• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 476- دليل المانعين : اطلاقات وجوب تقليد الاعلم - اجوبة اربعة : الانصراف ، اللغوية ، عدم الاطلاق ، اللحاظين ، اختصاص ادلة تقليد الاعلم بصورة التعارض - مفاد الرويات بدرأ تعيين التقليد الانتسابي .

476- دليل المانعين : اطلاقات وجوب تقليد الاعلم - اجوبة اربعة : الانصراف ، اللغوية ، عدم الاطلاق ، اللحاظين ، اختصاص ادلة تقليد الاعلم بصورة التعارض - مفاد الرويات بدرأ تعيين التقليد الانتسابي

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(47)
اطلاقات أدلة وجوب تقليد الأعلم
الثاني: اطلاقات الروايات الدالة على وجوب تقليد الأعلم فانها شاملة لصورة الوفاق. قال السيد الوالد في (الاجتهاد والتقليد) في المسألة (18) وهي (الاحوط عدم تقليد المفضول حتى في المسألة التي توافق فتواه فتوى الأفضل): (والظاهر ان مستند ذلك إطلاق دليل عدم جواز تقليد غير الأعلم من الأدلة السابقة، فإنها تشمل مورد الوفاق والخلاف)([1]).
أقول: الأدلة التي استدل بها سابقاً([2]) مفادها – على فرض قبولها – وجوب تقليد الأعلم وحيث يلزمه عدم جواز تقليد المفضول عَبَّر بـ(اطلاق دليل عدم جواز تقليد غير الأعلم) ولذا عبر في أخر المسألة بالمدلول المطابقي للأدلة فقال (وربما يمنع شمول أدلة وجوب تقليد الأعلم...) فتأمل([3]).
الأجوبة
وقد أجاب السيد الوالد عن هذا الاستدلال بقوله: (وربما يمنع شمول أدلة وجوب تقليد الأعلم – على فرض تماميتها – لصورة الموافقة. فتأمل).
أقول: وجه المنع قد يكون أحد وجوه:
1- اللَّغْوية:
الوجه الأول: دعوى اللغوية في جعل الوجوب التعييني لتقليد الأعلم في صورة توافق رأي المفضول معه، اللهم إلا على المصلحة السلوكية والموضوعية، وقد سبق نفيهما.
2- الانصراف
الوجه الثاني: دعوى الانصراف، أي انصراف أدلة تعيّن وجوب تقليد الأعلم إلى صورة الخلاف أو إلى غير صورة الوفاق([4]) والانصراف وإن لم تمكن مناقشته بذاته لأنه قائم بذهن الفقيه والمناسبات المرتكزة فيه اجمالاً إلا انه تمكن مناقشته بمناقشة منشأه وانه هل هو كثرة الوجود([5])؟ أو كثرة الاستعمال([6])؟ أو مناسبات الحكم والموضوع؟ أو غير ذلك؟([7])
3- عدم انعقاد الاطلاق اللحاظي وان انعقد الاطلاق الطبعي
الوجه الثالث: عدم تحقق المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة إذ لا يعلم ان المولى في مقام البيان من هذه الجهة، وقد سبقت مناقشته مبنىً.
وتحقيقه بما يتضح معه انعقاد الاطلاق وعدمه، إن الاطلاق قد يراد به الاطلاق اللحاظي وقد يراد به الاطلاق الطبعي، والأول – وهو مراد المشهور ظاهراً - غير متحقق فعليه: لا تشمل أدلة وجوب تقليد الأعلم صورةَ التوافق؛ نعم الثاني متحقق وبه الكفاية على المنصور.
والأول: ما كان وليد لحاظ المتكلم الجهات والحالات وعدم تقييدهِ حكمَه باحداها، وهذا الاطلاق هو الذي يتوقف إثباته على إحراز كون المتكلم في مقام البيان (أي من هذه الجهة أو تلك).
