• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1435-1436هـ) .
              • الموضوع : 273- الادلة على جواز اللعب ومناقشتها... .

273- الادلة على جواز اللعب ومناقشتها...

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث 
(35) 
ثم ان هنالك أدلة أقيمت على جواز اللعب بقول مطلق وأدلة على حرمته مطلقاً والحق التفصيل بين ما ورد النهي عنه بعنوانه وغيره، اما أدلة الطرفين فمدخولة والمرجع (كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) واصل الجواز والإباحة. 
الأدلة من الآيات والروايات على جواز اللعب 
أما الأدلة على الجواز فقد استدل السيد الوالد في المكاسب المحرمة عليه([1]) بـ: 
1- الاستدلال بـ(يرتع ويلعب) ومناقشته 
أ- قوله تعالى: Pأَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْO([2]) قال (بضميمة ان الشرائع السابقة حجة علينا في غير المنسوخ نصّاً أو فتوى، فإنّهم قالوا ذلك للنبي يعقوب A ولم ينكر عليهم)([3]) 
ولكن قد يورد على هذا الاستدلال: 
بان يوسف كان طفلاً حينذاك وجواز اللعب للطفل لا يستلزم جوازه للبالغ كما هو واضح ولا فرق في ذلك بين القول بكون الشرائع السابقة عامة لنا بأدلتها بدعوى عموم خطابها لكل الأمم إلا ما عُلم نسخة أو القول بكونها شاملة للأمم اللاحقة بالاستصحاب. 
نعم، الاستدلال غير تام على قراءة نافع (يرتع ويلعب)، وهي القراءة المتداولة، اما ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر فقد قرأوا هكذا (نرتع ونلعب) وعلى هذه القراءة يتم الاستدلال لوضوح كونهم رجالاً بالغين،لكن سبق ان المنصور ان القرآن نزل من عند الواحد على حرف واحد كما في الرواية، Sعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ A إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَقَالَ كَذَبُوا أَعْدَاءُ اللَّهِ وَ لَكِنَّهُ نَزَلَ عَلَى‏ حَرْفٍ‏ وَاحِدٍ مِنْ عِنْدِ الْوَاحِدِR([4])كما انه مبنى السيد الوالد أيضاً فلا حجية لهذه القراءة، كما سبق ان سائر القراءات غير ممضاة بحيث يستفاد منها حكم شرعي خلافاً لمن وافق على عدم تعدد القراءات ثبوتاً لكنه ارتأى إمضاء الأئمةbلغير القراءة النازلة، لِحَكمٍ، كما فصلناه في العام الماضي فراجع. 
الاستدلال بـ(وإذا رأوا تجارة أو لهوا...) والمناقشة 
ب – قوله تعالى: P وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَO([5]) 
قال السيد الوالد (ومن الواضح: انه لو كان حراماً أنكره النبي o، بالإضافة إلى السياق، وإنما كان الإنكار عليهم من جهة تركهم له o قائماً في الخطبة، مضافاً إلى دلالة PخَيْرٌO على الجواز)([6]). 
لكن قد يورد على هذا الاستدلال: 
أولاً: انه لا يعلم ان النبي o لم ينكره، أي لا محرز لعدم إنكاره. 
لا يقال: لو كان لبان؟ 
إذ يقال: ذلك لو كانت القضية عامة سيالة للمكلفين ومورد ابتلائهم، لا مثل هذه القضية الخاصة به صلوات الله عليه. فتأمل. 
وقد يقال بالاكتفاء بإنكاره تعالى في هذه الآية، لكن فيه ان ذلك تام على فرض كون الذم على اللهو، اما على تقدير كونه على (تركوك قائماً) فلا إنكار على اللهو لكن لا يصح الاستدلال به على جوازه([7]) وهذا هو وجه الإيراد الثاني إذ نقول: 
ثانياً: الآية ليست في مقام البيان من هذه الجهة إذ مصبها ومورد اهتمامها هو تركه o قائماً لذا ردع تعالى عنه، اما غيره فليست الآية مسوقة له (على فرض ان الذم هو تركه قائماً فقط وان اللهو والتجارة ظرف لذلك) فلا يستفاد من السكوتِالإمضاءُ، ولا من عدم الإنكار الجواز وذلك كما في P فَكُلُوامِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْO([8]) غير الدال على طهارة موضع العض إذ الآية مسوقة لحلية الأكل من حيث التذكية وعدمها لا للطهارة وعدمها، وذلك نظير مذمة المولى لولده بقوله (انشغلت بالمسابقة([9]) وتركت الصلاة أو انشغلت بغيبة الناس وتركت الصلاة) فانه حيث كان مسوقاً للذم على ترك الصلاة لم يدل بذاته على حكم المسابقة والغيبة وغيرها بل قد يكون ما انشغل به مستحباً كالمسابقة أو حراماً كالغيبة أو مباحاً كالأكل. 
وجه عدم دلالة (خير) على الجواز 
ثالثاً: ان (خير) في Pمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِO لا تدل على جواز اللهو لوجهين: 
