• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 458- لابد من معرفة منشأ السيرة ووجهها ، فقد تحتاج للامضاء وقد لا تحتاج 2ـ ما ذكره الاصفهاني عن الاخوند : الملازمة بين حجية شيء لدى العقلاء وحجيته لدى الشارع .

458- لابد من معرفة منشأ السيرة ووجهها ، فقد تحتاج للامضاء وقد لا تحتاج 2ـ ما ذكره الاصفهاني عن الاخوند : الملازمة بين حجية شيء لدى العقلاء وحجيته لدى الشارع

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(29)
والحاصل: انه إن احرزنا ان منشأ السيرة هو الفطرة أو العقل أو النبي فهي حجة من غير توقف على الإمضاء، وإن احرزنا ان منشأها الطاغوت – وهو المنشأ الأول الذي ذكره الميرزا – أو القوة الشهوية أو الغضبية، توقفت حجيتها على الإمضاء، وان شككنا في المنشأ توقفت حجيتها على الإمضاء أيضاً.
وجه السيرة ونكتتها
ثم انه لا بد من إحراز وجه السيرة مع الشك في منشئها([1]) بل حتى مع العلم بمنشئها في الجملة([2])، ولنمثل لذلك بالاستصحاب فان الشيخ ذهب إلى ان سيرة العقلاء استقرت عليه نظراً لغلبة بقاء الشيء على ما هو عليه المورثة للظن النوعي بالبقاء وليست من باب التعبد([3])، وذهب الآخوند([4]) إلى انها يمكن ان تكون من باب الرجاء والاحتياط أو من باب الاطمئنان بالبقاء أو من باب الغفلة وان من يعود إلى ما شك في بقائه من منزل قديم مثلاً لصاحب قديم أو من بناء على بقاء الغائب حياً فانه لعله رجاءاً لبقائه او احتياطاً (والرجاء والاحتياط غير ملزمين) وقد يكون للغفلة عن احتمال انعدامه وزواله أو تحوله أو موته فيبقي ما كان على ما كان لغفلته عن احتمال زواله ووثوقه ببقائه غفلة عن احتمال فنائه وزواله، فلا يكون حجة أصلاً([5])، وذهب النائيني إلى ان السيرة ترجع إلى الفطرة المركوزة في أذهانهم على البناء على بقاء المتيقن. قال المحقق النائيني([6]) (لا ينبغي التأمل في أن الطريقة العقلائية قد استقرت على ترتيب آثار البقاء عند الشك في الارتفاع وليس عملهم على ذلك لأجل حصول الاطمينان لهم بالبقاء، أو لمحض الرجاء، بداهة أنه لا وجه لحصول الاطمينان مع فرض الشك في البقاء، والعمل برجاء البقاء إنما يصح فيما إذا لم يترتب على عدم البقاء أغراض مهمة، وإلا لا يكاد يمكن ترتيب آثار البقاء رجاء، مع أنه يحتمل فوات المنافع أو الوقوع في المضار المهمة ، فعمل العقلاء على الحالة السابقة ليس لأجل الرجاء ولا لحصول الاطمينان، بل لكون فطرتهم جرت على ذلك فصار البناء على بقاء المتيقن من المرتكزات في أذهان العقلاء) كما استدل بلزوم اختلال النظام لولا ذلك قال (وهذه الدعوى في الجملة مما لا إشكال فيها ولا سبيل إلى إنكارها، لأنه قد استقرت الطريقة العقلائية على العمل بالحالة السابقة وعدم الاعتناء بالشك في ارتفاعها، كما يشاهد ذلك في مراسلاتهم ومعاملاتهم ومحاوراتهم، بل لولا ذلك يلزم اختلال النظام، فان النيل إلى المقاصد والوصول إلى الاغراض يتوقف غالبا على البناء على بقاء الحالة السابقة، ضرورة أن الشك في بقاء الحياة لو أوجب التوقف في ترتيب آثار بقاء الحياة لانسدت أبواب المراسلات والمواصلات والتجارات، بل لم يقم للعقلاء سوق)
أقول: الظاهر ان سيرة العقلاء على إبقاء ما كان على ما كان ليست لما ذكره الآخوند بل ولا لما ذكره الشيخ ولا لما ذكره النائيني بل لأمرٍ أسبق رتبة مما ذكره الشيخ والميرزا وهو اقتضاء الشيء في حد ذاته تكويناً للبقاء على ما كان عليه في صورة الشك في الرافع أو المانع لا المقتضي فانه هو الذي استوجب حكم العقلاء بالبقاء([7]) وهو الذي أوجب غلبة البقاء والظن به، وعلى أي فالتعليل بأي منها تامّ كالتعليل بأي من الـمُعِدَّين الطوليين أو المعدّات الطولية فتأمل.
وكذلك جريان سيرة العقلاء على القصاص وبناؤهم على ثبوت حق له به فلو ضربه ضَرَبه أو كان له ان يضربه([8])، فلا بد من التفتيش عن ان منشأها الفطرة والعقل أو القوة الغضبية، ولو لم يحرز ان وجهها الأولان فليفتش عن ان وجهها هو إقرار النظام ودفع اختلاله لو لم يجعل هذا الحق، أو هو سقوط حرمته بنفس هذا القدر، أو انه صِرف التنفيس عن القوة الغضبية، والظاهر أحد الأوّلين لا الأخير.
وكذلك جريان سيرة العقلاء على النهي عن المنكر (أي كل ما فرض منكراً، إذ الكلام ليس في تحقيق الموضوع بل في الحكم وحالهم تجاه المنكر بعد الفراغ عن مصداقية المصداق) فان وجهها لا بد من إحرازه وانه مثلاً كراهة الإنسان بعقله أو فطرته للمنكر ونزوعه بفطرته أو بعقله للنهي عنه والامارة عليه انه يرى هذا الحق حتى ان خالف شهوته أو قوته الغضبية، أم لا.
والأمر في المقام (التبعيض في التقليد) كذلك إذ يحتمل كون سيرتهم على التبعيض من باب المسامحة والتساهل أو من باب الغفلة عن احتمال تعيّن تقليد الواحد وعدم صحة التبعيض، لكن فيه: ان الظاهر ان جهة سيرتهم هو لحاظهم تساوي رأيي الخبيرين (سواء في الهندسة أم الطب أم الفقه أم غيرها) في الكاشفية عن الواقع – في فرض كونهما متساويين([9]) - لذا لا يرون المكلف ملزماً للتقيد برأي أحدهما في كل المسائل والشؤون.
ومن ذلك يعلم حال الكثير من السِير([10]) فتدبر جيداً
الوجه الثاني: الملازمة بين سيرة العقلاء وحكم الشارع
وقد يقال: بان وجه حجية السيرة، الذي به نستغني عن شرطي الاتصال والإمضاء، هو الملازمة بين حجية شيء لدى العقلاء وحجيته لدى الشارع، فهو كقاعدة الملازمة إذ يقال (كلما حكم به العقل حكم به الشرع) فحيث كانت الملازمة ثبوتية بين حكمي العقل والشارع لم نحتج إلى دليل إثباتي على حكم الشارع من إمضاء وغيره، فكذلك هناك ملازمة ثبوتية بين حكم العقلاء وسيرتهم وحكم الشارع فلا وجه مع ذلك للتوقف على إمضاء من الشارع إذ هو كالقول بحاجة حجج الشارع أو أحكامه إلى أمضاء منه.
والوجه في ذلك هو دعوى مرآتية عقول العقلاء لعقل الشارع – أي النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو الإمام ( عليه السلام ) - فسيرتهم كاشفة عن عقلهم – أي المرتكز فيه – وعقلهم أي مرتكزاتهم كاشفة عن مرتكزات الشارع وهي حجة دون ريب.
أو الوجه هو دعوى تضمن العقلاء لعقل الشارع وكونه منهم بل سيدهم
وإلى بعض ما ذكرناه اشار المحقق الاصفهاني ناقلاً عن شيخه الآخوند الخراساني بقوله([11]) (ومبنى شيخنا الأستاذ([12]) في الاكتفاء بنفس عدم ثبوت الردع هو ان الشارع أحد العقلاء بل هو رئيسهم فهو بما انه عاقل متحد المسلك معهم) وذلك رداً منه على كلام الحائري – مؤسس الحوزة بقم – الذي رأى ان حجية السيرة منوطة برضا الشارع وإمضائه فعدم العلم به كافٍ في عدم الحجية فقال الاصفهاني (ومبناه انه لا ملازمة بين حجية شيء لدى العقلاء وحجيته عند الشارع فلا بد من إمضائه) فأجاب بما سبق. فتدبر
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
 
