بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث
(17)
استدلال الشيخ على حرمة مطلق اللهو برواية الأعمش
سبق استدلال الشيخ في المكاسب([1]) على حرمة مطلق اللهو بقوله (ورواية الأعمش حيث عد في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار)([2])
وقد مضى الإشكال على الاستدلال استناداً إلى كون (التي تصد عن ذكر الله) قيداً احترازياً وإن قلنا ان ظاهر الصد الفعلية (لا الاحتجابية) وان ذكر الله أعم. وعليه فان كون اللهو صاداً عن ذكر الله هو سبب التحريم لا خصوص كونه لهواً.
الإشكال: الملاهي مجملة: هل هي جمع الملهى أو الملهاة؟
واما الإشكال الآخر على استدلال الشيخ بالرواية فهو إجمال (الملاهي) وعدم معرفة المراد منها وانها جمع الملهى مصدراً([3]) ليفيد حرمة اللهو بأنواعه وانه من الكبائر أو انه جمع الملهاة وهي اسم آلة ليفيد حرمة الاشتغال بآلات اللهو لا اللهو نفسه كفعل من الأفعال وإلى ذلك أشار السيد الخوئي في مصباح الفقاهة قال:
(الأمر يدور بين رفع اليد عن ظهور الملاهي في اسم الآلة وحملها([4]) على الفعل([5]) وبين رفع اليد عن ظهور الغناء([6]) وحمله على الغناء في آلة اللهو، ولا وجه لترجيح أحدهما على الآخر فتكون الرواية مجملة، بل ربما يرجح رفع اليد عن ظهور الغناء، كما يدل عليه عطف ضرب الأوتار على الغناء)([7]).
مؤيدان للإشكال
أقول: فلنستدل له أولاً بما يعضده ثم لنناقش بما يمكن ان يورد عليه؛ إذ يؤيده:
أولاً قول بعض اللغويين. فقد قال في لسان العرب (الملاهي هي آلات اللهو).
وثانياً: ان العرف يفهم من الملاهي اسم الآلة لا المصدر. تقول مثلاً: مدينة الملاهي وتعني مدينة آلات اللهو أي بها مختلف آلات اللهو.
مناقشات للمؤيدين
ولكن يرد على المؤيد الأول:
مبنىً بانه ( قدس سره ) لا يرى اللغوي أهل خبرة في الوضع بل هو أهل خبرة في الاستعمال وهو أعم من الحقيقة.
وبناءاً – على المنصور من انهم أهل خبرة في الوضع وانهم يتصدون لذكر المعاني الحقيقية لا المجازية – بان اللغوي ليس في مقام الحد والرسم عادة بل تبديل اللفظ بلفظ أوضح أو أقرب منه فقد يكون مرادفاً وقد يكون أخص مطلقاً وقد يكون أعم، والظاهر في المقام انه تفسير بالمصداق فلا ينفي ذلك كون الملاهي جمعاً للملهى أيضاً، فهو كما لو ذكر أحد معاني المشترك اللفظي فانه لا ينفي غيره نعم غيره بحاجة لدليل، وفي المقام الدليل موجود فان كلاً من الملهى والملهاة يجمع على الملاهي فالملاهي أعم ولا ظهور لها في احدهما.
هذا إضافة إلى ان اللغوي أهل خبرة في الوضع على المبنى، لا في التصاريف ومعانيها – ومنه المقام إذ الكلام عن ان الملاهي هل هي جمع للملهى أو للملهاة – بل الخبير في التصاريف هو الصرفي. فتأمل
كما يرد على المؤيد الثاني: ان العرف يحتمل في الملاهي كلا المعنيين، كما يحتمله في مطلق هذا الجمع إذ كما يحتمل ان يكون معنى مدينة الملاهي مدينة آلات اللهو يحتمل ان يكون معناها مدينة أنواع اللهو. بل نقول:
أن اغلب الجموع التي على هذا الوزن من الناقص الواوي أو اليائي يراد بها غير اسم الآلة فلاحظ مثلاً (مناهي الرسول ( صلى الله عليه وآله )) فانه جمع النهي لا اسم الآلة([8]) وكذلك قولهم (المساعي الحميدة) فانها جمع المسعى مصدراً لا اسم الآلة (آلات السعي) وكذلك مناحي فان المراد بها النواحي لا آلة الناحية – ان فرضت – وكذلك (المجاري) فانه يحتمل فيها اسم المكان (كمجاري المياه) ويحتمل فيها المصدر كـ((مَجَارِيَ الْأُمُورِ وَالْأَحْكَامِ عَلَى أَيْدِي الْعُلَمَاءِ بِاللَّهِ الْإِمْنَاءِ عَلَى حَلَالِهِ وَحَرَامِه...))([9]) أي جريانها أو محل جريانها ويبعد إرادة آلات جريان الأمور.
وجوه ارجحية كون الملاهي جمع الملهى لا الملهاة
واما قوله (لا وجه لترجيح احدهما على الآخر...) فيرد عليه ان هناك – إضافة إلى ما سبق - وجوهاً عديدة لترجيح كون الملاهي جمع الملهى مصدراً لا الملهاة اسم آلة وهي:
1- عدها من الكبائر
أولاً: عدها في الرواية من الكبائر أي المحرمات الكبيرة فان من الواضح ان اللهو كفعل من الأفعال يصلح لأن يقع متعلقاً للحرمة وكونه محرماً وموصوفاً بالكبيرة دون الملهاة كآلةٍ إذ الآلة بما هي آلة لا تقع متعلقاً لتكليف بالحرمة ولا غيرها ولا هي معصية صغيرة أو كبيرة.
والحاصل: ان آلة اللهو لا تكون بنفسها من الكبائر فلا يصح القول (عد من الكبائر الاشتغال بالملاهي...) خاصة مع عدم وجود كلمة (الاشتغال) في رواية الأعمش إذ لا يصح القول (عد من الكبائر الملاهي) إذ آلات اللهو لا يعقل كونها محرمة إلا بنحو المجاز في الحذف الذي لا يصار إليه إلا بعد تعذر الحقيقة وهي ممكنة([10]) إذ يقال (عد من الكبائر الملاهي) أي اللهو أي أنواع اللهو فان اللهو فعل. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) كتاب المكاسب ج2 ص44.
([2]) وسائل الشيعة ج15 ص331 باب تعيين الكبائر التي يجب اجتنابها.
([3]) كالمرمى والمقتل المراد بهما الرمي والقتل.
([4]) أي حمل الملاهي، تبعاً لرفع اليد عن ظهورها في اسم الآلة.
([5]) وهو اللهو.
([6]) أي في الفعل.
([7]) مصباح الفقاهة ج1 ص647.
([8]) إذ ليس المعنى آلات نهي الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بل أنواع نهي الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إذ تقول: نهى نهيان مناهي.
([9]) مستدرك الوسائل ج17 ص315.
([10]) بل هي التي على القاعدة وهي الأظهر. |