• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 523- اشكالان آخران ــ تحقيق ان المراد بالحكم باب القضاء لا الفتوى ، وقرائن عديدة .

523- اشكالان آخران ــ تحقيق ان المراد بالحكم باب القضاء لا الفتوى ، وقرائن عديدة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
 
تقليد الأعلم
 
(47)
 
6- تعيين الأعلم واجب، لا تقليده
 
الوجه السادس: ان غاية ما تفيده الرواية ان تعيين الأعلم([1]) (الأعم من القاضي والمفتي، على فرض التنزل وتسليم ذلك) واجب على الوالي، ولا يستلزم ذلك تعيّن تقليده أو الرجوع إليه بخصوصه على الناس.
 
ان قلت: الملازمة عرفية وإن لم تكن دِقّية، كما ذكروا مثل ذلك في قوله تعالى: ( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)([2]) فان وجوب الإنذار يستلزم وجوب القبول والحذر عند الإنذار عرفاً.
 
قلت: ذلك وإن صح ككبرى وفي ذلك المقام أيضاً([3]) إلا انه لا يصح في هذا المقام وذلك لخصوصية خاصة هنا اقتضت ذلك وهي أدلة جواز الرجوع إلى قاضي التحكيم التي أفتى على طبقها الكثير من الفقهاء – بل هو المشهور – فان ضميمة أدلة جواز الرجوع إلى قاضي التحكيم – وهو من تراضى به الطرفان، من غير ان يكون منصوباً من قبل الإمام ( عليه السلام ) أو نائبه القائم بالأمر – إلى مثل قوله ( عليه السلام ) (اختر للحكم بين الناس...) يقتضي ذلك التفصيل وهو ان وظيفة الوالي تعيين الأعلم ونصبه واما الناس فهم مخيرون بين الرجوع إليه وبين الرجوع إلى غيره ممن تراضوا به.
 
ويؤكده ما ذهب إليه بعض الفقهاء من عدم اشتراط حتى الاجتهاد فيه – أي في قاضي التحكيم وإن كان المنصور خلافه إلا انه لا ريب في عدم اشتراط كونه أعلم.
 
والأدلة على صحة الرجوع إلى قاضي التحكيم عديدة، وتكفي هنا الإشارة إلى دلالة المقبولة على ذلك إذ ورد فيها (فَإِنْ كَانَ كُلُّ رَجُلٍ اخْتَارَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ فِي حَقِّهِمَا وَاخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا وَكِلَاهُمَا اخْتَلَفَا فِي حَدِيثِكُمْ  قَالَ الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَأَوْرَعُهُمَا...))([4])
 
إذ لم يردع الإمام ( عليه السلام ) عن اختيار كل منها رجلاً وعن التحاكم إليه، ولم يستفصل ( عليه السلام ) عن كونهما منصوبين أولا، بل ظاهر السؤال([5]) عدم النصب الخاص. فتأمل
 
وقال في المسالك: (وأما التحكيم وهو ان يحكم الخصمان واحداً من الناس جامعاً لشرائط الحكم، سوى نص من له التولية، فالمشهور بين الأصحاب جوازه، بل لم يذكروا فيه خلافاً، وقد وقع في زمن الصحابة ولم ينكر أحد منهم ذلك وروى ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال: من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل فعليه لعنة الله، ولو لم يكن لحكمه اعتبار ولزوم لما كان لهذا التهديد معنى، ولكان التحذير على فعله لا على عدم العدل، لأن التهديد على عدم العدل يدل على ان العلة عدمه، ولو لم يكن جائزاً لكان التهديد بالأعم أولى – انتهى)([6]).
 
وقال السيد الوالد في الفقه([7]): (نعم، ينبغي ان يتكلم في انه إذا كان فقيه مبسوط اليد مستولياً على البلاد ينصب الولاة والقضاء ويجبى الأموال، ويقوم بشؤون الحرب والسلم إلى غير ذلك من الشؤون العامة للأمة، فهل يحق لمتاخصمين ان يتحاكما إلى مجتهد آخر ليس منصوباً للقضاء من جانب الفقيه المبسوط اليد؟ احتمالان من إطلاق أدلة التحاكم إلى الجامع للشرائط فأي تاثير بعد ذلك لمبسوط اليد، ومن ان مثل ذلك يوجب الهرج والمرج، وان الاذن بالرجوع إلى كل جامع للشرائط لا يشمل المقام، لانصرافه عما إذا كان حكم قائم باذنهم عليهم السلام).
 
وقال (لا إشكال في تصور قاضي التحكيم في زمان الحضور، إذ يشترط في القاضي العام إذن الإمام، فهل في قاضي التحكيم إذن منهم ( عليهم السلام  )؟ بأن يكون الإمام عيّن قاضي البلد فلا يرجعان إليه، بل يرجعان إلى غير القاضي، كما لا إشكال في عدم تصور قاضي التحكيم في زمان الغيبة إذا كان ما تراضياً عليه مجتهداً (عند من يشترط اجتهاد القاضي) أو متجزياً عند من يكتفي بتجزيه، وإنما لا إشكال في عدم تصوره، إذ المجتهد أو المتجزي مأذون من قبلهم عليهم السلام، بالإطلاقات، فلا فرق بينه وبين غيره من المجتهد والمتجزي الذي جعل نفسه قاضياً باذنهم عليهم السلام).
 
