• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 279- تتمة الجواب السابق ووجهان آخران .

279- تتمة الجواب السابق ووجهان آخران

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النَجش
(مدح السلعة أو الزيادة في ثمنها ليزيد غيره)
(3)
سبق الاستدلال على حرمة النجش بانه إضرار وانه قد أجيب بان المشتري إنما يقدم على الضرر باختياره ومضى بعض الكلام والجواب على دعوى مسقطية الإقدام لحرمة الإضرار، وسنعيد صياغة البحث بما يتضمن أجوبة أخرى فنقول: يرد على دعوى ان الإقدام غير مشمول لقاعدة لا ضرر:
الجواب مبنىً: إنكار (استثناء الإقدام) من المشمولية للا ضرر
أولاً: مبنىً بانه قد يقال بانه لا دليل على استثناء الإقدام من المشمولية لقاعدة لا ضرر إذ لم يرد لفظ الإقدام في آية ولا رواية، والحاصل: ان تخصيص قاعدة لا ضرر بصورة عدم الإقدام تخصيص بغير مخصص فهو نظير تخصيصه بعدم العلم، وإلى ذلك ذهب المحقق الايرواني وهو المنقول عن المحقق الاصفهاني.
لا يقال: لا شبهة في استثناء مثل الهبة والهبة لمعوضة بالقليل جداً والبيع رخيصاً والشراء غالياً ونظائرها؟.
إذ يقال: لا شبهة في ان حكم هذه كذلك، إلا انه لدليل السلطنة أو غيره من الأدلة الخاصة أو العامة كالارتكاز القطعي والسيرة المتشرعية بل والعقلائية والإجماع على جواز ذلك، ولا يمكن اصطياد قاعدة عامة من هذه الموارد (وهي المسماة بالإقدام) للتعدي منها إلى غيرها.
وبناءاً: المستثنى هو الاقدام على الاضرار بنفسه أو ماله، لا بغيره
ثانياً: بناءاً، فانه لو سلمنا المبنى – كما عليه المشهور – فالجواب ان الإقدام الخارج عن لا ضرر هو ما كان في دائرة نفسه لا ما كان في شؤون غيره.
بعبارة أخرى: ان المستثنى هو ان له ان يُقدِم على الاضرار بنفسه([1]) فلو أقدم لما رفع لا ضرر حكمه، وليس المستثنى ان يقدم على الاضرار بغيره، والموارد المذكورة الآنفة ونظائرها كلها من دائرة الإقدام على الإضرار بماله ولا دليل على حرمة الإضرار بالنفس أو المال أو العرض على إطلاقه بل الحرام بعض مراتبه:
فمن النفس: إزهاق الروح وقطع العضو وذهاب القوة وقد يلحق به الجرح البليغ جداً، أما سائر مراتب الإضرار بالنفس فلا دليل على حرمتها ولذا لم يحرِّم المشهور شبه المجمع عليه التدخين مع أضراره التراكمية التي لا تخفى كما لا تحرم التخمة ونظائرها مما هي ضارة بالصحة قطعاً.
ومن العرض: عدم حرمة الدخول مداخل السوء وإن إتّهم([2])
ومن المال: عدم حرمة الإضرار القليل بماله كأن يهدم جدار داره لا لغاية، نعم يحرم ما دخل في عنوان الإسراف([3])، كما يحرم الإضرار الكثير لا لغاية عقلائية مما يلحقه العقلاء بالعمل السفهائي وقد يستلزم الحكم بالحجر عليه. فتأمل
والحاصل: ان الجائز الاضرار بالنفس أو المال أو العرض ببعض مراتبها فقط، ولا يجوز الإضرار بالغير مطلقاً ولا بإتلاف درهم من ماله أو بضربه ضربة خفيفة أو غير ذلك.
والمقام من قبيل الإضرار بمال الغير لا النفس، إذ الناجش بتدخّله يُضر بغيره وهو المنجوش عليه فليس مشمولاً لقاعدة الإقدام حتى لو قلنا باستثناءها من قاعدة لا ضرر، نعم للمشتري أن يقدم على ضرر نفسه بان يشتريه بالقيمة الأعلى لكنه ليس مورد الكلام كما لا يخفى.
والحاصل: ان جواز ان يضر المكلف بنفسه أو بماله أو عرضه في حدوده، لا يستلزم جواز ان يضر به الغير في احدها فتدبر جيداً.
والوجه في استثناء الأمور المالية أحد أمور أربعة لا تشمل الإضرار بالغير
ثالثاً: ما سبق تفصيله([4]) وبقيت تتمته من ان (استثناء الإقدام على الأمور المالية من مشموليته لقاعدة لا ضرر قد علّله الفقهاء كلٌّ بعلة، والعلل بأجمعها لا تجري في النجش، ومن العلل:
أ- لأن لا ضرر وارد مورد الامتنان ولا امتنان في عدم تجويز ما أقدم عليه الشخص بنفسه فانها رغبته... وفي المقابل فان الامتنان هو في عدم تجويز الإقدام على الاضرار بالغير.
ب – ان وجه ذلك قاعدة السلطنة وحكومتها على لا ضرر وهذا أيضاً جار في إقدام الشخص على الإضرار بنفسه، لا الاضرار بغيره كما يفعله الناجش.
ج- ما ذكره الشيخ من (لأن الضرر حصل بفعل الشخص لا بحكم الشارع...)- انتهى
وبقي:
د – وقد يقال: ان وجه ذلك إنصراف أدلة لا ضرر عن شمولها لإقدام الشخص بنفسه على الإضرار بماله – في حدوده – وهو ما ارتضاه السيد العم في (لا ضرر)([5]) ولعل وجه الإنصراف مناسبات الحكم والموضوع كما لعل وجهه الارتكاز العقلائي في ان للشخص ان يتصرف في أمواله تصرفاً ضررياً في الجملة، ولعل وجه ارتكازهم وبناءهم ملاحظتهم مقتضيات باب التزاحم([6]) من جهة وقاعدة السلطنة من جهة ومصلحة التسهيل ومقتضيات الحرية في الجملة من جهة. ولهذا تفصيل يوكل لمظانه.
وجوب الإقدام على الضرر لا يرفع حرمة الاضرار
بل نقول: ان وجوب الإقدام على الضرر لا يرفع حرمة تسبيب الغير لإقدامه على ذلك الضرر، فهو لفاعله جائز ولمسبِّبه حرام، ألا ترى ان الجائر لو هدده بذبح ابنه أو قطع يده أو رجله لو لم يعطه سيارته أو داره أو سائر ما يملكه مثلاً فأعطاه إياه فان إعطاءه له عليه واجب (أو فقل: الإقدام على الإضرار بنفسه دفعاً للضرر الأكبر واجب) إلا ان إضرار الجائر به حرام تكليفاً وباطل وضعاً فلا يملك ما أخذه منه.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
 
