بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث
(4)
تتمة مناقشات كلام الايرواني
ثالثاً: ان تخصيص اللهو بالاشتغال باللذائذ الشهوية، تخصيص من غير مخصّص، ولا نجد له في اللغة ولا في العرف عيناً ولا أثراً، مع انه لو كان لذكره اللغويون كأحد المعاني بل حتى كأحد الأنواع المستعمل فيها اللفظ مع ان من دأبهم أو دأب المفصّلين منهم على الأقل استيعاب كافة المعاني الحقيقية[1] أو حتى كافة موارد الاستعمال (المشهورة أو الأعم)، الأعم من المجاز كما ذهب إليه جمع. فتأمل
هذا إن أريد من (الشهوية) المعنى الأخص أي الشهوة الجنسية، أما لو أريد منها مطلق الشهوة مما ورد في الآية الشريفة (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) أي ما عدا اللذائذ العقلية والعلمية[2] فقد يكون له وجه إلا ان ينقض بمثل ألعاب القمار من غير مراهنة كالشطرنج، بناءاً على ما أدعوه من انه رياضة عقلية، فانه لهو وإن لم تكن فيه لذة شهوية، على فرض تمحضه في ترويض الفكر. فتأمل نعم لا شك في حرمة الشطرنج مطلقاً سواء تقوم به أم لا إلا ان الكلام في صدق عنوان اللهو.
رابعاً: قوله (بلا قصد غاية) قد يورد عليه انه لا لهو إلا وله غاية الالتذاذ وهي غاية من أهم الغايات العقلائية في الجملة وإن كانت بعض مصاديقها محرمة عقلاً أو شرعاً لوجود مزاحم أهم أو لكون نفس هذه اللذة في ذاتها ذات مفسدة وإن لم نكتشفها لإحاطة الشارع بوجوه المصالح والمفاسد دوننا.
نعم أجبنا عن ذلك بان الظاهر ان هذا القيد مستبطن في كلامه وكلام الشيخ وانه يقصد (بلا قصد غاية غير اللذة) وبذلك يندفع ما أشكل به في فقه الصادق[3] على الشيخ الانصاري قال: (ولكن يرد عليه - مضافاً إلى ما في الاحتمال الأخير من نحو من الإجمال، إذ تحصيل مقتضيات القوى الشهوية بأنفسها أغراض عقلائية) ولعله لما أشرنا إليه ذيّله بـ(فتأمل).
خامساً: قوله (وإن كانت الغاية حاصلة) يرد عليه انه لا إطلاق لذلك إذ قد يكون وجود الغاية من القوة بحيث يوجب انطباق عنوان اللهو وإن لم يقصده أو قصد ضده، وقد يكون بحيث يوجب سلب عنوان اللهو وإن قصده.
والأول كالغناء والرقص فانهما لهو وإن قصد بالرقص فرضاً الرياضة وقوة البدن أو قصد بالغناء – كالتغني بالقرآن – القرب إلى الله تعالى بزعمه.
والثاني كما لو قصد بكلامه مع زوجته أو مع خطيبته التي عقد عليها لتوه، الالتذاذ الشهوي، مع كونه كلامه في ذكر بطولات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أو قصص المجاهدين في الإسلام. فانه لا يصدق على حديثه هذا أنه لهو وإن لم تكن قاصداً غاية التربية بل كان قاصداً غاية اللذة الشهوية إذ الحديث الحلال مع الحبيب حبيب.
والسر في ذلك ان الغايات تختلف فقد تكون من القوة بحيث تلِّون ذاها وتفصّله حتى على خلاف قصد فاعله وقد يغلبها القصد وقد يتكافآن.
أصناف الأفعال وظهورها بالنسبة للغايات
والحاصل: ان الأفعال على ثلاثة أقسام:
أ- فقد يكون ظهورها في اللهوية من القوة بحيث لا يغيره عن عنوانه قصدُ غايةٍ أخرى، وذلك كالرقص الوجدي الصوفي فانه لهو قطعاً وإن قصدوا بزعمهم القرب إلى الله به، وكالغناء فإن هيئته الصورية اللهوية تغلب على أي قصد آخر بل حتى على مادته وإن كانت أسمى المواد كالقرآن الكريم ولذا حرم التغني بالقرآن الكريم.
2- وقد يكون ظهورها في الجدية واللالهوية من القوة بحيث لا تخرجه النية والقصد عن كونه جداً إلى اللهو وذلك مثل الصوم أو الركوع والسجود أو الحج في الجملة.
3- وقد يكون العنوان في حد ذاته حياداً فتلّونه النية والقصد سلباً وإيجاباً وذلك كالمشي مثلاً.
سادساً: قوله (سواء أصدرت منه حركة جوارحية أم لا كما في استماع آلات الأغاني) يرد عليه إضافة إلى ما سبق من انه ليس على إطلاقه إذ ليس كل انشغال للنفس باللذائذ لهوياً[4] بل بعضه كذلك وبعضه مرتهن بالمبرِز. أقول: يرد عليه ان الاستماع هو فعل الجارحة (السامعة) إذ لا فعل لها غير ذلك كما ان الاستشمام هو فعل الشامه ولا فعل لها غير ذلك.
مناقشة ما ذكره فقه الصادق ( عليه السلام )
ويرد على ما ذكره فقه الصادق ( عليه السلام ) من الاستشهاد بالآيات الكريمة:
ان الاستعمال في الحقيقة – أي في معنى حقيقي – هو أعم من انحصار الحقيقة بذلك المورد وهذه قاعدة أخرى غير قاعدة الاستعمال أعم من الحقيقة، إذ قاعدتنا الجديدة هي ان الاستعمال في معنى وإن ثبت كونه حقيقة فيه، كما في الآيات مورد البحث، فانه لا يدل على انحصار الحقيقة به أي لا يدل على انحصار الموضوع له به، وذلك لأن اللفظ قد يكون كلياً استعمل في بعض أصنافه كالأسود إنسان أو يكون مشتركاً لفظياً، والحاصل ان إثبات الشيء لا ينفي ما عداه.
وعليه فان كون (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ) مثلاً يراد به إلهاء نفوسهم وقلوبهم، وإن صح فرضاً[5]، فانه أعم من كون الإلهاء واللهو لا يستعمل بنحو الحقيقة إلا فيه. وللكلام صلة.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
[1] بل حتى غير المفصّل فانه يذكر أهم المعاني، واللذائذ الشهوية هي أهم معاني أو مصاديق اللهو فلِمَ لم يذكروها؟
[2] أو اللذة الحاصلة من الانشغال بالصناعات النافعة أو الزراعة أو شبه ذلك، فانها ليست لهواً.
[3] فقه الصادق ( عليه السلام ) ج21 ص339.
[4] سبق انه لو فكر فيما لا طائل تحته فانه ليس بلهو وإن صدق عليه الالتهاء وقد أوضحنا العام الماضي إمكان ووقوع التفكيك بين المصدر وأسمه أو بين المصدر ومشتقاته في الصدق وعدمه على الشيء الواحد فقد يصدق الالتهاء ولا يصدق اللهو كما في المقام.
[5] وستأتي المناقشة.
|