وقال (أما بالنسبة إلى المقلد على قول من قال بجواز قضائه في حال الغيبة فهل هو بحاجة إلى الاذن حتى يتصور قاضي التحكيم في مقلِّد لا اذنَ له؟ أو لا يحتاج إلى الاذن حتى لا يتصور قاضي التحكيم إذ كل مقلد له اذن عام لتصدى القضاء أم لا؟ هكذا ينبغي شرح هذا البحث)
 
7- قرينية المتعلقات على استحباب اختيار الأعلم
 
الوجه السابع:  ان القرائن الدالة على استحباب اختيار الأعلم قوية متعددة، وقد وردت في كلام الإمام ( عليه السلام ) ومنها قوله ( عليه السلام ): (وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ) إذ لا شك في ان التبرّم بمراجعة الخصم ليس حراماً نفسياً بل لا يحرم إلا إذا أدى إلى إضاعة الحقوق وقد أطلق الإمام ( عليه السلام ) قوله (ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ... وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً...) وحيث كانت أقلية التبرم مستحبة غير واجبة كان اختيار الأقل تبرماً كذلك، وكذلك قوله ( عليه السلام ) (وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ) فان الوقوف عند الشبهة بعد الفحص في غير دائرة العلم الإجمالي([8]) ليست واجبة بل غاية الأمر انها احتياط استحبابي واما القاضي فقد يقال بوجوب وقوفه عند الشبهات إذ يلزم من اقتحامه تضييع الحقوق. والظاهر التفصيل وهو ما إذا كانت الشبهة في الحد فانه ((ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَات...‏))([9])أو في غيره فحسن راجح فقط. فتأمل
 
وعلى أي فالوقوف عند الشبهة ليس بواجب على إطلاقه فلا يكون اختيار من يقف عند الشبهة مطلقاً، فكيف بالأوقف عند الشبهات، واجباً.
 
الأجوبة والمناقشات
 
وقد مضت مناقشة الوجه الخامس فلنكمل مناقشة – أو تأييد – سائر الوجوه وسنبدأ بمناقشة الوجه السابع ثم تأييد الوجه الثاني ثم سائر الوجوه مناقشةً أو تأييداً.
 
مناقشة الوجه السابع: لا تلازم بين وجوب الموضوع ووجوب متعلّقه
 
والجواب: انه لا تلازم بين وجوب موضوعٍ ووجوب متعلَّقه مع كون القائم بالموضوع أحد الشخصين والقائم بمتعلقه شخص آخر، فمثلاً إذا قال المولى لعبده أو الأب لابنه: (اختر خادماً مؤدباً) أو (جئني برجل يصلي صلاة الليل) فان اختيار الابن للخادم المؤدب أو المجيء بمن يصلي صلاة الليل واجب – على فرض مولوية الأب – مع ان تأدب الخادم مستحب وكذا صلاة الليل من ذلك الرجل. وكذا لو قال مدير الشركة لمساعده: اختر الأكثر صبراً وحلماً من بين من رشحوا انفسهم للتوظيف في الشركة – أو ليكون معاوناً له – فان حكم المساعد هو وجوب اختيار الأكثر صبراً ولا يستلزم ذلك وجوب تحلّي المرشّح بالصبر الأكثر الأشد.
 
والمقام من هذا القبيل إذ قد لا يجب على من جمع الشرائط من القضاة (أي ممن يصلح لأن يتصدى للقضاء) ان يكون متصفاً بصفة – ككونه أقل تبرماً – بينما يجب على الوالي ان ينتخب من بين مجموع من جمعوا الشرائط، خصوص من اتصف بصفات أخرى مما لا يجب ان يتصف بها في حد ذاته.
 
والحاصل: ان حكم الفعل او الاتصاف قد يكون مغايراً لحكم النصب والتعيين.
 
الاستدلال للوجه الثاني:
 
واما الوجه الثاني فالظاهر تماميته.
 
ويدل على تماميته إضافة إلى ما سبق، الوجوه التالية:
 
(الحكم بين) ظاهر في القضاء
 
أ- قوله ( عليه السلام ) (للحكم بين...) فان (الحكم بين) ظاهر في القضاء وان فرض القول بان (الحكم) بمفرده أعم من الحكم والفتوى إذ لا يقال: افتى بين الناس بل افتى الناس فيما يقال اقض بين الناس لا اقض الناس وكذا احكم بين الناس، واما احكم الناس فالمراد بها غير ما هو المبحوث عنه([10]) فتدبر.
 
القضاء منصب يحتاج للنصب عكس الفتوى
 
ب- ان الفتوى لم تكن من المناصب الحكومية التي تحتاج إلى نصب الوالي والحاكم، بل القضاء فقط هو المنصب الذي يحتاج إلى نصب، وعلى ذلك جرت سيرة المتشرعة بل سيرة العقلاء كافة في كل البلاد، نعم يجب استجماع المفتي لشرائط الإفتاء اما النصب فلا([11])، بل لم يعهد في زمن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أو الأئمة ( عليهم السلام  ) نصب المفتي إلا بالعمومات الإرجاعية التي لا تعد نصباً عرفاً أو بأمر مولوي شخصي كما في قوله ( عليه السلام ) لابان بن تغلب ((اجْلِسْ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَ أَفْتِ النَّاسَ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يُرَى فِي شِيعَتِي مِثْلُكَ))([12]) فان الظاهر انه أمر له ليتصدى للإفتاء لا ان جواز إفتائه كان متوقفاً على أمر الإمام ( عليه السلام ) هذا. ويوضحه ان الإرجاعات للمفتين كانت عامة في الآيات والروايات كقوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) و(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)([13]) و((مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ، حَافِظاً لِدِينِهِ، مُخَالِفاً لِهَوَاهُ، مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوه‏))([14]) وغيرها اما القضاء فكان بنصب خاص عادة بل دائماً. فتأمل وللحديث صلة
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 
===========================
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1604
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 8 جمادي الاخر 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23