاكمة ـ المسألة الثانية : هل الكذب مزاحاً جائز؟ الأقوال الأربعة : الحرمة مطلقاً والجواز مطلقاً وتفصيلان 1ـ دليل الشيخ على الحرمة مطلقاً : الروايات

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
 
الثمرة: قاعدة الملازمة الظاهرية محكومة بالأدلة لا حاكمة 
 
ونذكر تتمة موجزة ودقيقة لما مضى فإننا قد ذكرنا سابقا أن مقتضى القاعدة إن مثل (لا حرج) و(لا ضرر) حاكمة على الأدلة الأولية وهذا واضح, فانه إذا أصبح الصوم حرجيا انتفى وجوبه او انتفى جوازه([1]), وكذلك إذا أضحت الواجبات الأخرى([2]) حرجية ارتفعت بلا حرج وارتفعت كذلك بسائر مبادئ الاستنباط – لو قبلنا بها –، 
 
ولكن - وهنا موطن الشاهد – انه لو التزمنا بكلام صاحب الفصول حيث اثبت الملازمة بين حكمي العقل والشرع بالأصل النافي لوجود جهة مزاحمة لقبح الكذب او لحسن الصدق مثلا، فإذا قلنا ان قاعدة الملازمة تتم ببركة الأصل الجاري فنتاج ذلك أن مطلق المبادئ والأصول فستتنزّل من حاكميتها على الأدلة الاجتهادية الى محكوميتها بها، وهذا فارق كبير جداً وهي ثمرة مهمة جدا([3]). 
 
ونوضح ذلك بمثال: 
 
إننا لو قلنا: إن (لا حرج) ثابت بالدليل الاجتهادي – كما هو كذلك - فالأمر سهل وميسر، فان دليل لا حرج يكون حاكماً على الأدلة الأولية، ولكن لو ثبتت (لاحرج) بقاعدة الملازمة وقلنا بكونها ظاهرية([4]) – وكمثال تطبيقي – فان العقل عندما يلاحظ الحرج فيدرك حسن رفعه ثم يشك هل هناك جهة حُسْنٍ في وضع الحرج وجعله؟ أي يشك في وجودِ حسنٍ مزاحِم مقابِل (فان الاطاعة الحرجية تتضمن تمريناً وترويضاً للنفس ومجاهدة لها وفيها مزيد الثواب([5])، فلو أتى المكلف بهذا العمل الحرجي لحصل على كل هذه الجهات) وعلى كل حال لو شككنا في وجود هذه الجهات المحسّنة - وهنا موطن كلام صاحب الفصول – كما ذكرنا وبينا ذلك، فان هذه الجهات المشكوكة والمزاحمة تنفى بالأصل. 
 
وهنا نقول: ان قاعدة الحرج وبقية المبادئ لو أثبتت بهذه الطريقة فإنها ستكون محكومة باطلاقات الأدلة المحرزة لجهات الحسن والمصالح بالبرهان الأني، وذلك كاطلاقات أدلة الصوم، ولا تكون حاكمة عليها؛ وذلك لان إطلاق دليل الصوم - وهو دليل اجتهادي - سيكون منقحا لحال الحرج - وهو الموضوع في القاعدة – ويثبت ان هذا الحرج الموجود حَسَنٌ وحسنه مقدم على قبح جعله، ولذا أوجب الشارع الصوم مطلقاً. 
 
وبعبارة أخرى: إننا في قاعدة الملازمة الظاهرية قد شككنا في وجود جهة حسن في وضع وتشريع الحرج او لا، فاردنا نفيها بالأصل ولكن دليل الصوم وبالبرهان الإني([6]) يكشف عن الحسن الثبوتي في الصوم فان أحكام الشارع تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها، كما انه يستكشف من إطلاق دليل الصوم حسنه بقول مطلق (أي حتى الحرجي منه) 
 
بعبارة أخرى: انه من ايجاب الصوم بقول مطلق يستكشف ان الصوم محبوب ومراد وانه وان كان حرجيا إلا انه حرج حسن فيكون الدليل الاجتهادي منقحا لموضوع الأصل ونافيا لإمكان إجرائه بنفيه الشك . 
 