([1]) نفساً أو مالاً أو عرضا في الجملة.
([2]) كأن يصاحب الأشرار وإن ضَمِن عدم الانحراف ولم تقارنه معصية وكان بدون غاية هدايتهم أو تفتيت جمعهم أو شبه ذلك، وكالدخول إلى السينماءات وان خلت من المحرمات مادام ذلك مظان التهمة فانه مكروه وليس بحرام بذاته إلا لو كان إغراءاً للغير للاقتحام في المحرم منها وشبه ذلك.
([3]) أو ان حرم حرم من باب الإسراف.
([4]) في الدرس السابق.
([5]) بيان الفقه / لا ضرر / ص357 قال: (لا يبعد التزام انصراف (لا ضرر) عن مثل الإقدام على الضرر المالي، ولا أقل من الشك في ظهور (لا ضرر) ظهوراً شاملاً لمثل المُقدِم على الضرر، والشك في الظهور شك في الحجية وهو مجرى أصل عدم الحجية وعدم الظهور).
([6]) لأن في الاضرار بمال نفسه نفعاً بحال غيره، في المعاملات وشبهها كالهبة والهبة المعوضة بالشيء البسيط جداً والضيافة والبيع رخيصاً جداً كالبيع بِعُشر القيمة والشراء غالياً جداً كالشراء بعشرة أضعاف الثمن.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1411
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 25 ربيع الأول 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23