بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النَجش
(مدح السلعة أو الزيادة في ثمنها ليزيد غيره)
(12)
الدليل السادس: الروايات
وقد استدل على حرمة النجش بالروايات:
ومنها: (ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن عبد الله ابن سنان، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): الواشمة والموتشمة والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد ( صلى الله عليه وآله ))([1]).
والواشمة هي التي تغرز الإبر في البدن ثم تملأ الحفر الدقيقة بالنيل أو الكحل أو النوره أو غيرها فتظهر على الجلد بصورةٍ أو هيئة أو كتابة([2]).
وقد استشكل على الاستدلال بالرواية بوجوه:
أ- الوشم مكروه فالنجش كذلك؛ للسياق
الوجه الأول: قرينة السياق حيث ان الوشم غير محرم، بل هو مكروه فيكون النجش كذلك.
والجواب: أولاً: ان السياق لا يعد من الأدلة ولا به يحصل الظهور ولئن قيل بانه منها([3]) عرفاً ولم يناقش فيه فرضاً([4]) فانه في الروايات ليس كذلك ضرورة جري عرف الروايات على سوق الواجبات والمندوبات بعصا واحدة وكذلك المحرمات والمكروهات، بل وكذلك الآيات الشريفة كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)([5])([6])
ثانياً: ما ذكره السيد الوالد في الفقه بقوله: (لأن الوشم الذي هو غش حرام وهو المنصرف من الدليل) فقرينة السياق مؤكدة لا نافية.
والحاصل: ان المراد من الواشمة ليس مطلقها بل خصوص الوشم تدليساً وغشاً للانصراف، كما ذكره u، أو لدعوى ان (أل) للعهد الذهني أو الخارجي لمناسبات الحكم([7]) والموضوع ولأن السؤال عنه لمعلومية عدم حرمة الوشم في حد ذاته فانه([8]) المشهور – إن لم يكن المجمع عليه – فتأمل
وقد يقال: الوشم المحرم هو ما كان مقدمة للحرام وما قصد به تزيين الفتاة لتفعل الحرام أو لتزداد الرغبة فيها حراماً.
وعلى أي فان صور المسألة هي: ان وشم الزوجة لزوجها ليس بمحرم ولا مكروه، والوشم تدليساً حرام وكذلك الوشم إذا وقع مقدمة للحرام، أما غير ذلك فمكروه، وأشكل بعض الأعلام حتى في الكراهة أيضاً استناداً لضعف سند رواياتها إلا ان يتمسك بقاعدة التسامح([9]). وفيه تأمل يوكل لمحله
ب- قرينة المنجوش تفيد اختصاص الحرمة بالناجش مواطاةً
الوجه الثاني: قرينة المنجوش تفيد اختصاص حرمة عمل الناجش بما إذا كان عن مواطاة مع البائع فلا تدل الرواية على الحرمة المطلقة، وذلك لأن المنجوش له لا يحرم عليه البيع إلا لو تواطأ مع البائع فيدل على حرمته على البائع في هذه الصورة فقط، وهذه من أنواع قرينة السياق إلا ان السياق في الوجه الأول لأمر سابق وهنا لأمر لاحق.
قال الإيرواني: (يمكن الاستشهاد به على اعتبار المواطأة مع البائع وإلا لم يلعن المنجوش له) وقال في مصباح الفقاهة: (أنهما([10]) مختصان بصورة مواطاة الناجش مع البائع على النجش، كما هو الظاهر من لعن المنجوش له في النبوي الأول والنهي عن التناجش في النبوي الثاني، وكلامنا أعم من ذلك).([11])
أقول: يرد عليه: ان اختصاص حكمٍ تعلَّقَ بعنوانين أو أكثر ببعض أصناف احدى تلك العناوين لدليل خارجي أو قرينة خارجية خاصة به، لا يستلزم ولا يقتضي ولا يظهر منه اختصاصه ببعض أصناف سائر العناوين التي لم تدل قرينة أو دليل خاص بها على اختصاص الحكم ببعض أصنافها.
وبعبارة أخرى: ان مرجع ما ذكره إلى قرينة السياق، بل هو من أضعف أقسامه إذ هو استدلال بكون العنوان اللاحق كذا فيكون العنوان السابق كذا، كما ان الوجه الأول كان مرجعه إلى قرينة السياق لكن القائم بالسابق. والحاصل انه تارة يقال: الوشم السابق حيث لم يحرم لم يحرم لاحقه وهو النجش، وتارة يقال المنجوش اللاحق حيث حرم خصوص المواطاتي منه حرم خصوص المواطاتي من سابقه وهو الناجش. فتدبر
ولذلك قال في فقه الصادق (يدفعه: انه يدل على لعن المنجوش له ايضا لا على اختصاص لعن الناجش بما إذا كان هناك منجوش له مستحق للذم واللعن كي تتم دعوى الاختصاص)([12])
ج – اللعن أعم من الحرمة
الوجه الثالث: اللعن أعم من الحرمة فانه قد أورد على الاستدلال بالرواية أيضاً (فالحق ان يورد عليه: بان اللعن اعم من الحرمة، لأنه دعاء بالابعاد المطلق الشامل للكراهة، ولذا استعمل في المكروهات في بعض النصوص)([13]).
وستأتي مناقشته غداً بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) الكافي ج5 ص559.
([2]) ولا يعد ذلك مانعاً من وصول الماء إلى البشرة لأن المادة تزرق تحت الجلد.
([3]) من الأدلة والظهورات.
([4]) ولم يناقش في الصغرى بان السياق لا يحصل من اتصاف احد الأمرين فقط بصفة أو خصوصية.
([5]) الشورى: 38.
([6]) وذلك حسب نظر المشهور.
([7]) وهو (ملعونون).
([8]) عدم حرمته في حد ذاته.
([9]) مصباح الفقاهة ج1 ص320 تحت عنوان (حكم تدليس الماشطة) بحث وصل الشعر بالشعر.
([10]) أي النبويان.
([11]) مصباح الفقاهة ج1 ص661.
([12]) فقه الصادق ج14 ص465.
([13]) فقه الصادق ج14 ص465. |