• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 501- ج ـ المتبرع بالشهادة والمختفي لتحملها د ـ كتاب القاضي قاضٍ هـ ـ الشهادة الثالثة فالرابعة و ـ مشافهة القاضي .

501- ج ـ المتبرع بالشهادة والمختفي لتحملها د ـ كتاب القاضي قاضٍ هـ ـ الشهادة الثالثة فالرابعة و ـ مشافهة القاضي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

تقليد الأعلم

(25)

شواهد أخرى على عدم تمحض الامارات في الطريقية

عدم قبول شهادة المتبرع بالشهادة وقبول شهادة المختبئ

ومن الشواهد: ما ذهب إليه المشهور الذي كاد ان يكون إجماعياً من ان المتبرع بالشهادة في حقوق الآدميين لا تقبل شهادته سواءً أتطرقت إليه التهمة أم لا مع انه في غير صورة تطرق التهمة يجب قبولها على الطريقية المحضة، لكن الظاهر ان ملاك حجيتها – بمعنى لزوم الاتباع – ليس صِرف الطريقية بل قد لوحظت مع جهات موضوعية أيضاً، وقد يكون الوجه في ذلك انه يعتبر الاذن ممن له الحق في سؤال الشهود فقبل الاذن (إذ الفرض انه متبرع بالشهادة) لا محل للبينة فالتبرع يكون مثل اليمين ممن هو عليه قبل ان يأذن أو يطلب صاحب الحق.

والحاصل: انه قد يقال: ان المشهور بنوا على ان التبرع بالشهادة هو تهمة شرعاً وإن لم يكن تهمة عرفاً، ويؤكده ان المختبئ لسماع الشهادة بلا استدعاءٍ تقبل شهادته مع انه أقرب للتهمة من المتبرع بها.

وقد صرح بذلك (الجواهر ممزوجاً مع الشرائع) قال: (((التبرع بالشهادة) في حقوق الآدميين (قبل السؤال) من الحاكم في مجلس الحكومة (يطرق التهمة) إلى الشاهد أنه شهد للمدعي زورا بسبب حرصه على ذلك (فيمنع القبول) بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل في كشف اللثام أنه مما قطع به الأصحاب سواء كان قبل دعوى المدعي أو بعدها، ولعله العمدة في الحكم المزبور لا التعليل بالتهمة الواقع من كثير؛ إذ قد عرفت أن المدار فيها على ما يثبت من الأدلة شرعا لا كل تهمة عرفية، ضرورة أن المختبئ لسماع الشهادة بلا استدعاء أقرب من المتبرع بتطرق التهمة، مع أنك قد عرفت قبول شهادته عندنا، لعدم الدليل على اعتبار هذه التهمة وإن كانت متحققة في العادة، كما صرح به الأردبيلي هنا...)

(على أن ظاهر كلامهم أو صريحه رد المتبرع بشهادته وإن انتفت التهمة عنه بقرائن الأحوال، ككون المشهود له عدوا له والمشهود عليه صديقا له أو غير ذلك، أو علم منه أن ذلك كان منه جهلا بالحكم الشرعي، وغير ذلك.

ومن الغريب التزام فاضل الرياض قبول شهادة المتبرع في هذه الفروض مدعيا انصراف إطلاق الأصحاب إلى الغالب الذي تحصل معه التهمة لا ما يشمل هذه الأفراد)([1])([2]).

عدم حجية كتابة القاضي

ومن الشواهد: ان الكتابة لا حجية لها ولا عبرة بها وهو حكم إجماعي أو كاد وذلك ((لخبري السكوني مضافا إلى خبري السكوني وطلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي ( عليهم السلام ) (أنه كان لا يجيز كتابة قاض إلى قاض في حد ولا غيره حتى وليت بنوا أمية فأجازوا بالبينات) المشهورين المستفيضين كما عن المختلف))([3]).

والمقصود من (فأجازوا بالبينات) انهم كانوا إذا أشهد القاضي على كتابته شاهدين عدلين أجازوا للقاضي الآخر العمل بكتاب القاضي الأول نظراً لشهادة عادلين على انه كتبه وأنه قاصدً لما جاء فيه.

وبذلك فرّق المشهور بين اللفظ والكتابة فبنوا على التفكيك بين الإرادة الاستعمالية والجدية في الكتابة دون اللفظ، بعبارة أخرى ارتأوا ان الأصل في اللافظ قصده معنى ومحتوى ما قاله دون الكاتب.

ولذلك كله قال في الجواهر أيضاً (((في كتاب قاض إلى قاض) إعلم أن (إنهاء حكم الحاكم إلى آخر إما بالكتاب أو القول أو الشهادة، أما الكتابة فلا عبرة بها) عندنا إجماعا كما في القواعد ومحكي الخلاف والسرائر والتحرير وغيرها في حد وغيره مختوما وغير مختوم (لامكان التشبيه)([4]) وعدم القصد إلى الحقيقة، وعدم الدليل شرعا على اعتبار دلالتها فضلا عما سمعته من الدليل على عدم اعتبارها))([5]).

