• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 467- مناقشة دعوى ( شمول روايات التخيير للفتويين ) باستلزام ذلك للترجيح في الفتويين المتخالفتين ايضاً وجوابان عن ذلك وردود .

467- مناقشة دعوى ( شمول روايات التخيير للفتويين ) باستلزام ذلك للترجيح في الفتويين المتخالفتين ايضاً وجوابان عن ذلك وردود

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(38)
سبق الاستدلال على صحة التبعيض في التقليد، باطلاقات الروايات الحاكمة بالتخيير وسبقت المناقشة الأولى بوجوه عديدة فراجع.
الإشكال بلزوم العمل بالمرجحات المنصوصة في الفتاوى
مناقشة أخرى([1]): ان القول بشمول الروايات للفتويين يستلزم القول بالترجيح بالمرجحات المنصوصة (أو الأعم) فيها وهو باطل، وذلك هو ما ذكره في بيان الفقه بقوله (واما الايراد الثاني فهو أنّه لو صحّ العمل بأخبار التخيير في المقام، لزم العمل بأخبار المرجّحات، فيرجّح بما ذكر في الروايات من الوجوه المرجحة مع أنه لم يقل به أحد)([2]).
والمقصود من المقام هو تخالف فتويي الفقيهين، مع انه لم يقل أحد بترجيح فتوى أحد الفقيهين على الآخر لمجرد الاعدلية أو الأورعية أو الاصدقية([3]) والمقصود من الترجيح الترجيح من المنع من الآخر أي تعيّن ذي المرجح أي الترجيح بها إلزاماً، وهذا مع قطع النظر عن ان (الاصدقية) ترتبط بالحس والنقل ولا ترتبط بالحدس والفتوى فلا مورد لها في المقام.
الجواب: الترجيح بالمرجحات مستحب
وأجاب السيد العم عن ذلك بقوله (وثانياً: أنّ في المرجحات المذكورة بناء جمهرة المتأخرين بل والمتقدّمين أيضاً على استحبابها – لا وجوبها – ونقول باستحبابها في المقام أيضاً، ولا شك في أنّها مرجحات مفضّلة وإن لم تكن واجبة)([4]).
الرد: الروايات نص في تعيّن الترجيح بها
ولكن يرد عليه مبنىً بان الروايات الدالة على الترجيح بتلك المرجحات([5]) بين نص في التعيين وبين ظاهر بل ظاهر أقرب إلى النص منه إلى مجرد الظهور فلا يصح حملها على الاستحباب، ولنشر إلى بعض الروايات:
أ- قوله ( عليه السلام ) ((مَا خَالَفَ‏ الْعَامَّةَ فَفِيهِ‏ الرَّشَاد))([6]) فانه نص في انه فيه الرشاد ويفيد ان موافق العامة فيه الضلال، فكيف تكون مخالفة العامة مرجحاً استحبابياً مما يعني صحة العمل بموافق العامة؟
ب- قوله ( عليه السلام ) ((وَمَا جَاءَكُمْ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ فَلَمْ‏ أَقُلْه‏))([7]) ومن البيّن ان ما لم يقله ( عليه السلام ) لا يجوز العمل به أو إسناده إليه.
وهذا كله لو لم نقل بانها في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة كما هو الظاهر. فتدبر
ج- قوله في رواية زرارة ((سَأَلْتُ الْبَاقِرَ ( عليه السلام ) فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاك‏ يَأْتِي‏ عَنْكُمُ‏ الْخَبَرَانِ‏ أَوِ الْحَدِيثَانِ الْمُتَعَارِضَانِ فَبِأَيِّهِمَا آخُذُ فَقَالَ ( عليه السلام ) يَا زُرَارَةُ خُذْ بِمَا اشْتَهَرَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَ دَعِ الشَّاذَّ النَّادِرَ فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي إِنَّهُمَا مَعاً مَشْهُورَانِ مَرْوِيَّانِ مَأْثُورَانِ عَنْكُمْ فَقَالَ ( عليه السلام ) خُذْ بِقَوْلِ أَعْدَلِهِمَا عِنْدَكَ وَأَوْثَقِهِمَا فِي نَفْسِكَ فَقُلْتُ إِنَّهُمَا مَعاً عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ مُوَثَّقَانِ فَقَالَ ( عليه السلام ) انْظُرْ مَا وَافَقَ مِنْهُمَا مَذْهَبَ الْعَامَّةِ فَاتْرُكْهُ وَخُذْ بِمَا خَالَفَهُمْ قُلْتُ رُبَّمَا كَانَا مَعاً مُوَافِقَيْنِ لَهُمْ أَوِ مُخَالِفَيْنِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ فَقَالَ إِذَنْ فَخُذْ بِمَا فِيهِ الْحَائِطَةُ لِدِينِكَ وَاتْرُكْ مَا خَالَفَ الِاحْتِيَاطَ فَقُلْت‏ إِنَّهُمَا مَعاً مُوَافِقَانِ لِلِاحْتِيَاطِ أَوْ مُخَالِفَانِ لَهُ فَكَيْفَ أَصْنَعُ فَقَالَ ( عليه السلام ) إِذَنْ فَتَخَيَّرْ أَحَدَهُمَا فَتَأْخُذَ بِهِ وَ تَدَعَ الْأَخِيرَ))([8]) فان ظاهره وجوب الأخذ بالمشهور وحرمة الأخذ بالشاذ النادر، وكذا الأمر في (خذ بقول اعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك) و(فاتركه وخذ بما خالفهم) نعم الاحتياط يمكن حمله على الاستحباب إلا انه أيضاً خلاف ظاهر الأمر (خذ بما فيه الحائطة لدينك....)