الأول: دعوى غلبة استعمال (خير) في المجرد عن مفهوم التفضيل على الطرف الآخر مع كونه([10]) ذا فضل، إلى درجة إجماله بين إرادة الافضلية أو إرادة صرف الخيرية مع كون الطرف الآخر لا خير فيه أصلاً فتأمل إذ الظاهر عدم بلوغ كثرة الاستعمال درجة توجب الإجمال فكيف بالهجر والنقل، إلا ان يستند إلى مناسبات الحكم والموضوع([11]) في مثل المقام فيستظهر ببركتها التجرد عن معنى التفضيل فتأمل 
الثاني: ان (خير) وإن دلت على وجود الخير (الأقلّ) في الطرف الآخر لكنها أعم من الجواز إذ صِرف وجود المنفعة والفائدة([12]) ليس دليلاً على الجواز إلا مع إحراز عدم وجود المزاحم من المفسدة الأقوى، ألا ترى قوله تعالى: P يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَاO([13])؟ ولا يصح الاستدلال بإطلاق الآية([14]) على نفي وجود مفسدة مزاحمة إذ الآية ليست في مقام البيان من هذه الجهة. 
والحاصل: ان ذكر الشارع وجود مصلحة أو مفسدة في أمرٍ إذا لم يكن في مقام البيان للحكم، لا يصلح دليلاً على التحريم أو الإيجاب؛ إذ لا إحاطة لنا بكافة ملاكات الشارع الدخيلة في الحكم، واما التمسك بأصالة الحل والإباحة فأمر آخر فانه وإن تمّ لدى فقد الأدلة إلا انه غير التمسك بقول الشارع ضمناً ان في كذا منفعة كذا. فتأمل([15]) 
الاستدلال بروايتيإبنسيابهو(دع ابنك يلعب) والمناقشة 
ج- رواية ابن سيابه عن الإمام الصادق ASقَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:‏ لَا بَأْسَ‏ بِشَهَادَةِ الَّذِي‏ يَلْعَبُ‏ بِالْحَمَامِR([16]) 
وفيه: ان الموضوع في الرواية اللعب بالحمام وجوازه فلا تسقط عدالة من يلعب بالحمام مادام لم يقترن بالمحرمات كالنظر إلى الحُرمات مثلاً، فلا يتعدى منه إلى مطلق اللعب إلا بدعوى تنقيح المناط وهو ظني ولا سبيل إلى القطع به وانه لكونه لعباً؛ إذ لعل للّعب بالحمام خصوصيةً خاصة اقتضت جوازه ومن أين ان اللعب بالخاتم والقط والفأر مثلاً واجدة لنفس الملاك؟ خاصة مع وضوح اننا لا نعلم ملاكات أحكام الشارع بشتى تزاحماتها المقتضية لدوران الحكم مدارها وجوداً وعدماً فلعلها حكمة لا علة؟ 
د- كما استدل الوالد u بـ(روايات دعه يلعب)([17]) 
أقول: لم أجد رواية بهذا النص في الوسائل والمستدرك وجامع أحاديث الشيعة ولعل التتبع الأكثر يقود إلى وجودها، وعلى أي فان الموجود في التهذيب والكافي Sالْغُلَامُ‏ يَلْعَبُ‏ سَبْعَ‏ سِنِينَ وَ يَتَعَلَّمُ الْكِتَابَ سَبْعَ سِنِينَ وَ يَتَعَلَّمُ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ سَبْعَ سِنِينَR([18]) وفي من لا يحضره الفقيه Sدَعِ‏ ابْنَكَ‏ يَلْعَبْ‏ سَبْعَ سِنِينَ وَيُؤَدَّبْ سَبْعَ سِنِينَ وَأَلْزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعَ سِنِينَ فَإِنْ أَفْلَحَ وَإِلَّا فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا خَيْرَ فِيهِR([19]) 
يمكن الاستماع للدرس ومطالعة نص البحث على الموقع التالى: m-alshirazi.com 
وهذه الروايات لا دلالة فيها على جواز اللعب للبالغ كما لا يخفى، إذ لا ملازمة بين جواز الشيء للصبي وجوازه للبالغ، اللهم إلا ان تدعى الملازمة بين رجحانه شرعاً للصبي – المستفاد من الروايتين وغيرهما – وجوازه للبالغ. فتأمل. وللحديث صلةوصلى الله على محمد واله الطاهرين 
 
([1]) حيث لم يستدل الشيخ في المكاسب على الجواز بآية أو رواية. 
([2]) يوسف: 12. 
([3]) الفقه: المكاسب المحرمة ج2 ص60. 
([4]) الكافي (ط – الإسلامية) ج2 ص630. 
([5]) الجمعة: 11. 
([6]) المصدر ص60-61. 
([7]) أي بعدم الانكار على جواز اللهو. 
([8]) المائدة: 4. 
([9]) أي بأحد الثلاثة المستحبة. 
([10]) أي الطرف الآخر. 
([11]) وهو اللهو. 
([12]) خاصة إذا كانت منفعة متوهمة أو مادية كمنفعة اللهو على احتمالٍ. 
([13]) البقرة: 219. 
([14]) أي آية Pمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَO 
([15]) إذ قد يقال بالظهور العرفي لذلك في ذلك. فتأمل 
([16]) تهذيب الأحكام: ج6 ص284. 
([17]) الفقه المكاسب المحرمة ج2 ص61. 
([18]) الكافي (ط – الإسلامية) ج6 ص47، والتهذيب ج8 ص111. 
([19]) من لا يحضره الفقيه ج3 ص492.

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=1405
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 13 ربيع الاول 1436هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23