إذن: الدليل الاجتهادي بإطلاقه يرفع موضوع الأصل (الشك) فتدبر([7]) 
 
والنتيجة النهائية: ان الدليل على حرمة الكذب بقول مطلق هو آية واحدة وهي (اجتنبوا قول الزور)، وأما دليل العقل فلا يدل على الحرمة إلا في الجملة , 
 
وعليه: فلا يعلم حكم العقل بحرمة الكذب هازلا أو حرمة القصص المخترعة 
 
المسالة الثانية: الكذب مزاحا او هزلا 
 
وننتخب مسألة أخرى وهي مورد من موارد الاستثناء المدعى، وهي الكذب مزاحا او هزلا فانه على ما قيل يُعدّ من المستثنيات 
 
ومورد البحث هو: هل يحرم الكذب في مقام المزاح او لا ؟([8]) 
 
الأقوال في المسألة: 
 
والأقوال - او المحتملات - في المسألة وبحسب استقراء ناقص هي أربعة: 
 
الرأي الأول: حرمة الكذب الهزلي مطلقا 
 
الشيخ الأنصاري في مكاسبه لم يستبعد حرمة الكذب الهزلي مطلقا قال (ويحتمل غير بعيد حرمته لعموم ما تقدم...) وان كان الشيخ في بداية بحثه قد استقرب الحلية إذ قال: (فلا يبعد انه غير محرم). 
 
الرأي الثاني: جواز الكذب هزلا مطلقا 
 
وهو ما ذهب إليه المحقق الايرواني في حاشيته على المكاسب من جواز الكذب هزلا مطلقا، وهذا الرأي هو في قبال ما ذكره الشيخ الأنصار ي.([9]) 
 
الرأي الثالث: التفصيل بين الكذب إخبارا وإنشاء 
 
وهو رأي السيد الخوئي و آخرين حيث ارتأوا التفصيل وقالوا (إجمالا) بان الكذب إذا كان هزلا وإخباريا أي في مقام الإخبار هازلا فهو حرام وأما إذا كان هزلا إنشائيا فليس بحرام، لكنه فصّل من جهة أخرى وسيأتي تفصيل ذلك ان شاء الله تعالى. 
 
الرأي الرابع: تفصيل آخر للسيد الوالد 
 
وأما الرأي الرابع فهو ما ذهب اليه السيد الوالد حيث رأى تفصيلا آخر غير ما ذكره السيد الخوئي حيث لم يقبل بتفصيله، فانه قال: ان الكذب سواء كان هزليا إخباريا او إنشائيا فهو حرام وسيأتي تفصيل ذلك ان شاء الله تعالى كذلك، 
 
وعليه: لابد من ملاحظة أدلة كل رأي ومناقشته والموازنة بين الآراء للوصول الى المنصور والمستظهر 
 
أدلة الرأي الاول: حرمة الكذب الهزلي مطلقاً 
 
ونبدأ بأدلة الرأي الأول فان دليل الشيخ الأنصاري على عدم استبعاد حرمة الكذب بقول مطلق هو الروايات، حيث يقول: (ويحتمل غير بعيد حرمته لعموم ما تقدم خصوصا الخبرين الأخيرين)([10]) انتهى. والظاهر ان هذا هو ما ارتضاه نظراً لاستدلاله على الحرمة بالأخبار دون ردها. فتأمل 
 
والروايات هي([11]): 
 
الرواية الأولى: مرسلة سيف بن عميرة([12]) 
 
فعن سيف بن عميرة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال كان يقول علي ابن الحسين (عليه السلام) لولده: (اتَّقُوا الْكَذِبَ الصَّغِيرَ مِنْهُ وَالْكَبِيرَ فِي كُلِّ جِدٍّ وَهَزْلٍ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَذَبَ فِي الصَّغِيرِ اجْتَرَى عَلَى الْكَبِيرِ أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ مَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَصْدُقُ حَتَّى يَكْتُبَهُ اللَّهُ صِدِّيقاً وَمَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ حَتَّى يَكْتُبَهُ اللَّهُ كَذَّاباً)([13]) 
 