د – قوله ( عليه السلام ) في مقبولة عمر بن حنظلة ((قَالَ‏ قُلْتُ فِي‏ رَجُلَيْنِ‏ اخْتَارَ كُلُ‏ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ فِي حَقِّهِمَا فَاخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا وَ كِلَاهُمَا اخْتَلَفَ فِي حَدِيثِنَا قَالَ الْحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَ أَفْقَهُهُمَا وَ أَصْدَقُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَ أَوْرَعُهُمَا وَ لَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ الْآخَرُ قَالَ قُلْتُ فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَيْسَ يَتَفَاضَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ‏ قَالَ فَقَالَ يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمَا عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمِعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُكَ فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا وَ يُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ حُكْمُنَا لَا رَيْبَ فِيهِ‏([9]) وَ إِنَّمَا الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ أَمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُهُ فَمُتَّبَعٌ وَ أَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَمُجْتَنَبٌ وَ أَمْرٌ مُشْكِلٌ يُرَدُّ حُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص حَلَالٌ بَيِّنٌ وَ حَرَامٌ بَيِّنٌ وَ شُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ نَجَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَ مَنْ أَخَذَ بِالشُّبُهَاتِ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ وَهَلَكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ قُلْتُ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمْ مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ قَالَ يُنْظَرُ فَمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ خَالَفَ الْعَامَّةَ أُخِذَ بِهِ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَجَدْنَا أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ مُوَافِقاً لِلْعَامَّةِ وَ الْآخَرَ مُخَالِفاً لَهَا بِأَيِّ الْخَبَرَيْنِ يُؤْخَذُ قَالَ بِمَا يُخَالِفُ الْعَامَّةَ فَإِنَّ فِيهِ الرَّشَادَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَإِنْ وَافَقَهُمَا الْخَبَرَانِ جَمِيعاً- قَالَ يُنْظَرُ إِلَى مَا هُمْ إِلَيْهِ أَمْيَلُ حُكَّامُهُمْ وَ قُضَاتُهُمْ فَيُتْرَكُ وَ يُؤْخَذُ بِالْآخَرِ قُلْتُ فَإِنْ وَافَقَ حُكَّامَهُمْ وَ قُضَاتَهُمُ الْخَبَرَانِ جَمِيعاً قَالَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَرْجِهِ‏([10]) حَتَّى تَلْقَى إِمَامَكَ فَإِنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الِاقْتِحَامِ فِي الْهَلَكَاتِ))([11]). فلاحظ قوله ( عليه السلام ) (الحكم ما حكم به أعدلهما...) فان ظاهره ان هذا هو حكم الله وأنه المطابق للواقع دون الآخر و(لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر) فان ظاهره انه لا يلتفت إليه لبطلانه وسقوطه وكذا قوله (ينظر... فيؤخذ به من حكمنا...) فان ظاهره ان هذا هو حكمهم ( عليهم السلام ) لا ذاك و(فما وافق حكم حكمه الكتاب والسنة أخذ به) وقوله (بما يخالف العامة فان فيه الرشاد) و(ينظر إلى ما هم أميل...)
والحاصل: ان حملها على الاستحباب خلاف الظاهر جداً بل غريب، وسيأتي الجواب بإذن الله تعالى عن ما علّل به الآخوند وجه الحمل على الاستحباب.
جواب آخر: الإجماع هو الفارق بين البابين
كما أجاب السيد العم عن ذلك بقوله (ورابعاً: ليكن الإجماع على عدم إنسحاب المرجّحات إلى باب الفتوى دليلاً على اختصاص الباب بذلك، للإجماع، لا دليلاً على كونه باباً برأسه غير ذاك الباب. فليكن ذلك من باب تفريق المتّفق لأجل دليل شرعي، لا من باب تفريق المختلف، وما أكثره في الفقه، والله العالم)([12]).