والثاني: ما كان وليد صلاحية العنوان المأخوذ موضوعاً للحكم، بذاته للانطباق على مصاديقه فينطبق عليها قهراً ويسري إليها طبعاً.
وبعبارة أخرى:
تارةً يقال – كما قال المشهور – بان الاطلاق متفرع على لحاظ المولى تفصيلاً أو حتى اجمالاً الحيثيات والجهات وجمعها على مبنى ورفضها على مبنى آخر، وانه إذا كان في مقام بيان تمام ما له دخل في ثبوت حكمه لموضوعه فإذا لم يذكر قيداً – مع إحراز التفاتة للجهات والقيود المحتملة([8]) – دل على عدم أخذه في موضوع حكمه.
وتارة يقال: بان الاطلاق غير متوقف على ذلك بل انه نتيجة (قهرية([9])، وليس قصدية) لجعل الحكم على الكلي الطبيعي وحيث ان وجوده بوجود مصاديقه وحيث انها توجد بوجوده، لذا كان انطباقه على كل الأفراد بجهاتها قهرياً غير محتاج إلى الالتفات ولا القصد حتى الاجمالي([10]) ويكفي في الزامه بحكمه جعلُه حكمَه على الطبيعي بما هو طبيعي.
وعلى الأول يختلف المطلق عن العام ويكون ادون منه محكوماً به أو موروداً عليه وعلى الثاني يكون وزان المطلق وزان العام.
وعلى اي فقد يقال: بان الموالي العرفية عند جعل أحكامها على موضوعاتها غير ملتفتة عادة لصورتي التخالف والتوافق، فلو اشترطنا الاطلاق اللحاظي فلا اطلاق ولو اكتفينا بالاطلاق الطبعي فالاطلاق ثابت.
والظاهر ان العرف في أحكامه بالنسبة إلى صورتي التوافق والتخالف من قبيل الأول عادةً([11])؛ الا ترى انه عندما يقول المولى لولده استشر الطبيب أو اسمع كلامه يكون عادة غير ملتفت لصورتي التخالف والتوافق بل انه يجعل الحكم على الطبيعي بنفسه؟، نعم لا شك ان بعضهم قد يكون ملتفتاً حينها إلا ان الكلام هو في الأصل والقاعدة وان الاطلاق هو طبعي في مرتبة سابقة وقد يكون لحاظياً في المرتبة اللاحقة أو قد يقيد.
وإذا ثبت ذلك في العرف ثبت في الشرع، لا لغفلته عن الجهات لوضوح عدمها، بل لأن كلامه إذ خاطب العرف جارٍ مجرى استعمالاتهم فيكون قد جعل الحكم على الطبيعي بنفسه فيكتفى باطلاقه الطبعي دون الحاجة إلى اثبات الاطلاق اللحاظي مما يتوقف على إحراز المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة. فتأمل جيداً
4- أدلة التقليد خاصة بالمتعارضين فكيف تشمل صورة التوافق؟
الوجه الرابع: وهو أوضح الوجوه وأسدّها: ان أدلة تقليد الأعلم خاصة بصورة التعارض فكيف تشمل صورة التوافق ليقال بدلالتها على عدم جواز تقليد المفضول في صورة تطابقه مع فتوى الأفضل؟ ويظهر ذلك بوضوح بملاحظة مقبولة عمر بن حنظلة ورواية داود بن الحصين ونظائرهما فان السؤال والجواب ليس إلا عن صورة التعارض، فراجع.
