بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(27)
التحقيق: التفصيل حسب المباني في تعريف النميمة والغيبة
والتحقيق ان تمامية الاستدلال بأدلة حرمة الغيبة على حرمة النميمة مطلقاً أو في الجملة مرتهن بالمبنى في كل منهما والمسلك المختار في تعريفهما. وتفصيله:
تعريف الشهيد الثاني للغيبة
ان الغيبة عرفت بتعاريف مختلفة، فقد عرفها الشهيد الثاني في كشف الريبة بـ(ان الغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصاً في العرف بقصد الانتقاص والذم).
فقد قيّدها بقيود ثلاثة (ما يكره نسبته إليه) وسيأتي الكلام حوله و(مما يعد نقصاً) و(بقصد الانتقاص) ([1]).
وعلى هذا التعريف تكون النسبة بين الغيبة والنميمة العموم والخصوص من وجه فلا يصح الاستدلال بحرمة احداهما على حرمة الأخرى إلا في مادة الاجتماع فيكون قليل الفائدة؛ وذلك لأن النميمة لا يشترط فيها أي من الشروط الثلاثة ([2]) أما الأول فسيأتي واما (النقص) فان النميمة صادقة عرفاً وبالحمل الشائع فيما إذا نقل فعلاً أو كلاماً منه مما لم يكن نقصاً له بل كان كمالاً أو واجباً عليه، إلا ان النقل إذا كان على وجه الشر والإفساد وإيقاع الفتنة بينها فانه نميمة محرمة وان لم يكن غيبة، ويمكن التمثيل له بما إذا استشار أهل المرأة مثلاً زيداً في أمر عمرو الذي أقدم لخطبتها فأجاب زيد بما يعلمه من عمروٍ من نقائصه إذ المستشار مؤتمن وهو من مستثنيات الغيبة، فان كلام زيد عن عمرو ليس نقصاً له – أي لزيد - بل هو واجب عليه ان يقول لهم الصدق عنه فلو نقل بكر كلام زيد عن عمرو لعمرو فانه ليس غيبة له – لزيد - بناءاً على اشتراط ان يعد نقصاً له في العرف فان عمل المستشار الناصح ليس شيناً ونقصاً له، لكنه – أي بكر – إذا نقل كلام زيد عن عمروٍ لعمروٍ أو لأهله فأثار فتنة بين الفريقين فانه نميمة – خاصة إذا كان نقله لعمرو بقصد انتقاصه كما هو مقتضى قيد الشهيد الثالث – وليس بغيبة كما سبق لعدم انطباق القيد الثاني في تعريف الشهيد للغيبة على ذلك.
وكذلك لو نقل نقصاً فيه لا بقصد الانتقاص بل ليجمع له المال منهم مثلاً فأثار فتنة بين الفريقين فانه نميمة وليس غيبة كما لو نقل لهم ان ابنهم العاطل عن العمل يستجدي الناس – وان كان مضطراً – بقصد جمع المال من أسرته له لا بقصد انتقاصه فأثار حفيظتهم والفتنة بينهم فانها نميمة ان لم نشترط قصد الإيقاع، لا غيبة. فتأمل ([3])
بل وكذا لو نقل الكمال لا بقصد الانتقاص ولكن كان مما يثير الفتنة كما لو نقل له نجاح ابن عمه في امتحان الجامعة بقصد تعظيمه لكن بما يعلم انه يثير حسده والفتنة بينهما، فانه نميمة وليس غيبة. فتأمل ([4])
ما عرّفها به الرسول (صلى الله عليه وآله)
كما عرف الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الغيبة بـ"ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُه..." ([5]) والمراد بالموصول اما النقص أي بنقص فيه يكرهه فيكون حاله كما ذكر، أو نفس الكلام (وإن تضمن ذكر كمال له) بان كان نفس الكلام عنه – لكونه استهزائياً أو لغير ذلك – مما يكرهه فيكون غيبة لكنه غير مشترط في حد النميمة.
كما ان المراد بـ(يكرهه) اما كراهة وجوده وإن لم يكره ظهوره ([6]) أو كراهة ظهوره وإن لم يكره وجوده ([7]) وسيأتي.
ما عرفها به الصادق (عليه السلام)
كما عرف الإمام الصادق (عليه السلام) الغيبة بـ((الْغِيبَةُ أَنْ تَقُولَ فِي أَخِيكَ مَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ أَمَّا الْأَمْرُ الظَّاهِرُ فِيهِ مِثْلُ الْحِدَّةِ وَ الْعَجَلَةِ فَلَا، وَ الْبُهْتَانُ أَنْ تَقُولَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيه)) ([8]) وهل هذا عبارة أخرى عن ذاك أو غيره؟ مورد بحث ليس هنا مجاله.
فإذا لم يكن مما ستره الله عليه لكن نقله للغير أورت الفتنة والإيقاع بينها فانه نميمة وإن لم يكن غيبة، وللكلام حول ذلك تتمة تأتي بإذن الله.
تعريفات النميمة
اما النميمة فقد عرفت بتعاريف:
تعريف الفقه للنميمة:
منها: ما عرفها به السيد الوالد في فقه المكاسب المحرمة ([9]) (النميمة: نقل الكلام ونحوِه، كالإشارة والكتابة، من شخص إلى آخر على وجه الإفساد والشر صادقاً كان أم كاذباً).
فقد عمم النميمة للنقل الكاذب أيضاً فهي نميمة وليست غيبة بل هي بهتان إذ الغيبة يشترط فيها صدق المنقول.
تعريف المكاسب للنميمة:
ومنها: ما عرفها به الشيخ أولاً بـ(وهي نقل قول الغير إلى المقول فيه) وهذا بظاهره أعم من النميمة وإن كان مثاله يوضح قصده، ثم عرفها ثانياً بـ(سعى به لإيقاع فتنة أو وحشة)
وهذا التعريف أعم من الغيبة من وجه إذ (سعى به) أعم من كونه صادقاً أو كاذباً – فهو كتعريف الفقه من هذا الجهة فهي نميمة ان كان كاذباً وليست غيبة واما العكس بان تكون غيبة لا نميمة فذلك كما لو نقل له كلامه كما صدر منه لكنه لم يكن لايقاع فتنة أو وحشة بل قد يعلم بان نقل كلامه – وإن كان سلبياً عنه – قد يورث الإصلاح والالفة كما هو مشاهد كثيراً حيث قد يحذر المنقول من عواقب موقفه الذي استدعى كلام الآخر ضده فيلجأ للصلح والإصلاح. فتأمل وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
=============================
|