وحاصله: انه على القول بشمول روايات التخيير للفتويين، فحيث اشتملت على شطرين: الترجيح بالمرجحات المنصوصة ثم التخيير مع عدمها، وحيث منع مانع – وهو الإجماع - عن شمول الشطر الأول من روايات التخيير للفتويين (إذ الإجماع على عدم الترجيح بتلك المرجحات، في الفتاوى)، بقي الشطر الثاني من الروايات وهو الدال على التخيير شاملاً للفتويين من غير مانع.
الرد: الروايات ظاهرة في الترتب وعدم الانفكاك
ولكن يرد عليه: ان الروايات نص أو كالنص في ترتب التخيير على فقدان المرجح في الأمر نفسه وان الواجب الاخذ بالمرجح في المتخالفين فان فُقِد تخيّر، فيكون الإجماع على عدم الترجيح بها في الفتويين قرينة على عدم شمول الروايات لتخالف الفتويين أبداً لا انها شاملة بشطرها الثاني فقط، فراجع ما سلف من رواية زرارة ومقبولة عمر بن حنظلة
والحاصل ظهور كون مصبها واحداً وان ما يتخير فيه هو نفس ما لزم الترجيح فيه لو وجدت المرجحات.
وقد يجاب بان بعض الروايات خالية عن الشطر الأول إذ لم تتطرق للمرجحات بل ابتدأت بالتخيير أو التوقف ومنها ما سبق من رواية الاحتجاج عن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في جوابه عن مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري: ((إِنَّ فِيهِ‏ حَدِيثَيْنِ‏ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ إِذَا انْتَقَلَ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى فَعَلَيْهِ التَّكْبِيرُ وَ أَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَكَبَّرَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامِ بَعْدَ الْقُعُودِ تَكْبِيرٌ وَ كَذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى وَ بِأَيِّهَا أَخَذْتَ مِنْ جِهَةِ التَّسْلِيمِ كَانَ صَوَابا))([13])
ومنها: ما في التهذيب عن علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) ((اخْتَلَفَ‏ أَصْحَابُنَا فِي‏ رِوَايَاتِهِمْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ فَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنْ صَلِّهِمَا فِي الْمَحْمِلِ وَ رَوَى بَعْضُهُمْ أَنْ لَا تُصَلِّهِمَا إِلَّا عَلَى الْأَرْضِ فَأَعْلِمْنِي كَيْفَ تَصْنَعُ أَنْتَ لِأَقْتَدِيَ بِكَ فِي ذَلِكَ فَوَقَّعَ ( عليه السلام ) مُوَسَّعٌ عَلَيْكَ بِأَيَّةٍ عَمِلْتَ))([14])
وعليه: فلا مانع من القول بشمولها للفتويين إذ لم تُعلِّق التخيير على فقد المرجحات.
وفيه: ان تلك الروايات تصلح قرينة على الترتب في هذه أيضاً، وبعبارة أخرى: تُقيّد تلك هذه؛ لإطلاق هذه بالتخيير مطلقاً وتفصيل تلك([15]). فتأمل([16]) وللبحث تتمة غداً بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 
([1]) سبقت المناقشة الأولى وهي عدم شمول روايات التخيير لتخالف الفتاوى، لاختصاصها بتخالف الروايات فانه موضوعها المصرح به فيها.
([2]) بيان الفقه ج2 ص171-172.
([3]) نعم يرجّح (بل يُعيَّن على رأي) بالافقهية.
([4]) بيان الفقه ج2 ص172.
([5]) وهي المعبر عنها بالمرجحات المنصوصة.
([6]) الكافي (ط – الإسلامية) ج1 ص68.
([7]) الكافي (ط – الإسلامية) ج1 ص69.
([8]) مستدرك الوسائل ج17 ص303 ح2.
([9]) قوله ( عليه السلام ) (فان المجمع عليه) أي المشهور في الرواية (لا ريب فيه) والظاهر ان لا ريب فيه أي بالنسبة للآخر، أو في حد نفسه لكن عرفاً لا دقة أو لتنزيله منزلة العدم. فتأمل
([10]) أي أخّره و قف ولا تحكم.
([11]) من لا يحضره الفقيه ج3 ص9.
([12]) بيان الفقه ج2 ص172-173.
([13]) الاحتجاج ج2 ص483.
([14]) تهذيب الأحكام ج3 ص228.
([15]) إذا علّقت التخيير أو الإرجاء، على فقد المرجحات.
([16]) إذ قد يقال: انها وإن تقيدت إلا انها تتقيد فيما أمكن ان تتقيد به وهو الروايات المتخالفة لا فيما لم يمكن (وهو الفتويان) ولو للاجماع. فتأمل

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1429
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 5 ربيع الاول 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23