• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 488- النقض على ما سبق بعدم ورود ( ما كنا ...) على ( فاطهروا ) والجواب بالفرق بين المحصِّل الكلي والجزئي ـ الاشكال مبنىً على لزوم الاحتياط في العنوان والمحصل وجوابه ـ دعوى لزوم الاحتياط في الشؤون الخطرة والآخرة منها .

488- النقض على ما سبق بعدم ورود ( ما كنا ...) على ( فاطهروا ) والجواب بالفرق بين المحصِّل الكلي والجزئي ـ الاشكال مبنىً على لزوم الاحتياط في العنوان والمحصل وجوابه ـ دعوى لزوم الاحتياط في الشؤون الخطرة والآخرة منها

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(12)
الإشكال بلزوم القول بالبراءة في مطلق العنوان والمحصل
لا يقال: يلزم من القول بورود (أو حكومة) (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً )وأدلة الرفع مثل ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ مُطْلَقٌ حَتَّى‏ يَرِدَ فِيهِ‏ نَهْيٌ‏))([1]) على (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً...) و(فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)([2]) عدم وجوب الاحتياط في العنوان والمحصل مطلقا كـ(فَاطَّهَّرُوا) إذ لا فرق بين كون المحصَّل الكلي هو الغرض (كالوقاية من النار) ومأموراً به وبين كون المحصَّل الجزئي (وهو التطهر) متعلقاً للغرض ومأموراً به، فإذا ورد (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ...) على (قُوا) ورد على (فَاطَّهَّرُوا) وسائر ما تعلق به الأمر من المحصَّلات فلا يجب الاحتياط كلما شك في محصِّله وأجزائه أو شرائطه إذ يقال على نفس وزان ما قلناه في الغرض الكلي: ان هذه لم ترد بها (حجة واصلة) – وهو المراد بـ(رَسُولاً )– فتكون مجرى للبراءة؟.
الجواب بالفارق بين الغرض المحصَّل الكلي والجزئي
إذ يقال: لا تلازم؛ وذلك لأن العرف يرى الغرض الجزئي المأمور به (وهو التطهر) من مصاديق الحجة الواصلة عكس الغرض الكلي (الوقاية من النار) إذ لا يراه في حد ذاته حجة واصلة، والحاصل انه يرى ناظرية (وَمَا كُنَّا...) على (قُوا) دون مثل (فَاطَّهَّرُوا)
وبعبارة أخرى: عندما يضم العرف (وَمَا كُنَّا...) إلى (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي...) يرى ان الثاني لا موضوع له إلا بعد الحجة الواصلة وان الأول ينفي الثاني والعذاب إلا بعد الحجة الواصلة ولا يرى (اتقوا) هو الحجة الواصلة، ولعل السر في ذلك انهما متساويان من حيث المصاديق فلولا ناظرية (ما كنا) لكان ورودها لغواً بالمرة.
اما (فَاطَّهَّرُوا) فحيث كان اخص مطلقاً من (وَمَا كُنَّا...) لما كان مانع من خروجه عن دائرة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ...) وكونه تخصيصاً له، بل العرف يراه حجة واصلة تستثنى من دائرة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ...) أي يرى انه مصداق نبعث رسولاً لذا وجب فيه الاحتياط.
بعبارة أخرى: العرف يرى بعد ضم (قُوا) إلى (وَمَا كُنَّا...) ان قوا إرشاد للأوامر المولوية المعهودة وليس أمراً مولوياً تعلق بالمحصَّل أو يراه مولوياً منحلاً للأوامر المعهودة فليس مولوياً متعلقاً بالمحصَّل بما هو هو فليس شيئاً وراءها وحيث لم تصل حجة عليها كانت مشمولة لـ(وَمَا كُنَّا...) عكس (فَاطَّهَّرُوا) حيث يراه مولويا مطلوبا لذاته وبالاستقلال فقوله تعالى: (فَاطَّهَّرُوا) حجة واصلة. فتدبر جيدا.
الإشكال مبنىً بعدم وجوب الاحتياط في العنوان والمحصِّل
نعم، قد يشكل مبنىً على أصل القول بوجوب الاحتياط لدى الشك في العنوان والمحصّل، بان الظاهر كونه مجرى البراءة أيضاً كما لو تعلق الأمر بالفعل نفسه (لا بمعلوله ومحصّله ومعناه الاسم مصدري ونتيجته) وذلك ببركة الاطلاق المقامي القطعي.
توضيحه: ان الأمر وإن تعلق بالنتيجة والمحصّل وهو (التطهر) لكن لا مجال للقول بلزوم الاحتياط كلما شك في شرط أو جزء أو مقدمة إعدادية من مقدمات محصِّله وهو (الاغتسال)([3]) استناداً إلى ان الاشتغال اليقيني (بالتطهر) يستدعي البراءة اليقينية بامتثاله وهي لا تحصل إلا بالاتيان بكل جزء وشرط ومقدمة شك في مدخليتها في المحصّل، وذلك([4]) لوجود الاطلاق المقامي القطعي فان الفرض ان الشارع تصدى لذكر كافة أجزاء وشرائط ومقومات المحصِّل والسبب؛ إذ التطهر المأمور به أمر لا يعلم إلا من قبله فلا يصح ايكال معرفة اجزاء وشرائط محصله إلى العرف بل لا بد ان يتصدى الشارع بنفسه لبيانها وحيث سكت عن جزء أو شرط دلّ على عدم مدخليته.
