• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : دراسات وقراءات .
              • الموضوع : دراسة في كتاب "نسبية النصوص والمعرفة ... الممكن والممتنع" (17) .

دراسة في كتاب "نسبية النصوص والمعرفة ... الممكن والممتنع" (17)

 

المقاربة النقدية لنظرية كانت المعرفية

موقع الامام الشيرازي 

"كانت" وتأثير الخلفيات الفكرية والقبليات النفسية

يقارب السيد المؤلف نظرية "كانت" المعرفية, بأن هناك نوع من الصلة, بين الإنسان كذات عارفة, وبين الموضوع المراد معرفته، وبذلك تتحقق المعرفة, وتتشكل الروابط بين الإنسان, وبين الموجودات الأخرى، ولكن  تلك الصلة لا تمثل وسيطاً أميناً, لنقل الموضوع كما هو في الخارج، وإنما تتدخل النفس, وما تحمله من تصورات, لتقوم بعملية تلوين الخارج, بما ينسجم مع هذه النفس، بل تجعل النفس هي محور المعرفة، والواقع يدور مدارها, ومنها تنعكس المفارقة بين "الشيء كما يبدو لنا", وبين "الشيء كما هو في الواقع", أي الشيء لذاته وفي نفسه.
"النومن والفنومن" في النظرية "الكانتية"
هذان المفهومان, يمثلان التعبير عن الواقع والظاهر, حيث يعبر عن المرتكزات المعرفية واللاهوتية في النموذج "الكانتي", بالتفريق بين الواقع والظاهر, وذلك بالإشارة الى التفريق بين "النومن" و"الفنومن", وفي اللغة فان "الفنومن" Phenomenon, تعني الظاهرة, ومنها استنبط مذهب "الفينومينولوجيا" phenomenology, التي تعني  التمظهر أو الظواهرية أو الظاهراتية, حسب الأدبيات الفلسفية المتباينة, بينما "النومن" أوnominal  لغة, تعني الحالة الإسمية لمعنى المفردة, وتعبّر بذلك, عن قبول الإختلاف بين "الحقيقة كما هي", و"الحقيقة كما تبدو لي", وإنكار مطابقة الذهن للواقع الخارجي، بعدم تطابق "الفنومن" مع "النومن"، وهو أبرز ما في النسبية العلمية.
مذهب الظاهراتية أو "الفينومينولوجية"
الفينومينولوجيا Phenomenology, أو الظواهرية, هي الفلسفة التي أقامها الفيلسوف الألماني "ادموند هوسرل 1859 ــ 1938"، على أساس الشعور المجرد المحض, وذلك لكونه المجال المحايد للمعرفة اليقينية، ولاتصافه بصفة القصدية Intentionality دائماً وبالضرورة، وهذه الصفة جوهرية وأساسية في الفلسفة الظواهرية، فمن خصائص الشعور, أنه يتجه قصداً الى الأشياء التي تواجهه, وذلك من أجل أن يدركها, فيحولها الى ظواهر, ذات طبيعة ماهوية ثابتة، تكون هي الأساس, التي تبدأ منه كل معرفة يقينية.
إن هذه الفكرة في قصدية الشعور, قد استعارها "هوسرل", من أستاذه الفيلسوف وعالم النفس النمساوي "فرانس برنتانو 1838 ــ 1916", الذي أشار إليها في كتابه "كشف النفس", وهو محاولة لوضع تخطيط منطقي للتصورات الذهنية, باعتبارها تمهيداً ضرورياً لأي علم نفس تجريبي.
المرتكزات النقدية في نقض نظرية "كانت"
يجمل السيد المؤلف مداخلته النقدية, بمجموعة من المرتكزات, التي يقارب بها هذه النظرية, وفق منهج حفري استقصائي, ونبش منهجي "أركيولوجي", للمدركات النظرية ونصوصها, أوّلها إن النسبية الذاتية, تعترف بوجود حقائق في الخارج، فهناك حقائق عينية موجودة في الخارج، وأن هذه الحقائق في ذاتها، وفي نفسها لها وجود, فهنالك للأشياء حقائق في حد نفسها, هي ما تسميها النظرية "النومن", في مقابل "الفنومن"، فالشيء في حد ذاته, له وجود واقعي خارجي.
ويشير السيد الباحث في هذه الجزئية, لموضوعة ونقطة فلسفية, هي أن الحقائق على أقسام, فمنها حقائق عينية, ومنها حقائق انتزاعية, ومنها حقائق اعتبارية, لأن الاعتباريات هي حقائق أيضاً, وهناك فوارق بينها، توضح قصور التفريق, بين "الفنومن" و"النومن", وهنا يخلص الباحث, أن إنكار الحقيقة ذاتها, هو حقيقة من الحقائق, لا يمكن للفرد إنكارها، وإلا لأنكر أنه منكر للحقيقة، وهذه مفارقة, يصفها الباحث "بالمهزلة الحقيقية".