الرواية الثاني: خير الحارث الأعور 
 
عن الحارث الأعور عن الإمام علي (عليه السلام) قال: (لَا يَصْلُحُ مِنَ الْكَذِبِ جِدٌّ وَلَا هَزْلٌ وَلَا أَنْ يَعِدَ أَحَدُكُمْ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يَفِيَ لَهُ إِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَالْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ يَكْذِبُ حَتَّى يُقَالَ كَذَبَ وَفَجَرَ وَمَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ يَكْذِبُ حَتَّى لَا يَبْقَى مَوْضِعَ إِبْرَةٍ صِدْقٌ فَيُسَمَّى عِنْدَ اللَّهِ كَذَّاباً)([14]). 
 
ثم ذكر الشيخ روايتين اخريين هما: 
 
الرواية الثالثة: رواية الخصال 
 
عن الخصال بسنده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (انا زعيم بيت في أعلى الجنة وبيت في وسط الجنة وبيت في رياض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا([15]), ولمن ترك الكذب وان كان هازلا ...) . 
 
الرواية الرابعة: 
 
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لا يجد الرجل طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده " , 
 
هذه هي أدلة الرأي الأول. 
 
أدلة الرأي الثاني: 
 
وأما الرأي الثاني وهو للمحقق الايرواني حيث يقول: "الكذب في مقام الهزل جائز مطلقا" فانه قد يستدل على ذلك: بالسيرة، وانصراف الأدلة([16]) وكذلك: ان هذا ليس بكذب موضوعا. وللكلام تتمة 
 
وصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
 
([1]) على الرأيين 
 
([2]) إلا في ما وضع وشرع موضع الحرج كالجهاد. 
 
([3]) فلاحظ وتدبر فلعل هذا البحث ليس بمطروق قبلا بهذه الطريقة 
 
([4]) وهذا حسب مبنى صاحب الفصول 
 
([5]) حيث ان (خير الأعمال احمزها) 
 
([6]) حيث اوجب الصوم كشف عن حسنه الثبوتي، وذلك انتقال من المعلول إلى العلة 
 
([7]) إذ قد يورد على ما ذكرناه انه دوري ولكن هذا الإشكال مندفع لدى الدقة والتأمل 
 
([8]) وهذه مسألة شديدة الابتلاء فان الناس بأصنافهم وطبقاتهم حتى بعض المتدينين يتمازحون فيما بينهم كذبا كان يقول احدهم للاخر مازحا أنت بطل ضرغام بينما هو ضعيف وجبان وهكذا 
 
([9]) ان كان يوجد قيد في كلامه كما سيأتي لكن عبارته (لا إشكال في جواز الكذب في مقام المزاح لاسيما مع قيام القرينة على المزاح) حاشية المكاسب للايرواني ص230 -231. 
 
([10]) المكاسب ج1 ص149 ط إسماعيليان. 
 
([11]) واستشكل عليها السيد الخوئي بان سندها غير تام ودلالتها كذلك، فلابد من بحث كلا الجهتين كما سيأتي. 
 
([12]) الشيخ يبني على حجية المراسيل درائيا ورجاليا ولذا لا نجده يبحث في كتبه المختلفة عن الأسانيد كما هو واضح فان أية رواية موجودة في كتب الأصحاب إذا اعتمدوا عليها فهي حجة عنده 
 
([13]) الكافي ج2 ص338، وسائل الشيعة ج12 ص250. 
 
([14]) وسائل الشيعة ج12 ص250، وبحار الأنوار ج19 ص259 باب 114. 
 
([15]) الجدل المذموم هو الذي لا يقصد به إظهار الحق وإحقاقه وإبطال الباطل وإنما مجرد إظهار الفضيلة الذاتية والانا 
 
([16]) على فرض الدخول موضوعاً في الكذب.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=168
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 16 ذو الحجة 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 20