 
([1]) إذ قد يقال انه مع العلم بان منشأها العقل أو الفطرة أو النبي فهي حجة دون حاجة إلى إحراز وجهها.
([2]) إذ يراد بالوجه الوجوب أو الاستحباب أو الرجاء أو ما أشبه فلعلها لم تكن لوجوبها فلا تدل على الوجوب ولعلها لم تكن لالزامها بل للرجاء فلا تدل على لزوم الالتزام بمقتضاها.
([3]) بالروايات.
([4]) الكفاية / أول بحث الاستصحاب.
([5]) وقد يكون للظن ولو نوعاً فهم يتبعون الظن لا الحالة السابقة بما هي هي وان ظنوا بالعدم وهذا الشق الرابع مما ذكره الآخوند.
([6]) فوائد الأصول ج4 ص332.
([7]) وهو وجه جعل ذلك مرتكزاً فطرياً في نفوسهم واذهانهم.
([8]) وهذا يعود إلى الارتكاز وإلى بنائهم لا إلى السيرة.
([9]) وهي الصورة التي لا كلام عليها.
([10]) كجريان سيرة الآباء على ضرب أبنائهم فانه لا بد من لحاظ ان منشأها التأديب أو طغيان القوة الغضبية أو غير ذلك فان احرز ان منشأها الأول دلت على الجواز إجمالاً إذ يكون المنشأ الحاكم بذلك هو العقل أو الفطرة. وكذلك الحال في النهي عن المنكر فهل هو لفرض ولاية لكل إنسان على مرتكب المنكر بقدر الردع وبدرجاته؟ أو هو لسقوط احترامه بقدره؟ أو هو حفظاً للنظام؟ أو للفوائد الأعم؟ أو حفظاً للغرض من الخلقة؟ أو غير ذلك؟
([11])  نهاية الدراية  ص233.
([12]) أي الآخوند الخراساني.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1420
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 24 محرم 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23