والحاصل ان الاطلاق المقامي بيان وحجة واصلة على العدم فيكون الشك في العنوان والمحصل أيضاً مجرى البراءة.
وقد يجاب: بان ديدن الشارع هو الأمر بالفعل والسبب لا بالنتيجة والمحصَّل بل ان حال العرف أيضاً كذلك؛ ألا ترى أمره بالصلاة لا بالقربان الذي هو معلولها ومحصَّلها وبالصوم الذي هو الإمساك عن العشرة لا بالحاصل منه وهو زكاة النفس وبالحج لا بالمنافع وتشييد الدين وهكذا، فراجع مثلاً خطبة الصديقة الزهراء عليها الصلاة والسلام في المسجد لتجد ذلك بوضوح([5]).
وعليه: فان الظاهر من عدوله في مورد كـ(اطهروا) عن الأمر بالفعل (وهو الاغتسال إذ لم يقل اغتسلوا) إلى النتيجة وهي التطهُّر، كونه يريد بذلك تحصيل النتيجة بنفسها بكل طريقة وانها هي مطلوبة أولاً وآخراً وحيث لا يحرز ذلك إلا بالآيتان بكل جزء أو شرط ولو المشكوك مدخليته في المحصِّلية له وجب الاحتياط بالآيتان.
وبعبارة أخرى: لا نكتة للعدول عن الأمر بالفعل والسبب إلى الأمر بالنتيجة والمسبب الا كون المولى مريداً للإلفات إلى ضرورة الاحتياط على غرضه بالاتيان بكل ما شك في مدخليته فيه.
سلمنا، لكنه لا أقل من احتمال ذلك (أي احتمال ان الأمر بالمسبب هو لذلك) فيجب الاحتياط أيضاً إذ به الخروج عن عهدة التكليف القطعي الذي هو المحصّل والمسبب. وفيه: ان احتمال البيان ليس ببيان واحتمال وصوله ليس بوصول فيبقى في دائرة (وما كنا...). فتأمل([6]) وتحقيقه يوكل إلى ذلك الباب فتدبر وتأمل
وسيأتي باذن الله تعالى الجواب عن التفريق بين الشؤون الخطيرة وغيرها وان شؤون الآخرة كلها خطيرة، بوجه جديد إضافة إلى ما سبق.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 
([1]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص317.
([2]) البقرة: 24.
([3]) فلو شك في منطقة من الاذن أو الأنف مثلاً انها من الباطن أو الظاهر وجب غسلها ولو شك في مانعيّة الموجود أو وجود المانع وجب إزالته وإحرازه وهكذا.
([4]) تعليل لـ(لا مجال).
([5]) وقد ورد فيها ((فَجَعَلَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَ الصَّلَاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الْكِبْرِ وَ الزَّكَاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَ نَمَاءً فِي الرِّزْقِ وَ الصِّيَامَ تَثْبِيتاً لِلْإِخْلَاصِ وَ الْحَجَّ تَشْيِيداً لِلدِّينِ وَ الْعَدْلَ تَنْسِيقاً لِلْقُلُوبِ وَ طَاعَتَنَا نِظَاماً لِلْمِلَّةِ وَ إِمَامَتَنَا أَمَاناً لِلْفُرْقَةِ وَ الْجِهَادَ عِزّاً لِلْإِسْلَامِ وَ الصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجَابِ الْأَجْرِ وَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ وَ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ وِقَايَةً مِنَ السُّخْطِ وَ صِلَةَ الْأَرْحَامِ مَنْسَأَةً فِي الْعُمُرِ وَ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ وَ الْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ وَ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعْرِيضاً لِلْمَغْفِرَةِ وَ تَوْفِيَةَ الْمَكَايِيلِ وَ الْمَوَازِينِ تَغْيِيراً لِلْبَخْسِ وَ النَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً عَنِ الرِّجْسِ وَ اجْتِنَابَ الْقَذْفِ حِجَاباً عَنِ اللَّعْنَةِ وَ تَرْكَ السَّرِقَةِ إِيجَاباً لِلْعِفَّةِ)) الاحتجاج على أهل اللجاج (للطبرسي) ج1 ص99 احتجاج فاطمة الزهراء (عليها السلام) على القوم لما منعوها فدك...
([6]) إذ قد بيّن الغرض والمأمور به بوضوح، ومع عدم الاتيان بما يشك معه في حصوله لم يحرز فراغ ذمته. فتأمل لكونه مسببيّاً. فتأمل... وقد فصلنا الكلام عن ذلك في فقه التعاون على البر والتقوى ص148 فصاعداً.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1451
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 6 ربيع الثاني 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23