((خلافاً للمحكي عن أبي علي، فجوّزه في حقوق الناس دون حقوق الله تعالى، وعن الأردبيلي موافقته على ذلك مع العلم بكتابته قاصدا لمعناه، قال: (ولهذا جاز العمل بالمكاتبة في الرواية وأخذ المسألة والعلم والحديث من الكتاب المصحح عند الشيخ المعتمد، ولأنه قد يحصل منها ظن أقوى من الظن الحاصل من الشاهدين، بل يحصل منها الظن المتاخم للعلم، بل العلم مع الأمن من التزوير، وأنه كتب قاصدا للمدلول، وحينئذ يكون مثل الخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم بأن القاضي الفلاني الذي حكمه مقبول حكم بكذا فإنه يجب انفاذه وإجراؤه من غير توقف، ويكون ذلك مقصود ابن الجنيد، ويمكن أن لا ينازعه فيه أحد، بل يكون مقصودهم الصورة التي لم يأمن فيها التزوير أو لم يعلم قصد الكاتب إرادة مدلول الرسم)

قلت:([6]) التحقيق أن الكتابة من حيث إنها كتابة لا دليل على حجيتها قطعا مطلقا في إقرار وغيره))([7])

وقال: ((نعم إذا قامت القرائن الحالية وغيرها على إرادة الكاتب بكتابته مدلول اللفظ المستفاد من رسمها فالظاهر جواز العمل بها([8])، للسيرة المستمرة في الأعصار والأمصار على ذلك، بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك، خصوصا مع ملاحظة عمل العلماء في نسبتهم الخلاف والوفاق ونقلهم الاجماع وغيره في كتبهم المعمول عليها بين العلماء))([9])

وقال: ((وبهذا يفرق بينها وبين اللفظ الذي يحكم بمجرد صدوره على اللافظ بما يقتضيه لفظه إلا أن يعلم خلافه، بخلاف الكتابة))([10])

وقال: (((لا عبرة عندنا بالكتاب مختوما كان أو مفتوحا) خلافا لبعض العامة))([11]).

وقال: ((ومع تسليمها نقول بموجبها، فإنا لا نعمل بالكتاب) من حيث إنه كتاب (أصلا ولو شهد به) أنه كتاب القاضي شاهدان فصاعدا، وهو المراد من قوله ( عليه السلام ) في ذيله: (فأجازوا بالبينات) حتى يوافق صدره الذي منعه علي ( عليه السلام ) لا أن المراد عدم جواز العمل بالبينة على الحكم الموافقة لما في الكتاب، فإنه لم يحك عن علي ( عليه السلام ) منعه.

(و) حينئذ (كان الكتاب) من حيث كونه كتابا (ملغى) عندنا، وإنما عملنا بشهادة العدلين على حصول إنشاء الحكم وإن كتبه القاضي في كتابه))([12])([13])

عدم قبول الشهادة الثالثة فصاعداً

ومن الشواهد: ان الشهادة الثالثة فصاعداً لا تسمع، فلو شهد شاهدان بانه طلقها نفذت شهادتهما وكذا لو شهد شاهدان ان الشاهدين الأولين شهدا انه طلقها قبلت اما الشهادة الثالثة فلا بان يشهد شاهدان (كزيد وعمرو) ان شاهدين آخرين (كخالد وخويلد) شهدا ان شاهدين غيرهما (كسالم وسويلم) شهدا إنشاء الطلاق وعلله فيما نقله المسالك: بان المانع من سماع الشهادة الثالثة هو النقل والإجماع.

والحاصل: ان ترامي الشهادات مبطل لها. فراجع الجواهر([14]) والمسالك([15]). وتأمل

وفي ذلك ايضاً دلالة على ان الطريقية المحضة لم تكن هي تمام الملاك لقبول الشهادة وإلا للزم قبول الشهادات مهما ترامت ماداموا ثقات.

الخلاف في قبول مشافهة القاضي

ومن الشواهد: الخلاف في قبول قول القاضي لقاضٍ آخر مشافهةً حكمتُ بكذا.

قال في الجواهر: (((وأما القول مشافهة فهو أن يقول للآخر: حكمت بكذا أو أنفذت أو أمضيت) أو نحو ذلك بقصد الاخبار به عما وقع له من الفصل (ففي القضاء به) للحاكم آخر (تردد) أقربه القبول كما ستعرف وإن (نص الشيخ في الخلاف) بـ(أنه لا يقبل)))([16]).

إلى غير ذلك من الموارد.

