بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث
(32)
مناقشة مع الشيخ في وجه تحريم المسابقة
لكن يرد على الشيخ ( قدس سره ) انّ وجه فتوى المشهور – على القول بها – هو الروايات وليس([1]) ما ذكره من (فان الظاهر انه لا وجه له عدا كونه لهواً) وذلك لأن من قالوا بحرمة المسابقة ولو من دون رهن وبدون آلات قمار إستندوا اما إلى دعوى شمول عنوان القمار والمقامرة لها أو إلى قوله ( عليه السلام ) (لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ يَعْنِي النِّضَال)([2]) وندر من علّل بكونه لهواً.
بيان ذلك: انه ارتأى البعض ان القمار اسم للأعم من ما كان برهن أو بآلة قمار بل هو بمعنى المغالبة كما نقل ذلك الشيخ بنفسه أيضاً في أول المسألة الخامسة عشرة (القمار) وعليه ارتأوا حرمة مطلق المسابقة لكونها من أصناف المقامرة، فهذه هي جهة التحريم عندهم لا ما استنبطه الشيخ من ان السبب إدراجهم إياها في اللهو وان امكن ان يعلل بعضهم بذلك بل وان علّل بعضهم النادر بذلك([3]) لكن هذا غير دعوى الشيخ (ان المشهور حرمة المسابقة وانه لا وجه له عدا كونه لهواً).
كما ذهب جمع من الفقهاء إلى حرمة المغالبة استناداً إلى قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل)([4]).
وقد أجاب السيد الوالد في فقه المكاسب المحرمة عن ذلك بقوله: (استدل لمن قال بالمنع: بخبر ابن سنان عن الصادق ( عليه السلام ): (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل)، وبإطلاق القمار عليه لأنه مطلق المغالبة، وبأنه لهو بضميمة ما دلّ على حرمة اللهو مثل ما ورد في علّة تحريم اللعب بالنرد والشطرنج: بأنه من اللهو والباطل وما ورد من ان (كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث)([5])، وربما استدل بالإجماع المنقول في كلام بعضهم على ذلك.
وفي الكل ما لا يخفى: إذ لم يثبت ان (السبْق) بالسكون بل عن الشهيد الثاني ( قدس سره ) أنه بالفتح، وليس المقام من (المتباينين) بل (الأقل والأكثر) فالمتيقن يؤخذ به، وفي غيره تجري البراءة.
كما انه ليس بقمار قطعاً؛ لأنه لا يصدق عليه لا لغة ولا عرفاً ولا عند المتشرعة، فهل يقال لمن يتسابقان في مركب أو دابة أو سفينة أو ما أشبه: انهما يقامران؟
وكذلك لا دليل على ان مطلق اللهو حرام، بل الدليل على خلافه – كما سيأتي – بالإضافة إلى ان بين اللهو والمغالبة من وجه.
والإجماع مقطوع العدم، وعلى فرض غير واقع هو محتمل الإستناد، ومثله ليس بحجة كما قرر في محله)([6]).
والحاصل: ان امكان ان يعلل باللهو غير التعليل به وان تعليل البعض النادر به غير كونه مستند المشهور.
فائدة: النسبة بين السبْق والسبَق
السبْق بالسكون مصدر بمعنى المسابقة والسبَق بفتح الباء بمعنى المال المبذول للسابق، وحينئذٍ:
فلو لاحظنا اللفظ فهما متباينان والظاهر ان السكون ضد وجودي للحركات الثلاثة وليس عدماً لها وان كان هو المشتهر فانه تموج وحالة متميزة في الصوت وان الحرف الواحد يمكن ان يوجد باحدى حالات وجودية اربعة
واما لو لاحظنا المعنى فغير مترادفين بل متباينان واما لو لاحظنا المصاديق فقد يقال بانهما من الأقل والأكثر وقد يقال بانهما من العام والخاص([7])، إذ السبق بالتحريك أخص مطلقاً من السبْق بالسكون فان كل سبَق ففي سبْق ولا عكس فتأمل([8]) والسبْق جنس والسبَق انضم إليه فصله فالقدر المتيقن هو السبْق بالسكون إذ هو بمنزلة الجنس.
وعلى أية حال فانه حتى لو قلنا انهما من المتباينين ولم نحرز الوارد منهما فان السبق بالسكون أي المسابقة تبقى على أصالة الحل بعد إجمال الوارد وعدم إحراز انه بالسكون ليحرم.
نتيجة البحث:
انه لم يتم لنا دليل واحد من الروايات([9]) على حرمة مطلق اللهو سواء أفسرنا اللهو بمطلق اللعب لا لغرض عقلائي أم فسرناه بما كان عن بطر المفسّر بشدة الفرح (أو بما كان معه نوع كبر وخيلاء) أم فسرناه بما لم يكن لغرض عقلائي وكان انبعاثه عن القوى الشهوية بالمعنى الأعم للشهوة، وهي المعاني الثلاثة التي ذكرها الشيخ للّهو والتي قوّى حرمة ثانيها.
موجز الأدلة وعمدة الإشكالات عليها
وذلك لما مضى من الإشكال على الاستدلال بالطوائف الثمانية من الروايات، ولنشر ملخصاً إلى أهم إشكال على كل طائفة:
الطائفة الأولى: ما دل على حرمة (ما يكون منه وفيه الفساد محضاً ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح) كما في رواية تحف العقول.