والموضوعة والنقطة الثانية, أنه لنا نحن أيضاً, إدراكات معينة, عن تلك الحقائق الخارجية, فيما أن الموضوعة والنقطة الثالثة, أن تلك الحقيقة الخارجية, مستترة خلف سلسلة من الظواهر، ونحن لا نرى إلا الظاهر منها فقط، وأنّ الموضوعة والنقطة الرابعة, إذ يقول "كانت", أن هذه الحقيقة الكامنة, التي هي "النومن", هي العلة "للفنومن"، أي أن ذلك الواقع الخارجي الثبوتي, هو العلة لتلك الظواهر، فالظواهر تعود للبواطن، والبواطن علل للظواهر, وثم الموضوعة والنقطة الخامسة, أن إدراكنا لتلك الحقيقة, متلون بقناعاتنا الفكرية المسبقة، وبأفكارنا وبالظروف المحيطة بنا، وبحالات الفرد النفسية.
مطابقة قاعدة "النقائض" على نظرية "كانت"
يعرض السيد الباحث لنظرية "كانت" في قوله, أن "الشيء هو في حدِّ نفسه", ولكنه  ما لا يمكن إدراكه, حسب رأيه، إذ أن الحقيقة المطلقة لا ندركها، لأن الحقيقة المطلقة, في "حد ذاتها", شيء و"هي كما تبدو لي", شيء آخر، فإن الشيء كما يبدو لي, يعني بتلوين نفسي, وقناعاتي المسبقة, والضغوط الاجتماعية, والنفسية والاقتصادية والسياسية, فتتصور لي الحقيقة, والشيء بشكل معين, غير ما هو عليه في الواقع.
فيخلص الباحث, الى إن التفريق الذي أسسه "كانت", بين الشي في ذاته والشيء كما يبدو لي ولأجلي، يشكل مفارقة جوهرية, تؤسس لنقض النظرية، فالقول أن هناك "نومناً" أي حقيقة، أو شيئا في حد ذاته، يؤسس لتساؤل منطقي, في كيفية إدراك الفرد, أن هناك "نومن" أي "الشيء في حد ذاته"، وهو شيء مطلق، وفي مرحلة معارفنا, هناك تلون، وتشكل، وتشتت, فقد لا يكون في الواقع "نومن"، بل إن قبليات "كانت", وخلفياته الفكرية والمعرفية والنفسية, هي التي صورت له وجود "النومن".
نظرية "كانت" وأثرها في تحطيم السلم الأهلي
يقارب السيد المؤلف أثر نظرية "كانت", في السلم الأهلي, بأن الداعين لهذه النظرية, يتصورون أن النسبية, تؤسس إلى نزع أسباب الاختلاف والتناحر بين البشر, لأن سبب كل اختلاف, يرجع إلى التباين في وجهات النظر، ورؤية كل فرد, أنه المحق والآخر هو المخطئ، في حين أن هذه النظرية, تجعل الجميع محقاً.
لكن الباحث يخلص, الى أن هذه النظرية, بحد ذاتها, تنسف السلم الأهلي، وحتى السلم العالمي, والحقوق المشروعة للشعوب, لأنها تفتح المجال لكل فرد, لأن يتلاعب بالحقيقة، فالعدل يبدو لي هكذا، والوفاء يبدو لي هكذا، والغدر أو الكذب يبدو لي هكذا, وتستمر هذه التداعيات السلبية, في كل شون الحياة، حتى على مستوى الأسرة.
مخرجات البحث في نقد النظرية المعرفية النسبية
ويثبت الباحث, أنه قد أقام على نقض هذه النظرية, بالعديد من الشواهد والأمثلة, في حقول "الفطريات" و"الأوليات"، وفي مجالات "العلوم الاجتماعية" أيضاً، من قبيل أن "العدل حسن", بوصفه حقيقة لا تتلون, بما هي حقيقة, مهما كانت قبليات الإنسان ونفسياته، وبالتالي يتطابق فيها, "الشيء في حد ذاته"، و"الشيء كما يبدو لي".
ويخلص الباحث, أنه من الصحيح, أن يوجد هناك عالمان, وهما "عالم الشيء في حد ذاته"، و"عالم الشيء كما يبدو لي"، أو بالتعبير الأدق, عالم الأعيان وعالم الأذهان، لكن هذا العالم, كثيراً ما يطابق ذاك العالم, وهو ما يعد مقدمة, لنقض نظرية "كانت", ومخرجاتها في النسبية.
ويؤكد الباحث, بأنه صحيح, أن هذه الحقيقة الخارجية, لا تنتقل بنفسها وبإنيتها إلى الذهن، وإنما تنتقل صورة منها على رأي، أو شبح، أو أي شيء آخر, على الأقوال المختلفة, في نظرية العلم وحقيقة العلم، كالقول أن "للشيء غير الكون في الأعيان, كون بنفسه لدى الأذهان", لكن هذه الصورة أو الشبح, مطابقة للواقع, وقد عصت عن أن تتلون وتتشكل.
وقد ذكر الباحث لذلك, أمثلة كثيرة في معرض البحث، وأضاف في هذا المبحث, شواهد وقواعد أخرى من علم الاجتماع، وعلم الإدارة، وعلم الاقتصاد، وهي جميعاً من العلوم الإنسانية, التي هي بالأساس محط اهتمام هذا البحث.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1621
  • تاريخ إضافة الموضوع : 28 صفر 1434هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28