من وجوه الحكمة في عدم حجية ما سبق

أقول: لعل من وجوه الحكمة في عدم حجية كتابة قاضٍ إلى قاضٍ وعدم سماع الشهادة الثالثة فصاعداً وعدم قبول مشافهة القاضي على القول بذلك، ان الشارع أراد التشديد في ضوابط إجراء الحدود كي يقلّ إجراؤها فهو كتشديده، في شروط قطع يد السارق حيث انها – كما احصاها السيد الوالد([17]) – أربعة وأربعون شرطاً، واجتماعها أشبه بالشرط التعجيزي، ولذا نجد انه طوال مائتي عام من الحكم الذي ظاهره الإسلامي زمن بني أمية وبني العباس لم تقطع إلا أيادي ستة – حسب تحقيق بعض المحققين - وذلك رغم توفر دواعي أولئك الظلمة على إجراء هذا الحد وأشباهه على السرّاق ليظهروا بمظهر الحاكم بالشرع، كما يفعل حكام السعودية الآن([18]) خاصة وانه قد كثر أعداؤهم من الشيعة والزيدية وغيرهم ممن تتوفر الدواعي لدى الظلمة باتهامهم بالسرقة أو أخذ السارق منهم وقطع يده.. فتأمل

فلسفة تقييد وتضييق إجراء الحدود

والحاصل: ان تقييد إجراء الحدود والتعزيرات والأحكام بالقاضي نفسه وعدم حجية كتابته لقاضٍ آخر ليُجري الحكم أو عدم قبول الشهادة الثالثة فصاعداً ونظائر ذلك، هي من عوامل تحديد وتقليل إجراء الأحكام.

وسر السر ان الشارع أراد أن يجمع بين الحقين فمن جهة أراد إيقاف السرقات وسائر أنواع الاعتداءات ومن جهة لم يرد ان يشدد كثيراً إذ (جئتكم بالحنيفية السمحاء) فكان الجمع بأن يكون التهديد شديداً جداً (كقطع اليد فانه رادع وأي رادع ولا يعدله سجن المئات من السرّاق)([19]) وان تُشترط في التنفيذ شروط صعبة جداً كي يقل التنفيذ إلى أبعد الحدود، ومن شواهد ذلك التشديد في حد الزاني محصناً وغيره كقانون عام بالحد أو الرجم، لكنه اشترط شهادة أربعة على الزنا بان يكونوا قد رأوه يزني كالميل في المكحلة، ومن الواضح ندرة اجتماع أربعة شهود عدول يرون هذا المنظر بهذه الخصوصية.

خلاصة القول

ومن ذلك كله، ومما سبقه وما سيأتي أيضاً، يظهر ان جهة الطريقية ليست هي تمام الملاك في حجية الشهادة ولا الكتابة ولا نظائرها بل قد لاحظ الشارع جهات أخرى موضوعية من مصلحة التسهيل والسماحة ومن حق الطرف الآخر إلى غير ذلك.

والمتحصل من كل ذلك انه لا ضابط عام يرجع إليه من الاقربية وغيرها بل لا بد في كل مورد موردٍ من الحجج والامارات من الرجوع إلى أدلتها فان أفادت طريقيتها المحضة كخبر الثقة صح الاعتماد عليه مطلقاً ولذا صح الاعتماد على خبر الواقفية والزيدية إذا كانوا ثقات في النقل، وإن أفادت التركب من الطريقية والموضوعية كقول المفتي حيث لا بد في حجيته ولزوم إتباعه([20]) من كونه عادلاً ذكراً حراً طاهر المولد.. الخ، لم يصح إلا بعد إحراز الجهات الأخرى فتدبر جيداً، والله العالم، وللحديث صلة.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

===============================

([1]) جواهر الكلام ج42 ص153-154.

([2]) نعم ناقش السيد الوالد ( قدس سره ) في ذلك كله فراجع الفقه / الشهادات / ج86 ص175.

([3]) جواهر الكلام ج41 ص437.

([4]) سيأتي ان هذه حكمة، وانه حتى لو لم يمكن التشبيه فالكتابة غير مقبولة بما هي هي.

([5]) جواهر الكلام ج41 ص436.

([6]) والكلام لصاحب الجواهر.

([7]) جواهر الكلام ج41 ص437-438.

([8]) الضمير إن عاد للقرائن فالأمر واضح (من عدم حجية الكتابة) وإن عاد للكتابة فكذلك إذ لم تكن حجة بما هي هي بل بشرط شيء وهي القرائن.

([9]) جواهر الكلام ج41 ص438.

([10]) جواهر الكلام ج41 ص439.

([11]) جواهر الكلام ج41 ص447.

([12]) جواهر الكلام ج41 ص448-449.

([13]) نعم ناقش السيد الوالد ( قدس سره ) في ذلك كله وردّ ما استظهره صاحب الجواهر من الشهرة والأدلة، فراجع الفقه كتاب القضاء ج85 ص7 فصاعداً.

([14]) الجواهر كتاب القضاء ج41 ص441 الطبعة الجديدة.

([15]) المسالك تحقيق مؤسسة المعارف الإسلامية، ج13 ص353 وج14 ص9-10 وص239.

([16]) جواهر الكلام ج41 ص440.

([17]) في فقه الحقوق وغيره.

([18]) والمفارقة انهم تركوا أحكام الإسلام الحيوية في السياسة والاقتصاد وغيرهما (كقوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) و(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ) و(خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) و(الأرض لله ولمن عمرها) وتمسكوا بإجراء الحدود فقط! وما ذلك إلا لايهام العوام بانهم يحكمون حقاً بحكم الإسلام!

([19]) أي ان قطع يد سارق واحد، يخيف السرّاق أكثر مما يخيفهم سجن المئات من السرّاق.

([20]) العطف تفسيري.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1496
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 26 ربيع الثاني 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23