روايات أخرى لكنها خاصة بالمتعيَّن للمنصب
نعم بعض الروايات، وهي عمدة ما أضافه السيد الوالد في الفقه إلى أدلة تقليد الأعلم، غير خاصة بصورة التعارض مثل (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك)([12]) و(من أمّ قوماً وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال إلى يوم القيامة)([13])
لكنها مبتلاة بأشكال أخر([14]) وهو أجنبيتها عن موضوع مسألتنا إذ انها تبحث عن المنصب ومن هو الأجدر به أو المتعين له وليس هذا هو موضوع مسألتنا إذ هي حكم العمل بفتوى المفضول مع موافقتها لفتوى الأفضل وأين هذا من ذاك؟([15])
مناقشة التفصيل بين العمل والاستناد
ويرد على التفصيل السابق: ان المرجع في صحة تقليد المفضول في صورة التوافق (وغيرها) ليس تعريف التقليد بل صدق امتثال الأمر الوارد في الروايات([16]) على من عمل بقول المفضول وان طابق قول الأفضل، والظاهر عدم الصدق إلا مع إلغاء الخصوصية واستظهار الطريقية المحضة من هذه الجهة([17]) مما سبق بيانه وارتضاؤه.
ألا ترى ان (فللعوام ان يقلدوه) ظاهر في العمل عن استنادٍ وانتسابٍ؛ لمكان الضمير؟ وانه لو قلّد غيرَه – أي غير الأعلم بعد ضم أدلة وجوب تقليده إلى مثل هذه الرواية وتقييدها بها – لا يعد ممتثلاً لـ(ان يقلدوه) إذ يقال له لم تقلِّده بل قلدت غيره؟ وكذلك (اسألوا أهل الذكر) فانه لو سأل أمثال أبي هريرة فعمل بكلامه فانه لا يعد سائلاً لسلمان المحمدي وعاملاً بقوله وان تطابق القولان([18])؟ فلا مناص إلا من اللجوء إلى الطريقية، أو أحد الوجوه السابقة، والله العالم.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 
([1]) الفقه 1 الاجتهاد والتقليد ج1 ص172.
([2]) في المسألة 12 من العروة راجع ص121 من الفقه: الاجتهاد والتقليد.
([3]) إذ يوجد في الروايات ما يدل على عدم جواز تقليد غير الأعلم (على فرض قبول دلالتها) فلاحظ الصفحة 122 من الفقه.
([4]) لتشمل صورة الشك.
([5]) وليس منشأً للانصراف، كما انه صغرىً ليست صورة الخلاف هي الأكثر وجوداً بل الأكثر الوفاق وصورة الشك.
([6]) ولا كثرة.
([7]) كملاحظة كون المتكلم حكيماً لا يمكن ان يقصد صورة التوافق لاستهجان الإيجاب تعييناً حينئذٍ أو اللغوية أو شبه ذلك، فحكمته قرينة حالية على تقييد إطلاق وجوب تقليد الأعلم، فتأمل
([8]) ولو إجمالاً.
([9]) ولا نقصد العلية بل الاقتضاء التام الذي لولا المانع لكان فعليَّ الاقتضاء ومنجزَّة.
([10]) نعم قصده العدم مانع لكن لا بد له من مبرز وإلا كان الأصل عدمه.
([11]) أي غير ملتفت لصورتي التخالف والتوافق، أي فاطلاقه ليس لحاظياً.
([12]) نهج البلاغة: ص526.
([13]) الوسائل: ج5 ص415 الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة ح1.
([14]) مع قطع النظر عن البحث السندي – ولا بحث في عهده عليه الصلاة والسلام للاشتر بالذات بل لا بحث في وثاقة نهج البلاغة ككل – وقطع النظر عن عدم دلالة (من أمّ...) على الحرمة بذاته، وقطع النظر عن ان (الحكم) في (ثم اختر للحكم...) غير الفتوى، وقطع النظر عن ان الأعلم لا يساوي الأفضل. فتأمل
([15]) ويظهر الفرق بوضوح فيما لو تعدد المنصوب (كالقاضي) وتوافقت أو تخالفت الفتاوى.
([16]) أي بوجوب تقليد الأعلم، على فرضها.
([17]) أي جهة كونه أعلم وذاك غير أعلم وهو مورد الكلام، لا من جهة العدالة والذكورة وشبههما.
([18]) لكن هذا الإشكال مبنائي على دعوى كون التقليد هو العمل. فتدبر جيداً

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1439
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 19 ربيع الاول 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23