وفيها: انه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ لا دليل على ان مطلق اللهو فيه ومنه الفساد محضاً، وهذا مع قطع النظر عن تحقيق كون الواو في (ولا يكون...) للجمع([10]) أو للتقسيم([11]).
الطائفة الثانية: رواية الاعمش حيث عدّ في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله.
وفيها: انها مقيدة بـ(التي تصد عن ذكر الله) حتى مع القول بان الملاهي جمع الملهى مصدراً لا الملهاة اسم آلةٍ.
الطائفة الثالثة: قوله ( عليه السلام ): (كلما الهى عن ذكر الله فهو الميسر).
وفيه: ان اللّهْي غير اللَّهْو والثاني هو مورد البحث.
الطائفة الرابعة: قوله ( عليه السلام ) (انما خرج في لهو لا يقصرّ).
وفيه: انه لا يدل على حرمته بل لعله عنوان مستقل يقتضي التمام إلى جوار عنوان فعل المحرم، سلمنا([12])، لكنه لا يدل على أكثر من ان الخروج للصيد اللهوي حرام لا مطلق اللهو، ولم نتطرق لدى ذكر الطائفة الخامسة من الروايات إلى هذه المناقشة إلا انها بلحاظ ما ذكرناه لاحقاً في تحقيق القياس الذي شكله الشيخ في الطائفة السادسة والسابعة، تامة([13]).
الطائفة الخامسة: قوله ( عليه السلام ) في جواب من سأله عن السماع (وهو في حيز اللهو).
وفيه: تعدد إطلاقات اللهو وان المراد باللهو هنا المعنى الاخص فلا يفيد حرمة اللهو بمعناه الأعم، ودلالة قرينة السؤال والجواب على حرمة اللهو الذي انطبق على الغناء ونظائره لا تقتضي حرمة مطلق اللهو.
الطائفة السادسة: ما دل على ان اللهو باطل بضميمة ما دل على ان الباطل حرام.
وفيه: عدم تكرر الحد الأوسط في القياس إذ للباطل إطلاقات عديدة.
الطائفة السابعة: رواية سماعة وفيها (فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم).
وفيها: انها لو دلت على الحرمة لما دلت إلا على حرمة ما كان شماتة بآدم – وضعاً أو قصداً - لا مطلق الملاهي وان سلمنا انها جمع الملهى لا الملهاة.
الطائفة الثامنة: روايات المقامرة و(لا سبق إلا...) وهي ما ناقشنا دلالتها في هذا الدرس.
فنحصل: انه لا يحرم من اللهو إلا ما ورد بعنوانه الخاص في الروايات كالغناء والشطرنج ونظائرهما فيبقى غيرها كالتصفيق والضرب بالطشت وأنواع اللهو واللعب على اصالة الحل، نعم لا شك في كون اللهو مرجوحاً فانه تضييع للعمر والوقت والمال وتبديد للنعمة وقد قال تعالى: ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)([14]) وقال ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)([15])
ويؤكد ما ذكرناه ان المشهور([16]) لم يذهبوا إلى حرمة اللهو بقول مطلق.
ولذا قال السيد الوالد (والروايات – بعد ضعف اسناد جملة منها وعدم عمل المشهور بمثل هذا الإطلاق، ضعيفة الدلالة، لأنها محفوفة بقرائن تدل على ان المراد منها: الغناء والقمار وما اشبه ذلك من المحرّمات.
ولو فرض السند والدلالة فما دل على الجواز مما تقدّم([17]) أقوى، فالجمع يقتضي الكراهة)([18]). وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) أو على الأقل لا دليل عليه، فلا ينفعه هذا الاستدلال، بل الدليل في بعض الفقهاء على العدم.
([2]) الكافي (ط – الإسلامية) ج5 ص49.
([3]) والذي نقله الشيخ ( قدس سره ) مما يفيده التعليل باللهو هو كلام المحقق الحلي في المعتبر، لا غير واما كلام الطوسي فغير دالّ إذ لعله يرى المحرم هو المجموع (سفر الصيد للهو) فتدبر.
([4]) وسائل الشيعة ج19 ص253.
([5]) وسائل الشيعة: ج8 ص361 ح15357 ووسائل الشيعة: ج13 ص347 ح24522.
([6]) فقه المكاسب المحرمة ج2 ص9-10.
([7]) الخاص جزئي والعام كلي واما الاقل فجزء أو جزئي والأكثر كل أو كلي. فتدبر
([8]) إذ كونه فيه غير كونه نوعاً منه أخص مطلقا.
([9]) وسنشير للآيات في البحث القادم بإذن الله تعالى.
([10]) فيكون المحرم ما اجتمع فيه الأمران.
([11]) فيكون المحرم ما كان فيه احدهما.
([12]) إذ سبق الاشكال عليه.
([13]) في تعدد إطلاقات الباطل، وكذا اللهو وفي وجه استدلال الإمام ( عليه السلام ) في تحريم اللهو. فراجع
([14]) المؤمنون: 115.
([15]) الذاريات: 56
([16]) بل يظهر من المحقق الايرواني الإجماع على عدم حرمة اللهو بقول مطلق.
([17]) وقد استدل ( قدس سره ) بالآيات والروايات والعقل فراجع ج2 ص60 -62 وتدبر وتأمل.
([18]) الفقه: المكاسب المحرمة ج2 ص63. |